الخلاف الخليجي: الأسباب والدلالات

قدمت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر في حصار قطر ومقاطعتها منذ أوائل يونيو 2017 مجموعة من المبررات، وفرضت شروطاً للتراجع عن إجراءاتها. وسنحاول في هذه المقالة استقراء المواقف الخليجية؛ وصولاً إلى الأسباب الأقرب إلى الدقة لهذه الأزمة.

بالإمكان تلخيص مبررات دول الحصار في ستة بنود رئيسية، تشكل كلها أو بعضاً منها أسباباً حقيقية للأزمة.

الموقف من الثورات العربية

مثلت الثورات العربية نقطة خلاف رئيسية بين قطر والدول الخليجية الأخرى، إذ ساندت السعودية والإمارات الأنظمة القديمة أو اتجاهات قريبة منها. على الضفة الأخرى؛ ساندت قطر بعض المكونات المؤيدة للثورات. أدى هذا التباين في وجهات النظر إلى خلاف بدأ بالظهور في وقت مبكر، وتصاعد مع انقلاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مصر، ومهاجمته من قبل الإعلام القطري، لكن تمت السيطرة جزئياً على ذلك الخلاف باتفاق الرياض سنة 2014.

وكان من بنود الاتفاق كما نشرته لاحقاً قناة العربية؛ عدم دعم الإخوان المسلمين، وعدم دعم الفئات التي تشكل خطراً على دول الخليج في اليمن وسوريا ومواقع أخرى، والالتزام بنهج سياسة مجلس التعاون لدعم مصر، والإسهام في استقرارها، ورغم أن قطر تراجعت جزئياً، إلا أن الدول الخليجية لم تر أن الدوحة أوفت بكل ما عليها تعهدات، فكان من مبررات الحصار: استمرار قطر في سياستها التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة.

كما أن استضافة قطر ودعمها لشخصيات وتنظيمات عربية معارضة، خاصة بعد نجاح ما سُمي بالثورات المضادة، مثّل نقطة خلاف جوهرية بين قطر ودول الخليج، وقد أكدت دول الحصار في بياناتها الأولى أن أحد أسباب الحصار، احتضان قطر لجماعات إرهابية وطائفية تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، كالإخوان المسلمين و”داعش” والقاعدة.

التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج

اتهمت الدول الخليجية قطر بالتدخل في شؤونها الداخلية، والعمل على شق الصف الداخلي السعودي، وزعزعة أمن البحرين، ومنح جنسيتها للمعارضين الخليجيين، ورغم أنه لا يمكن البت في حقيقة تلك الاتهامات كلها، إلا أن الملاحظ أن الخلاف الخليجي تصاعد بشكل سريع ومفاجئ؛ تزامناً مع إقالة الأمير محمد بن نايف عن ولاية العهد لصالح الأمير محمد بن سلمان، وقد أشارت بعض التسريبات إلى أن الإمارات لعبت دوراً في ذلك. فهل كانت قطر تنافس الإمارات في إعادة ترتيب منظومة الحكم السعودية بما يحقق مصالحها؟

هذا سؤال لا يمكننا الإجابة عليه، لكننا على كل حال لا يمكن أن نتجاهل أن الأزمة الخليجية تزامنت مع تغيير ولاية العهد بالسعودية.

الخطاب الإعلامي القطري

مثّل الإعلام القطري واحداً من بين أهم مبررات حصار قطر، حيث اتُهمت بـ”التحريض الإعلامي، والترويج لفكر الجماعات الإرهابية عبر وسائل إعلامها”، وجعلت دول الحصار إغلاق قناة الجزيرة ووسائل الإعلام القطرية الأخرى غير الرسمية شرطاً لرفع الحصار، ورغم أن الإمارات بررت في رسالة موجهة إلى الأمم المتحدة أسباب مطالبتها بإغلاق قناة الجزيرة بأنها تمثل منصة لتنظيمات مثل القاعدة و”داعش”، وأنها تبث خطابات لخالد مشعل ومحمد الضيف وحسن نصر الله ورمضان شلح، إلا أن المطالبة بإغلاق الجزيرة ووجهت برفض واسع من قبل مؤسسات صحفية وحقوقية دولية، ما دفع دول الحصار للتراجع، لتطالب لاحقاً بإيقاف قطر كافة أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف.

العلاقات الخارجية المتناقضة

من الأسباب المهمة للغضب الخليجي على قطر؛ أن علاقاتها الخارجية تتناقض مع خارطة تحالفات النظام العربي الرسمي، فقطر كانت على علاقات جيدة بالأنظمة التي جاءت في أعقاب الثورات، مثل الإخوان والنهضة، بينما دعمت الإمارات والسعودية نظام الرئيس السيسي في مصر، وخصوم النهضة في تونس، وخليفة حفتر في ليبيا.

وتميزت قطر بعلاقات جيدة بنظام أردوغان في تركيا، بينما وجهت اتهامات تركية للإمارات بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل، وظهرت قوة العلاقات التركية القطرية، في نشر قوات عسكرية تركية في قطر بمجرد اندلاع الأزمة الخليجية، كما اتهمت دول الخليج قطر بأنها على علاقات ممتازة بإيران، وطالبتها بتقليص تلك العلاقات.

مصالح اقتصادية

كان من بين المطالب الموجهة لقطر تعويض الدول الخليجية عن الأضرار التي طالتها نتيجة السياسة القطرية خلال السنوات الفائتة، كما لُوحظ أن العقوبات التي فُرضت على قطر، استهدفت بشكل واضح الإضرار بالاقتصاد القطري، فهل كان ذلك هدفاً مقصوداً لذاته؟ بمعنى هل كانت دول الخليج تريد إضعاف قطر اقتصادياً؟ أم كان الإضرار بالاقتصاد القطري أداة للضغط السياسي فقط؟

وإذا أخذنا في الاعتبار المخاوف القطرية من غزو عسكري خليجي لأراضيها، وهي المخاوف التي أكدها قدوم قوات عسكرية تركية إلى قطر، إذا كانت تلك المخاوف صحيحة، فإن الغزو المحتمل مثّل مؤشراً للطمع في الاستفادة من الموارد القطرية الكبيرة خاصة الغاز.

تحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة

تربط قطر بالولايات المتحدة الأمريكية علاقة قوية، حيث توجد قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها، وتستضيف قطر قيادة العمليات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، كما أن الوكالات الأمنية الأمريكية تربطها بقطر علاقات قوية، خاصة على صعيد تبادل المعلومات، وتستضيف قطر حماس وطالبان بناءً على طلب أمريكي، كما قال المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ديفد بترايوس.

ولا شك أن قطر بهذه العلاقات القوية مع واشنطن خلقت لنفسها قوة كبيرة، لا يستطيع أحد تجاهلها، وربما كانت الدول الخليجية عبر اتهام قطر بدعم الإرهاب، تريد إضعاف هذه العلاقات، والحلول بديلاً عن قطر كممثل أساسي للمصالح الأمريكية في المنطقة، وبالتالي تعزيز نفوذها، وتطبيق رؤيتها للمنطقة العربية.

توقيت الأزمة الخليجية

إذا قلنا إن الخلاف الخليجي القطري، خلاف قديم نشأ عن اتخاذ قطر لنهج سياسي مخالف للرؤية الخليجية، يبقى السؤال المهم: ولماذا لم تتحرك الدول الخليجية من قبل؟

عند تأمل هذا السؤال نعثر على متغيرين مهمين؛ هما: تولي ترامب للرئاسة الأمريكية، وربما رأت الدول الخليجية في هذا الرئيس فرصة ينبغي استغلالها، فقامت السعودية بعقد صفقات ضخمة معه بقيمة 460 مليار دولار، وربما كانت هذه الصفقات ثمن مجموعة من الأهداف، منها الموافقة على الإجراءات الخليجية ضد قطر، ويعزز هذا؛ موافقة ترامب على حصار قطر في بداية الأزمة، وإشارته إلى أنه على علم مسبق بالأمر.

أما المتغير الثاني، فهو: انتقال ولاية العهد من محمد بن نايف إلى محمد بن سلمان، وقد تكون قطر حاولت التدخل في ذلك، أو تخوف النظام السعودي من ذلك على الأقل.

وبغض النظر عن مبررات التوقيت؛ إلا أنه من الواضح أن الإجراءات الخليجية هدفت لدفع قطر لتغيير سياستها الخارجية، لتنسجم مع الرؤية الخليجية، وإجبارها على قطع علاقاتها مع الجهات المغضوب عليها خليجياً، ودفعها إلى التخلص من إعلامها المؤثر، أو تغيير سياسته التحريرية على الأقل، وهذه النقاط معلنة، ولا يكاد يخالف فيها أحد، لكن ما لا يمكن البت فيه، هل كانت الإجراءات الخليجية تسعى للسيطرة على الموارد الاقتصادية لقطر، والحلول بديلاً عنها كممثل للمصالح الأمريكية في المنطقة؟

 

* مصدر الصورة http://www.asergeev.com

منشورات أخرى للكاتب