موقع حماس في الأزمة الخليجية

اندلعت الأزمة الخليجية بإعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصار ومقاطعة قطر في الخامس من يونيو 2017، وساقت الدول المُقاطِعة مجموعة من المبررات لما قامت به، حيث برزت حركة حماس كإحدى نقاط الخلاف والتجاذب بين قطر والدول المُحاصِرة.
وبدأ هذا التجاذب بمهاجمة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لحماس، قائلاً: “لقد طفح الكيل، وعلى قطر التوقف عن دعم تنظيمات مثل الإخوان المسلمين وحركة حماس” الأمر الذي رفضته حماس واستهجنته، ولاحقاً توقفت السعودية عن ذكر حماس بالاسم، وإنما كانت تشير إليها بشكل ضمني عند ذكر المنظمات الإرهابية، حيث تعتبر واشنطن حماس منظمة إرهابية، إلا أن السفير السعودي في الجزائر سامي بن عبد الله الصالح عاد لإثارة الأمر عندما أكد مجدداً أن حماس منظمة إرهابية.
على صعيد الإعلام شنت صحيفة عكاظ السعودية حملة شرسة على حماس واتهمتها بالإرهاب وبقتل سكان غزة، وأن تصرفاتها ضد الفلسطينيين أسوأ من تصرفات “داعش” في سوريا والعراق، كذلك هاجمت صحيفة الرياض الحركة مطلقة عليها اسم: “حركة حماس الإرهابية”.
كما وبرّرت الإمارات في رسالة رسمية، للمفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، هجومها على قناة الجزيرة، بأنها توفر منصة لحركات إرهابية مثل حماس وقياداتها كخالد مشعل ومحمد الضيف.
وحظي الموقف الخليجي من حماس برفض قطر وحلفائها، فقد انتقد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم وصف حماس بالإرهاب، ورأى ياسين أقطاي رئيس حزب الحرية والعدالة الحاكم في تركيا أن استضافة قطر لحماس مصدر للفخر. وردت قطر على الاتهامات الخليجية المتعلقة بدعم حماس، ويمكن حصر ردها في إطار المحددات التالية:
1. قطر مكلفة من قبل شركائها الدوليين بالعمل على تحقيق المصالحة الفلسطينية، والتواصل مع حماس.
2. قطر لا تدعم حماس كحركة، وإنما تتواصل مع كافة الفصائل الأخرى، وتتعاون مع السلطة، وسبق أن استضافت قيادات في حركة فتح، مثل محمود عباس.
3. قطر لا تدعم حماس، وإنما قطاع غزة المحاصر، والذي يعاني من أزمات إنسانية.
4. حماس حركة مقاومة شرعية بالنسبة للشعوب العربية، وغير مدرجة على قوائم الإرهاب الخاصة بمجلس التعاون الخليجي.
إسرائيل رأت فيما جرى فرصة ينبغي استثمارها في إضعاف حماس، وفتح أبواب جديدة للتطبيع مع دول الخليج، لكنها في المقابل متخوفة من أن تؤدي الأزمة إلى إيقاف قطر دعمها لغزة، ما يزيد من شدة الحصار التي تتعرض له، ويؤدي لانفجارها في وجه إسرائيل.
ومن جهتها، رفضت حماس الاتهامات الخليجية لها بالإرهاب، لكنها أعلنت حيادها تجاه ما يجري، فقد أكد القيادي فيها موسى أبو مرزوق أن حماس لن تتدخل أبداً في أي شأن عربي، وستبقى بوصلتها نحو القدس، كما اتصل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بأمير الكويت، وتمنى نجاحه في حماية اللحمة الخليجية، وقال القيادي في حماس خليل الحية: “نريد علاقات متوازنة مع الجميع”.
لكن السؤال هنا: هل الهجمة الخليجية على حماس، تهدف لإضعاف الحركة، والضغط عليها، أم أنها مجرد حجة تستعملها تلك الدول لتبرير هجومها على قطر، ونيل الرضا الغربي عن تحركاتها، والحصول على دعم إسرائيل المعروفة بنفوذها الواسع في دوائر صنع القرار الغربية، وبمعنى آخر: هل الهجوم على حماس يستهدف قطر، أم الهجوم على قطر يستهدف حماس؟
ما يبرر الرأي الأول، وهو أن الهجوم على حماس يستعمل كتبرير لحصار قطر لدى الغرب، أنه في الوقت ذاته الذي تطالب فيه قطر بوقف دعمها لحماس، يقوم محمد دحلان -وهو أحد حلفاء الإمارات ويقيم فيها- بعقد اتفاق مع حركة حماس يهدف لتخفيف الحصار عن قطاع غزة، حيث تم الاتفاق في القاهرة، التي قامت فعلاً بإدخال الوقود المصري لقطاع غزة، وإنقاذ حركة حماس من أزمة كبيرة.
بينما قد يرى البعض أن دول الخليج تعمل صادقة على محاربة حماس وحصارها، وهذا بشكل جدي أحد أهداف حصارها لقطر، وأن تحركات دحلان تأتي في السياق ذاته، وهدفها النهائي توفير بديل لحكم غزة، تمهيداً لضربة إسرائيلية أو عربية تقضي على حماس وحكمها، على اعتبار أن ما يمنع إسرائيل من مهاجمة حماس، هو عدم وجود بديل يحكم غزة، ويمنع الفوضى التي تضر بشكل كبير بإسرائيل، وتورطها في حكم طويل لقطاع غزة، لا ترغب فيه، ولا تقدر على تحمل تكاليفه.
كما أن تحركات دحلان قد تهدف لقطع علاقات حماس بقطر، ودفعها للاعتماد التام على مصر والإمارات، ثم التخلي عنها لاحقاً، ما قد يؤدي لانهيارها، وهو ما كانت حماس على حذر منه، حين أعلنت بالتوازي مع لقاءاتها بدحلان أن علاقتها بقطر قوية، وأن قادتها المقيمين في الدوحة لم يغادروها. كذلك قد يؤدي التقارب بين حماس وحلفاء الإمارات، دحلان ومصر، إلى غضب قطري يرى في موقف حماس تخلياً عنها وقت المحنة، وقد برزت إحدى تجليات هذا الموقف في هجوم قناة الجزيرة على محمد دحلان بالتزامن مع لقاءات تياره بحماس، لكن هذه النقطة أثبتت الوقائع عدم صحتها، حيث عاد رئيس اللجنة القطرية لإعمار قطاع غزة السفير محمد العمادي إلى غزة وأعلن عن مشاريع جديدة هناك.
التصور الأقرب إلى الصحة هو أن دول الخليج تستهدف كلاً من حماس وقطر معاً، وأن ما تقوم به يهدف لتشويه صورة حماس في أذهان الشعوب العربية ونزع قدسيتها كحركة مقاومة، كما يهدف لتبرير الهجوم على قطر في الغرب.
إن ما تقوم به الإمارات ومصر من تحركات تجاه حماس؛ إنما ينتج من قناعة كافة الأطراف بعدم إمكانية تجاوزها، وبالتالي لابد من التعامل معها للحلول كبديل عن قطر في الوساطة بين حماس من جهة والغرب وإسرائيل من جهة أخرى، خاصة في سياق الحديث عن صفقة القرن، كما أن تحركات دحلان قد تأتي في إطار تبادل أدوار تمارسه دول الخليج لعزل وضرب حماس أو ترويضها، حيث يقوم طرف بمهاجمتها، ويقوم الطرف الآخر بمد يد العون إليها، لدفعها إلى السير في مسار محدد مسبقاً، وينتهي إلى غاية مخطط لها.

منشورات أخرى للكاتب