جدل الرقابة على الانتخابات في إيران

مشروع “الرقابة الاستصوابية” لمجلس صيانة الدستور أعطاه الحق في رفض أهلية آلاف المرشحين الإصلاحيين

يسعى الإصلاحيون إلى تحويل جميع مراحل الإشراف على الانتخابات من مجلس صيانة الدستور إلى الحكومة

مع قرب إجراء انتخابات البرلمان ومجلس خبراء القيادة في إيران فبراير المقبل، تثير أطراف سياسية عدة الجدل حول آلية النظر في أهلية المرشحين للانتخابات، خاصة أن مجلس صيانة الدستور المعني بمنح المرشحين جواز خوض السباق الانتخابي يتمسك بمادة دستورية يقول إنها تمنحه الحق في رفض أهلية من يراه غير مؤهل للمشاركة في الانتخابات.
قبالة ذلك، تقول الحكومة إنها الجهة المسؤولة عن إجراء الانتخابات، وأن الدور الذي منحه الدستور لمجلس صيانة الدستور يقتصر على الإشراف على مراحل الانتخابات فقط، مع الاحتفاظ بحق الوقوف أمام الانتهاكات الدستورية المحتملة.
المادة ٩٩ من الدستور الإيراني تنص على تولي مجلس صيانة الدستور “مهمة الرقابة على الانتخابات والاستفتاءات والعودة إلى الرأي العام” وخلال الخمسة عشر عاماً الأولى من عمر نظام الجمهورية الإسلامية جرت العادة على أن يراقب هذا المجلس كيفية إجراء الانتخابات التي تولت تنظيمها حصراً الحكومات المختلفة في جميع مراحلها؛ تسجيل الترشيحات والنظر في أهلية المرشحين وإجراء الانتخابات وفرز الأصوات. لكن مجلس صيانة الدستور أطلق في عام ٢٠٠٢ مشروع “الرقابة الاستصوابية”، ويعني بهذا المصطح أن له الحق في رفض أهلية بعض المرشحين إذا ما رأى ذلك صواباً. ويقول المجلس إنه غير ملزم بالرد على أي احتجاج من الأجهزة الحكومية، ولا يستند بالضرورة إلى أدلة أجهزة وزارة الأمن أو القضاء خلال ممارسته هذا الحق.
ونتيجة لهذه الرقابة، رفض مجلس صيانة الدستور أهلية الآلآف من المرشحين في الانتخابات الماضية، خاصة في الدورة السابعة لانتخابات البرلمان، إذ رفض أهلية قرابة نصف المرشحین للانتخابات بینهم أکثر من ۸۰ نائباً إصلاحياً من أعضاء المجلس السادس.
الجدل بشأن تلك الانتخابات بلغ حداً هددت فيه وزارة الداخلية بعدم إجراء الانتخابات، وخاض رئيس البلاد آنذاك محمد خاتمي ورئيس البرلمان مهدي كروبي مشاورات مع المرشد لاحتواء الأزمة، ومع إصدار أوامر من المرشد بشأن ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، تعزز أكثر موقف مجلس صيانة الدستور في ممارسة “الرقابة الاستصوابية”. تبع ذلك مقاطعة الإصلاحيين للانتخابات ما مهد لوصول غالبية منتسبي التيار المحافظ إلى البرلمان بأغلبية مريحة.
هذه الرقابة تطورت خلال السنوات الماضية، إذ منح المجلس لنفسه حق سحب أهلية المرشحين حتى بعد انتخابهم وممارستهم حق العضوية في البرلمان. حدث هذا في أجواء تمكن فيها التيار المحافظ من إكمال الهيمنة على أجهزة الحكم بوصول الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد إلى سدة الحكم.
بعد سنوات من هذه التطورات ومع عودة الإصلاحيين إلى صناديق الاقتراع يثير المعارضون للرقابة الاستصوابية الجدل من جديد؛ الرئيس حسن روحاني ذكر أن اللجان التنفيذية هي من تنظر في أهلية المرشحين ولا يحق لمجلس صيانة الدستور النظر في أهليتهم.
القيادي الإصلاحي حسين أنصاري راد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عبر توجيه رسالة إلى مرشد الجمهورية يطلب منه إطلاق “مصالحة وطنية” وإلغاء ما وصفها بالرقابة الجلية لمجلس صيانة الدستور وإطلاق سراح السجناء السياسيين.
مع هذا أطلق نشطاء سياسيون وأكاديميون في الداخل والخارج حملة تدعو إلى إلغاء هذه الرقابة لأنها حسب ما ذكروا في بيان حمل أسماءهم تمثل شرطاً أساسياً لإجراء انتخابات عادلة ونزيهة تمهد لإشراك المواطنين في الحكم.
لكن مهما كانت أسباب تعزيز هذه الرقابة فالبلد مقبل على فترة مهمة بعد إلغاء جميع العقوبات الدولية مع انفتاح غير مسبوق على الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فتشكيل برلمان يكفل الحفاظ على هذا الاتفاق يمثل أمراً حيوياً للإصلاحيين الذين يتوجسون نمو دور المتشددين واحتمال العودة إلى المربع الأول من خلال إثارة الخلافات مع الغرب.
الإنجاز النووي يعزز حظوظ الإصلاحيين بعدما قرروا العودة إلى صناديق الاقتراع بعد طلاق استمر لسنوات، الأمر الذي يحثهم على الصمود أمام قرارات مجلس صيانة الدستور رغم عدم امتلاكهم آلية تمكنهم من إرغام هذا الجهاز على العدول عن قراراته، حيث لا يخضع لأي من أجهزة الحكم إلا مرشد الجمهورية. أما تجربة العودة إلى الشارع للضغط على السلطة فقد أثبتت عجزاً أمام آلة القمع التي تملكها السلطة وأطلقتها مرة في أزمة انتخابات عام ٢٠٠٩.
صحيح أن أي انتخابات تحتاج إلى من ينظر في أهلية المرشحين القانونية فيها لضمان سيادة حكم رشيد ووصول كفاءات تكفل النمو والازدهار في البلد، لكن الجهة التي تسند إليها هذه المهمة يجب أن تكون محايدة أو منبثقة من آلية انتخابية يحددها المشاركون في الانتخابات.
تجربة الانتخابات السابقة في إيران كشفت أن أعضاء مجلس صيانة الدستور وهم ٦ يعينهم المرشد و ٦ يختارهم رئيس القضاء ينتمون جميعهم إلى ما يعرف بالتيار المحافظ أو الأصولي أو اليميني. لذلك يجد الإصلاحيون ومرشحون أكثر تطرفاً منهم أنفسهم أمام صراع مفتوح مع مجلس صيانة الدستور للسماح لهم بخوض المنافسة الانتخاب، وهو صراع مستمر منذ أفلح مجلس صيانة الدستور في انتزاع مهمة البت في الانتخابات من الحكومة.
ومع تراجع أدوار الإصلاحيين لأسباب جلها قهرية لا تلوح في الأفق بوادر إيجابية تؤهلهم لاستعادة مهمة الإشراف على إجراء الانتخابات في جميع مراحلها. وفي مثل هذه الأجواء، يرى الناخب الإيراني نفسه أمام انتخابات تقتصر على شريحة خاصة من المرشحين يجتازون مصافي مجلس صيانة الدستور بصعوبة. ورغم هذا، يتباهى البلد بإجراء أكثر من ٣٠ عملية انتخابية منذ تأسيس النظام العام ١٩٧٩ وهو ما يعتبره رصيداً لما يطلق عليه النظام بـ “الديمقراطية الدينية”.

منشورات أخرى للكاتب
البيت الخليجي للدراسات والنشر
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.