صفقة القرن مستمرة: لا شيء مهم في القدس

رفضت دول الخليج العربية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال “إسرائيل”، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس. المملكة العربية السعودية عبرت عن استنكارها للقرار واعتبرته “غير مبرر وغير مسؤول”، ودعت دولة الكويت لبلورة وصياغة رد فعل عربي فاعل لمواجهة القرار.

 وفيما اعتبرت الإمارات القرار بمثابة هدية للتطرف، رأته دولة قطر تصعيداً خطيراً وحكماً بالإعدام على كل مساعي السلام، أما البحرين ورغم أنها اعتبرت أن القرار يهدد عملية السلام ويعطل جميع المبادرات والمفاوضات للتوصل إلى الحل النهائي المأمول، إلا أن وفداً بحرينياً قام بزيارة إسرائيل بشكل علني عقب القرار بأيام قليلة فقط، وتجول الوفد في البلدة القديمة في القدس. ورغم أن الوفد غير حكومي، إلا أنه ما كان ليفعل ذلك -غالباً- لولا وجود موافقة رسمية من الدولة.

أما بالنسبة للمواقف غير الرسمية فقد كانت في غاية الضعف، وربما كان ذلك بسبب الظروف السياسية والأمنية التي تشهدها دول الخليج داخلياً، وفيما شهدت الكويت والبحرين مظاهرات شعبية رافضة لقرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، لم تشهد السعودية أي فعاليات مساندة للقضية الفلسطينية، بل كان اللافت أن خطبة الجمعة في الحرمين المكي والنبوي تجاهلت قضية القدس، فكانت الخطبة في المسجد الحرام عن الوفاء بالعهد، وفي نهايتها تحدث الخطيب بشكل مقتضب عن دور السعودية في الدفاع عن فلسطين، بينما تحدثت الخطبة في المسجد النبوي عن الأحوال الجوية والقضايا الفقهية المتعلقة بها، ويمكن مقارنة هذا الموقف مثلاً بموقف بابا الأقباط في مصر والذي رفض مقابلة نائب الرئيس الأمريكي احتجاجاً على القرار الأمريكي ضد القدس.

لا شك أن المواقف العربية وبينها المواقف الخليجية من القرار مواقف ضعيفة، لا يمكن أن تغير في الواقع شيئاً، وفي الغالب لا يُتوقع اتخاذ هذه الدول أية مواقف مؤثرة لاحقاً، وكل ما يجري هو مجرد تصريحات تهدف لرفع العتب الشعبي بالدرجة الأساسية. وعلى صعيد العلاقات الخليجية الأمريكية، لم يصدر أي موقف خليجي يوحي بإمكانية تأثر العلاقات التي تبدو في غاية القوة بين الدول الخليجية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي حظي قبيل أشهر قليلة باستقبال حافل في السعودية انتىهى بصفقات مالية بمئات المليارات.

أما على صعيد العلاقات الخليجية مع إسرائيل، فلا يمكن تقدير مدى تأثرها بما جرى، فدول الخليج لم تعلن -حتى الآن- عن تمتين علاقاتها بإسرائيل، إلا أن تل أبيب كانت قد أعلنت –على لسان نتنياهو- عن وجود علاقات متينة مع دول خليجية لم تسمها، ولذلك لا يمكن التعرف على مدى تأثر تلك العلاقات بما جرى، إلا أن المرجح أنها لم تتأثر بذلك، خاصة أن غالبية الدول الخليجية رفضت القرار الأمريكي محذرة من خطورته على عملية السلام، ما يوضح أنها مازالت معنية بالتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، ولو كانت الدول الخليجية ترى غير ذلك، لقامت السعودية بسحب مبادرتها للسلام بين العرب وإسرائيل، واشترطت عودتها بالتراجع عن القرار الأمريكي، ويؤكد استمرار العلاقات السرية بين تل أبيب وبعض العواصم الخليجية زيارة الوفد البحريني لإسرائيل -أُشير إليها سابقاً- التي جاءت في توقيت حساس يؤكد أن تلك العلاقات لم تتأثر بالموقف الأمريكي الجديد.

هذه المواقف تدفعنا الى الحديث عن صفقة القرن التي لم تتضح ملامحها بعد، لكن التسريبات تشير إلى أنها تسعى لإقامة دولة فلسطينية في غزة وأجزاء من سيناء؛ مقابل التخلي عن القدس والمستوطنات في الضفة، وكانت صحيفة التايمز البريطانية أشاعت أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استدعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس في نوفمبر 2017، وطلب منه الموافقة على خطة أمريكية يقودها مستشار ترامب جاريد كوشنير؛ لإتمام عملية السلام بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، وتقتضي التنازل عن القدس والمستوطنات واللاجئين، ويصعب التأكد من طبيعة هذا العرض إلا أن السعودية والسلطة لم تقوما بنفيه رغم خطورته البالغة ومساسه بقضايا خطيرة في وجدان الشعوب العربية.

يبقى ما يجري في المشهد العربي الحالي مقلقاً لكل من يرتبط بقضايا الأمة الوطنية، فالحديث المتواتر عن صفقة القرن، والضغوطات التي تُمارس على السلطة للموافقة على الصفقة الأمريكية لعقد تسوية مع الاحتلال، والحديث الإسرائيلي المتصاعد عن توثيق العلاقات مع دول عربية مهمة، والقرار الأمريكي بحق مدينة القدس، كل ذلك يؤكد أن إسرائيل والولايات المتحدة ماضيتان في خطتهما للسيطرة على القدس وأكبر كم ممكن من الضفة، وتصفية القضية الفلسطينية دون منح الفلسطينيين أي من حقوقهم، وتسوية الصراع مع الأنظمة العربية، ولا يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة يتوقعان أي ردة فعل عربية أو خليجية ذات قيمة، ولن نشهد غالباً أي مواقف خليجية رسمية مؤثرة.

منشورات أخرى للكاتب