الاقتصاد الإيراني ومعضلة أصحاب النفوذ
الفساد الاقتصادي آفة كل حكم رشيد، ولعل أسوأ أنواع الفساد الاقتصادي هو ذلك الذي يتحول إلى نظام سائد في إدارة البلد فيصعب استئصاله وترافق محاولات احتوائه أزمات سياسية تعيق عملية التنمية في البلد. في مثل هذه الأحوال، يصبح الفساد لدى شرائح واسعة من المجتمع واقعاً لابد من التأقلم معه بل إنه يتحول إلى نمط للعيش.
إيران تعاني واحدة من هذه الآفات وذلك بشهادة كبار مسؤوليها، ومن ذلك ما صرّح به الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخراً، حين قال: “بينما نهتم بتنمية الإنتاج الوطني، يقوم جهاز حكومي فاسد، باستيراد سلع مهربة”.
وذكرت وسائل الإعلام أن روحاني كان يلمّح إلى النشاط الاقتصادي للحرس الثوري الذي يملك مرافئ لا تخضع للجمارك في البلد.
قضية محاكمة رجل الأعمال الإيراني المعروف بابك زنجاني توضح أكثر حجم الفساد المتفشي في أروقة الدولة، فقد أصدر القضاء حكماً بالإعدام بحق زنجاني بسبب عدم وفائه بدفع مليارين و٧٠٠ مليون دولار من أموال النفط. زنجاني كان يعمل ضمن شبكة من رجال الأعمال المقربين من السلطة، حيث دعموا الدولة في الالتفاف على العقوبات الدولية من خلال بيع النفط، لكنه وقع في قضية فساد متعددة الأطراف لم تكشف جميع تفاصيلها. واكتفت المحكمة بذكر بعض الأسماء بالترميز بذكر الأحرف الأولى من أسمائهم!
وقال بابك زنجاني للإعلام إنه “لايصدق الحكم الصادر بحقه”. ولعل ذلك يعني أن الجهات التي فتحت أمامه أبواب فساد بهذا الحجم، كانت قد منحته ضمانات كبيرة تجعله يطمئن من عدم الملاحقة.
مع ذلك طرح الرئيس الإيراني أسئلة جديرة بالإجابة لتسليط الضوء على بعض خفايا الفساد داخل النظام. فقد تساءل روحاني: “من دعم زنجاني؟ من خلق مثل هذه الأجواء ليتمكن هذا الشخص من الاستيلاء على كل هذه الأموال؟”
في الحقيقة تمثل ظاهرة الريع والمحسوبية في إيران السبب الأبرز في تكديس الثروات من قبل الأشخاص المقربين من صناع القرار والقائمين على الشؤون الاقتصادية. كما ساهمت الخلافات السياسية بين المسؤولين في الكشف عن جوانب من هذه القضايا خلال السنوات الماضية ولعل من أبرزها الفيلم الذي بثه أحمدي نجاد في البرلمان وظهر فيه شقيق رئيس البرلمان والسلطة القضائية وهو بصدد طلب تنازلات اقتصادية مقابل التوسط لدى شقيقه المقرب من المرشد وذلك بالإضافة إلى ملفات الفساد التي أدين فيها نجل رفسنجاني مهدي هاشمي.
في المقابل أصدر القضاء أحكاماً ضد عدد من حاشية أحمدي نجاد بمن فيهم نائبه محمد رضا رحيمي ومستشاره السابق حميد بقائي بتهم تتعلق بالفساد الاقتصادي.
ولكن يظل اعتماد البلد على الاقتصاد الحكومي من أهم أسباب تنامي الفساد الاقتصادي في إيران، فرغم جهود الحكومات المتتالية، وخاصة الإصلاحية منها، لتشجيع الخصخصة وتنمية القطاع الخاص إلا أن هذه المشاريع كانت تصطدم دائماً بمقاومة أفراد ومؤسسات ترى في هذه التوجهات خطراً على مصالحها.
وفي هذا يقول حسن روحاني إن “الحكومة تعمل على تسليم الشؤون الاقتصادية إلى القطاع الخاص لكن هذه المحاولات تصطدم بالفساد الاقتصادي وأصحاب النفوذ.”
إيجاد أجواء تنافسية أمام الشركات والراغبين بالمشاركة في عملية الخصخصة من أهم شروط اجتياز العوائق التي يعاني منها الاقتصاد الحكومي في إيران والتي تعمل على استغلال خطط الخصخصة لكسب مزيد من التنازلات.
وأظهرت معطيات تحليل قدمتها مؤسسة “هرينتج” أن أيران تتصدر قائمة ١٥ بلداً تعد من أكبر البلدان التي لا تتمتع بأسواق حرة في الشرق الأوسط، ما يعني أن عملية الخصخصة تواجه عقبة الانحصار والريع المتفشي بين أجهزة النظام.
وذكر وزير الاقتصاد الإيراني علي طيب نيا أن ٣٪ فقط من مشاريع الخصخصة في إيران أنجزت بشكل حقيقي، أما ما تبقى من العملية، في الواقع شمل نقل الملكية من جهاز حكومي إلى جهاز حكومي آخر أو تم تحويله الى جهاز شبه حكومي.
يبدو أن فشل مشاريع التنمية والقضاء على الفساد الاقتصادي في ايران يعود بالأساس إلى ضعف نظام الرقابة والقضاء في ايران، بل إن هذا النظام يشكل في بعض الأحيان بيئة حاضنة للفساد الاقتصادي. أما الانغلاق السياسي وعدم وجود مفتشين مستقلين ووسائل إعلام حرة ومؤسسات تدعم حقوق المستهلك، كلها عناصر تمنع الكشف عن الفساد ومواجهة المعوقات التي تقف أمام مشاريع التنمية.