قطر والإخوان المسلمين: مسببات القوة ودافع البقاء

كان أحد مبررات تحالف الدول الخليجية ومصر لحصار دولة قطر، علاقات الأخيرة بجماعة الإخوان المسلمين، ومن الواضح أن علاقة قوية -مقارنة ببقية الأنظمة العربية- تربط بين قطر وجماعة الإخوان المسلمين. فلماذا تحافظ قطر على علاقاتها بالجماعة، ولماذا ترفض التخلي عنهم رغم الضغوط الشديدة عليها من قبل دول الخليج؟ هذا ما سنحاول التعرف على بعض أسبابه في هذا المنشور.

ينبغي التأكيد بداية على أن قطر لا يبدو أنها تصر على علاقاتها بالإخوان المسلمين لأسباب إيديولوجية، أو لأنها تعتقد صوابية أفكارهم، فالدول -بشكل عام -لا تفكر غالباً بهذه الطريقة، ولا تسعى بالدرجة الأولى إلا خلف مصالحها، وبالنسبة لقطر على وجه الخصوص، فلا يمكن القول أنها قريبة بشكل أو بآخر من نهج جماعة الإخوان المسلمين، فالعلاقة بين الدوحة وواشنطن علاقة وثيقة، وبينهما تعاون أمني وعسكري واسع، كما أنها كانت على علاقة علنية بإسرائيل حتى عام 2000م حين قطعت قطر علاقاتها بإسرائيل نتيجة “انتفاضة الأقصى”.

كما لا يمكن القول أن قطر تساند الإخوان المسلمين لإيمانها بحق الشعوب في الديمقراطية والحرية، فنظام الحكم في قطر قبل كل شيء هو نظام وراثي، ولا يوجد في قطر أي عمليات انتخابات تحت أي أطر للحكم الديموقراطي. فما هي الأسباب الحقيقية إذاً؟

عند تأمل المشهد يمكن طرح مجموعة من الأسباب التي يمثل مجموعها أو بعضها الأسباب الحقيقية لإصرار قطر على تلك العلاقة:

  • علاقة قطر بالإخوان تأتي في إطار دور قطري يخدم واشنطن ومصالحها

يرى البعض أن قطر في علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين تمارس دوراً وظيفياً لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمثل وسيطاً بين الإخوان المسلمين وبين الولايات المتحدة، في حال حاجة الأخيرة للتواصل معهم، ولهذا تمنح قطر عددا من حركات المقاومة والجهاد كحماس وطالبان مكاتب على أرضها، وقد صرح وزير الخارجية القطري السابق بأن قطر فعلت ذلك بناءً على طلب من واشنطن.

ويرى البعض أن ما تفعله قطر تجاه المعارضات العربية وعلى رأسها الإخوان إنما يأتي في إطار دور وظيفي لصالح واشنطن حيث تسعى الأخيرة لتنفيس حدة الغضب في المنطقة العربية، من خلال تخفيف الآثار الكارثية للقمع الحاد الذي تمارسه الأنظمة الحاكمة، هذا الغضب الذي يمكن أن ينفجر بشدة إذا لم يتم تنفيسه في مسارات محسوبة وتحت السيطرة، ولهذا تستضيف قطر – بناءاً على وجهة نظر أصحاب هذا الرأي – عدداً من المطرودين من مصر من الإخوان المسلمين، ولهذا، تخفف قطر من الآثار الكارثية للحصار الإسرائيلي والعربي على غزة.

  • علاقة قطر بالإخوان تأتي في إطار رؤية قطر لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية:

يرى البعض أن قطر تسعى إلى تعزيز قوتها الناعمة، والتحول إلى دولة مؤثرة، وتطوير مكانتها الإقليمية مقارنة بباقي الدول الخليجية منها والعربية على حد سواء. ولذلك تعزز الدوحة علاقاتها بحركات المعارضة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، ما يمنحها قدرة على تحقيق الوساطة الديبلوماسية بين تلك الجماعات وبين دولها، ويمكن إدراك هذا من خلال المراقبة والتنبه للدور القطري في تحقيق المصالحة في السودان بين الدولة والمعارضة.

تدفع هذه المكانة والتموضع مختلف الدول إلى تعزيز علاقاتها بقطر، حفاظاً على مصالحها المتمثلة في عدم منح قطر مأوىً مكانياً أو إعلامياً للمعارضة، أو الضغط على هذه المعارضة أو تلك أو إحراجها لتقديم تنازلات – على الأقل -، كما يمكن لقطر أن تتحول إلى وسيط بين الإخوان والدول الغربية ذات المصالح في المنطقة.

قد يكون توثيق قطر علاقتها بالإخوان المسلمين أيضاً؛ عاملاً مساعداً لتوظيفهم لاحقاً في مواجهة أنظمة الحكم التي تعاديها، أو للضغط عليها لأي سبب كان، وهو ما يحقق لقطر حصانة من أي إضرار بمصالحها من جانب أي بلد يكون فيه للإخوان المسلمين حضور وازن.

  • علاقة قطر بالإخوان تأتي في إطار سعي قطر لتعزيز علاقتها بشعوب المنطقة:

في إطار سعي قطر لتعزيز مكانتها ودورها، تعمل على تعزيز علاقاتها بالشعوب المختلفة، ولذا تنشئ المؤسسات الخيرية التي تساعد الفقراء والمنكوبين في المناطق المأزومة، وتنشئ المؤسسات الإعلامية التي تستجيب لحاجات الشعوب المقهورة، وفي الإطار ذاته تدرك قطر أن الشعوب العربية تكره الأنظمة الحاكمة، وتميل ولو جزئياً لجماعة الإخوان المسلمين كبديل محتمل لتلك الأنظمة، فالإخوان المسلمون خيار انتخابي لنسبة كبيرة من المواطنين، وبالتالي تكسب أصحاب ذلك الخيار من الشعوب العربية، ونحن نرى آثار هذا الموقف في حجم التعاطف الشعبي الواسع مع قطر في أزمتها الراهنة مع تحالف السعودية والامارات والبحرين ومصر في العديد من الدول العربية، ولا يمكن تخيل وجود مثل هذا الحجم من التعاطف لو كانت قطر على عداء مع جماعة الإخوان.

  • علاقة قطر بالإخوان تأتي في إطار توقعاتها سيطرة الإخوان على المنطقة العربية

أكثر التوقعات كانت تشير الى أن جماعة الإخوان المسلمين ستحكم العديد من دول الوطن العربي، أو ستكون شريكاً في حكمها على الأقل، كما تشارك النهضة في حكم تونس حالياً. وبالتالي، كانت قطر عبر تشبيكها وتعزيز علاقاتها مع الإخوان المسلمين تستعد مبكراً لتحقيق مصالحها المستقبلية.

كل تلك أسباب مؤكدة أو محتملة، جزئياً أو كلياً؛ لإصرار قطر على استمرار علاقاتها بالإخوان المسلمين، وستخسر قطر كثيراً من أسباب قوتها الناعمة بقطع هذه العلاقة معهم، دون أن تجني في المقابل شيئاً جوهرياً، فالمتوقع أن دول الخليج لن تقبل من قطر إلا تنازلها عن إرادتها السياسية المستقلة بشكل كامل؛ لتخضع خضوعاً تاماً لدول الحصار، سياسياً، وديبلوماسياً، وإعلامياً.

فهل تبدو قطر مضطرة فعلاً إلى التخلي عن الإخوان المسلمين في هذا التوقيت؟

منشورات أخرى للكاتب