ما هي أسباب العداء السعودي والإماراتي للإخوان المسلمين؟

رغم أن علاقة الدول الخليجية بجماعة الإخوان المسلمين تنوعت سابقاً ما بين الانفتاح والتبني والتضييق باختلاف الظروف السياسية وتطورات الأحداث، إلا أن الفترة التي أعقبت الثورات العربية الأخيرة شهدت عداءً سعودياً وإماراتياً واضحاً لجماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات القريبة منها؛ ليس في الخليج فحسب، بل في مختلف الدول العربية، خاصة تلك التي شهدت ثورات وثورات مضادة كمصر وليبيا واليمن، بل كان ذلك العداء سبباً – معلنا على الأقل – لمواجهة كل من السعودية والإمارات والبحرين لقطر، فما هي أسباب العداء السعودي والإماراتي لجماعة الإخوان المسلمين؟
بعد استقراء كافة الأسباب المحتملة لذلك العداء من وجهة نظر العديد من المهتمين، يمكننا حصرها في أربعة أسباب رئيسية، تشكل كلياً أو جزئياً دوافع المواجهة التي تقودها الدولتان ضد جماعة الإخوان المسلمين وفروعها المتعددة في مختلف الدول العربية.

 

الخوف على السلطة

تسعى الأنظمة العربية إلى الحفاظ على ذاتها بكل قوة، ومن هنا فإنها تعمل على تحجيم أي خصوم محتملين، ومواجهتهم بكل قوة وقسوة، والنظامان الحاكمان في السعودية والإمارات يريان في جماعة الإخوان خطراً، بل إننا لو تأملنا الواقع السياسي في البلدين لن نجد أي جماعة منظمة فيهما سوى جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي لا يمكن لقوة داخلية أن تزيح النظام في أي من البلدين سواها.
تأكد هذا الخطر بعد ثورات الربيع العربي حيث لعبت جماعة الإخوان دورا بارزا فيها، وكانت بديلاً للأنظمة التي سقطت، أو شريكة في الحكم الذي أعقب تلك الثورات، ومن هنا تعمل كل من السعودية والإمارات على تجنب أخطاء الأنظمة التي سقطت، بالمواجهة المسبقة لجماعة الإخوان وتحجيمها.
ولكن لماذا لم تكتف السعودية والإمارات بمواجهة جماعة الإخوان على أرضيهما؟، ولماذا عادت الدولتان الجماعة في سائر الدول العربية؟. إن النظامين في السعودية والإمارات يريان أن نجاح الإخوان في مصر أو تونس أو اليمن أو غيرها من البلدان، سيمنح الإخوان السعوديين والإماراتيين نموذجا ملهما، يرفع من روحهم المعنوية، حيث سيقتدون بالتجربة الناجحة للجماعة الأم في مصر، أو الجماعات المشابهة في بقية الدول، بينما سيمثل إسقاط الإخوان وإفشال تجربتهم ضربة قاصمة للإخوان في السعودية والإمارات، ما يدخلهم في حالة صدمة نفسية تدفعهم لمرحلة انكفاء ذاتي.

 

الهيمنة على الإقليم

يرى البعض أن السعودية والإمارات تسعيان للهيمنة على المنطقة العربية، ومن هنا تسعى الدولتان إلى التضييق على قطر، وقد مثّل ذلك امتدادا للسياسة السابقة للدولتين والتي عملتا من خلالها على إسقاط أنظمة الإخوان، والإتيان بأنظمة موالية لهما، تتمكن من السيطرة عليها، لضعفها وضمان شرعيتها وحاجتها إلى المال الخليجي، فسيطرة القائد العسكري خليفة حفتر وحلفائه على ليبيا تعني -في الغالب- دوران السياسة الليبية في الفلك السعودي الإماراتي، بينما سيحدث العكس لو سيطر الإخوان هناك لصالح قطر، والسياسة اليمنية ستخرج عن طوع السعودية والإمارات في حال نجاح إخوان اليمن في حكمه، بل ربما يمثلون من وجهة نظر السعودية والإمارات خطرا على الخليج، وهكذا في سائر البلدان العربية الأخرى.

 

دور وظيفي أمريكي

يرى البعض أن السياسة السعودية والإماراتية تجاه الإخوان المسلمين، ليست نابعة بدرجة أساسية من قرار ذاتي من البلدين، وإن وافق هواهما، بل إن تلك السياسة مجرد وظيفة يقومان بها في إطار التماهي والاستجابة للإرادة الأمريكية التي ترى – من وجهة نظر أصحاب هذا الرأي على الأقل – في جماعة الإخوان المسلمين خطراً على سياستها في المنطقة، وبالتالي هي التي تُكلف الإمارات والسعودية بمحاربة الإخوان والأنظمة التي قاموا بتأسيسها في دول الربيع العربي، ولو أرادت واشنطن لأوقفت السياسة العدائية السعودية والإمارتية للإخوان، بينما قد يرى البعض أن واشنطن لم تطالب البلدين بمعاداة الإخوان، ولكنها تستفيد منها، ويتساءلون: ولماذا إذن لا تعادي قطر الإخوان، وهي حليف قوي لواشنطن كما هي السعودية والإمارات.
ويُذكر هنا أن بعض الباحثين يرى؛ أن السعودية وفي إطار دور وظيفي أمريكي شجعت الإسلاميين وخاصة الإخوان على محاربة الوجود السوفياتي في أفغانستان في نهايات القرن الماضي، وكانت علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين آنذاك مميزة وفاعلة، كما كانت علاقتها بالإخوان ممتازة إبان الحقبة الناصرية، حيث كان عبد الناصر يميل للاتحاد السوفياتي ويتحالف معه، بينما كانت علاقة السعودية بواشنطن ممتازة، فهل كانت السعودية تساند الإخوان نكاية في عبد الناصر انطلاقا من رغبة ذاتية، أم من دور أمريكي يسعى لحصار الأنظمة الموالية لعدوها اللدود آنذاك الاتحاد السوفياتي.. السؤال نفسه مازال قائماً حتى اليوم.

 

عداء ايديولوجي
يرى البعض أن السعودية والإمارات تعاديان الإخوان انطلاقا من دوافع ايديولوجية صرفة، وإن اختلفت طبيعة تلك الدوافع من دولة لأخرى، فالنظام السعودي يؤسس شرعيته على فكرة طاعة ولي الأمر، وتساند تياراً واسعاً يدعو لذلك، ويركز كافة اهتماماته في قضايا بعيدة عن السياسة داخليا أو خارجيا، بينما يمثل الإخوان المسلمون نهجا مختلفا يواجه الأنظمة الحاكمة، ويشارك في الثورة عليها كما هو الحال في مصر واليمن، ويعادي السياسة الأمريكية، ويفضح الأنظمة المتعاونة معها، وبالتالي يمثل انتصار فكر الإخوان سقوطا لفكرة السمع والطاعة للحاكم، ما يسقط شرعية الأنظمة الحاكمة انطلاقا من تلك الفكرة.
وتخشى السعودية تسرب تلك الأفكار الإخوانية إلى الجماعات الأخرى التي لا تشارك اليوم في السياسة، فتقتدي بالإخوان وتشارك في الحياة السياسية، وربما مثلت تجربة التيارات السلفية في مصر بعد الثورة، حيث شاركت في الانتخابات لأول مرة، مؤشرا على جدية تلك المخاوف وأهميتها.
بينما يرى البعض أن الإمارات تسلك في الفترة الأخيرة منحىً علمانيا، معادٍ للتدين بشكل عام، ومن هذا المنطلق ترى في جماعة الإخوان خطراً على هذا النهج، حيث يمكنها إقناع الجماهير الخليجية -المحافظة أصلاً- برفضه.
ورغم أن تلك الأسباب تظل في طور التكهنات التي يمكن استشفافها دون الجزم بها، إلا أن الغالب أن خلطة من تلك الأسباب الأربعة – وإن بنسب مختلفة – تمثل سر العداء السعودي الإماراتي لجماعة الإخوان المسلمين.

منشورات أخرى للكاتب