روسيا في الأزمة الخليجية: الحصان الرابح

تربط روسيا بكل من السعودية وقطر علاقات متشابكة، مصالح متبادلة، وخلافات واسعة، في آن واحد. آخر مظاهر العلاقات المتشابكة؛ التوجه القطري نحو روسيا إثر الأزمة الخليجية، واستعداد الأخيرة لمساندتها، وتطلعها للعب دور أكبر في الأزمة.

نحاول في هذا المقال البحث في أبعاد العلاقات الروسية مع كل من السعودية وقطر، سواءً من ناحية تباين المصالح، أو توافقها، خاصة في ظل المتغير الأهم في المنطقة العربية في الفترة الأخيرة، وهو الأزمة الخليجية.

المصالح الروسية السعودية

أهم ما تريده السعودية من روسيا في ظل الأزمة الخليجية، ألا تكون عوناً لقطر، وتظهر أهمية هذا الأمر؛ إذا لاحظنا أن وزير الخارجية القطري سارع لزيارة روسيا بعد أيام قليلة من الأزمة، وقتئذ أعلنت روسيا استعدادها لتوفير حاجات قطر الغذائية، وأكد رئيسها على ضرورة إنهاء الأزمة الخليجية، وحلها من خلال الحوار، وهو ما يمكن تفسيره برفض روسي لأي إجراء خليجي “عنيف” ضد قطر، خاصة مع تأكيد وزير الخاريجة الروسي سيرجي لافروف على ضرورة التوصل لحلول مقبولة من جميع أطراف الأزمة.

كذلك من المهم للسعودية توقف روسيا عن مساندة تركيا، خاصة بعد وقوفها مع قطر بقوة في الأزمة الخليجية، خصوصاً وأن العلاقات الروسية التركية باتت قوية وفي أحسن حالاتها، وآخر مظاهر قوتها عقد صفقة بين روسيا وتركيا، يتم بموجبها شراء تركيا لمنظومة أس 400 الصاروخية، وهذا بلا شك يساهم في قوة تركيا، وهو ما يعني أيضا قوة قطر كحليف لها.

تريد السعودية من روسيا أيضاً؛ تغيير موقفها في سوريا، وربما لا تمانع السعودية كثيراً في وجود روسي في سوري، قدر ممانعتها للوجود الإيراني، الذي يعد توسعه في سوريا ضربة كبيرة لها. والسؤال هنا: هل يمكن أن تتنازل السعودية قليلاً في موقفها حيال الوجود الروسي الإيراني في سوريا، مقابل تراجع البلدين عن مساندة قطر، بمعنى هل يمكن أن تقايض السعودية القبول ببقاء بشار الأسد في سوريا، بتخلٍ روسي إيراني عن قطر؟

هذا سؤال لا يمكن الآن التكهن بإجابته، إلا أن السعودية حتى لو كانت مستعدة لذلك العرض؛ إلا أنها لن تلجأ إليه؛ إلا إذا ضمنت تخلي واشنطن والغرب بشكل مؤكد وتام عن قطر، وإلا لن يكون لإجرائها هذا أي معنى، كما أنه لا يمكننا كذلك التكهن بالموقف الروسي الإيراني من ذلك العرض إن قُدِّم لهما من السعودية.

الأمر نفسه يمكن قوله بحق اليمن والعراق، فالسعودية لا تريد لروسيا أن تساند خصومها في البلدين، خاصة على الصعيد الدبلوماسي، ويمكن التأكد من أهمية هذا الأمر، إذا علمنا أن التدخل السعودي في اليمن لم يكن ليحوز على شرعية أممية، لولا امتناع روسيا عن استخدام حق الفيتو ضد القرار 2216، الذي منح السعودية شرعية التدخل العسكري هناك.

تسعى روسيا من جانبها ومن خلال تعزيز علاقتها بالسعودية لتحقيق مصالحها الاقتصادية المهمة، حيث يمكن للسعودية الإضرار بروسيا بشدة إذا قامت بزيادة إنتاجها للنفط ما يؤدي لانخفاض الأسعار، وهو ما تسعى لتجنبه روسيا، التي عقدت بالإضافة إلى دول أخرى اتفاقاً مع منظمة الأوبك في نوفمبر 2016م، ينص على خفض الإنتاج لضمان ارتفاع الأسعار.

تحرص روسيا كذلك على زيادة استثمارات السعودية في روسيا، وهي حريصة أيضاً على عقد صفقات سلاح معها، فبينما تمثل روسيا المُصدِّر الثاني للسلاح في العالم، تعد السعودية من أكبر الدول المستوردة له، هذه القضية تدفع روسيا لمحاولة الفوز بصفقات تسليح مع السعودية، بينما تحاول الأخيرة استثمار ذلك للضغط على روسيا في بعض الملفات، كتخفيض حجم تحالفها مع إيران مثلاً، ومن الصفقات المهمة بين البلدين؛ الاتفاق قبل أكثر من عام على بناء 16 مفاعلاً نووياً للاستخدام السلمي.

لماذا توجهت قطر لروسيا؟

ما يهم قطر في ظروفها الحالية هو الحصول على مساندة روسية ضد الحصار الخليجي، وهو ما قد يدق جدار المخاوف لدى بعض الدول الغربية؛ من إمكانية نشوء تحالف ما بين قطر وروسيا، إذا استمر الضغط عليها، ولا يعني هذا أن قطر يمكن أن تنهي علاقاتها الواسعة بالغرب، وإنما نتحدث هنا عن إجراء يشبه ما قامت به تركيا، حين توجهت لتوثيق علاقاتها بروسيا، رغم حفاظها على علاقاتها المتينة بواشنطن وبحلف الناتو، لكن هذا الأمر في النهاية يعزز الوجود الروسي في المنطقة العربية، وهو ما التقطته روسيا سريعا حيث أعلنت استعدادها لإجراء وساطة بين أطراف الأزمة، رغم رفضها ذلك سابقاً، وإعلانها دعم المبادرة الكويتية.

الأمر الآخر بالنسبة لقطر وإن لم يكن بالأهمية ذاتها، فهو أن تغير روسيا موقفها من بقاء نظام الأسد، ورغم توثيق العلاقات بينهما بعد الأزمة الخليجية إلا أن روسيا أعلنت أن قطر لم تغير موقفها من أزمة سوريا، وهو ما أكدته قطر حينما قالت على لسان وزير خارجيتها: إن سياستها إزاء الأزمة السورية مازالت مستمرة، والمبدأ الأساسي الذي تستند إليه يبقى تحقيق العدالة، وما يقرره الشعب السوري، وهو ما يُفهم منه رفضها لبقاء بشار الأسد في السلطة، إلا أننا لا يمكن أن نكون متأكدين فعلياً من حقيقة الموقف القطري على الأرض حتى اللحظة، وفي المقابل تسعى روسيا لتغيير موقف قطر من تواجدها في سوريا، خاصة في ظل تحسن علاقاتها مع إيران.

المصالح الروسية في قطر

اقتصادياً؛ يمكن لروسيا أن تستفيد من تعزيز علاقاتها مع قطر، فهما من أكبر منتجي الغاز في العالم، والتعاون بينهما يضمن الحفاظ على أسعار مناسبة له، كما تسعى روسيا للاستفادة من الاستثمارات المالية القطرية الكبيرة، خاصة إذا علمنا أن الصفقة الأكبر عام 2016 كانت بقيمة 11.3 مليار دولار، حيث اشترت بموجبها قطر بالتحالف مع شركة غلينكور 19.5% من أسهم شركة روس نفط الروسية.

كما يمكن لروسيا أن تستفيد من عقد صفقات سلاح مع قطر، خاصة في ظل احتمال توجهها لتعزيز قوتها العسكرية، بعد تخوفها من هجوم عسكري عليها، وهو ما يعزز – بالإضافة إلى فوائده الاقتصادية – الوجود الروسي في المنطقة العربية، وتبدو أبرز تجليات ذلك في الحديث القطري عن زيارة مرتقبة لوزير الدفاع الروسي، حيث ستعقد بين الطرفين اتفاقية للتعاون العسكري التقني، وسبق أن أعلنت روسيا أنها ناقشت مع قطر إمكانية تصدير أسلحة الدفاع الجوي إليها، وأنها ترحب بذلك.

كل ما سبق يؤكد على أن العلاقة السعودية الروسية؛ تحمل بين جنباتها العديد من المصالح الاقتصادية المشتركة، والخلافات السياسية الواسعة، لكن بينما تعمل روسيا على استثمار الأزمة الخليجية لتعزيز وجودها ومصالحها في المنطقة، تعمل كل من السعودية وقطر لجذب روسيا إليها، والاستفادة منها في إطار الصراع بينهما، رغم سابق الخلاف بين روسيا من جهة؛ وقطر والسعودية من جهة أخرى في الملف السوري، الذي يبدو أن الاهتمام الخليجي به تراجع لصالح الأزمة البينية، بينما مازالت روسيا تعمل لتحقيق أهدافها السابقة في سوريا، وتحقيق أهداف جديدة في الخليج.

 

منشورات أخرى للكاتب