الناخبون الإيرانيون والمثلث “جيم”
بدأت الرقابة التي يفرضها مجلس صيانة الدستور، المعني بالنظر في أهلية المرشحين للانتخابات في إيران، في تضييق الخناق أكثر على المرشحين “الإصلاحيين” و”المعتدلين” من خلال إقصاء نسبة كبيرة منهم عن خوض التنافس الانتخابي المرتقب لانتخاب نواب البرلمان وأعضاء مجلس خبراء القيادة. في المرحلة الأولى رفض المجلس أهلية ٩٩% من المرشحين “الإصلاحيين” لكنه عاد ومنح الثقة لعدد منهم، ولكن وعلى الرغم من ذلك ظلّت غالبيتهم خارج ساحة التنافس.
وعلى الرغم من كلّ هذه الإجراءات، يدعو نشطاء في الداخل والخارج إلى المشاركة في الانتخابات ليس من أجل التّصويت لصالح المرشحين الذين يرغبون بفوزهم في الانتخابات، وإنما بغاية عرقلة فوز المرشحين المتشددين من التيار المحافظ وخاصة منهم المرشحين الذين أبدوا مواقف ضد الحريات المدنية والاجتماعية ودعموا قمع المعارضين.
ومع اقتراب موعد الحملة الانتخابية، أطلق ناشطون في الداخل والخارج حملة لعدم التصويت لمن يصفونهم بمثلث “جيم” في إشارة إلى أحمد جنتي ومحمد يزدي ومصباح يزدي.
فالمرشح الأول هو رئيس مجلس صيانة الدستور المتهم بحرمان المعارضين والمنتقدين للنظام من خوض الانتخابات ومحمد يزدي الرئيس الحالي لمجلس خبراء القيادة والمعارض للإصلاحيين والمقرب من المرشد ومصباح يزدي الذي يروج بأن ّولي الفقيه يعين من قبل “الله” بواسطة الإلهام من الغيب على أعضاء مجلس خبراء القيادة للتصويت.
التصويت السلبي ضد من يوصفون بمرشحي السلطة ليس جديداً في إيران، الجديد هو اهتمام الناخبين بانتخابات مجلس خبراء القيادة، فقد شهدت هذه الانتخابات نسب مشاركة ضئيلة خلال الأعوام الماضية، الأمر الذي دفع القائمين على الانتخابات إلى تحديد موعد إجرائها بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية التي تشهد مشاركة أوسع. وكان الناخبون الإيرانيون قد لجأوا إلى التصويت السلبي ضد مرشحي السلطة مرات متعددة خلال السنوات الماضية من خلال التصويت لغرماء هؤلاء المرشحين، حتى لو كان “الغرماء” لايلبّون الحد الأدنى لرغبات الناخبين.
في عام ١٩٩٧ شهدت الانتخابات الرئاسية مشاركة غير مسبوقة فاز خلالها الرئيس الأسبق محمد خاتمي بأكثر من ٢٠ مليون صوتاً أمام ناطق نوري، ذلك أن مرشد الجمهورية الإيرانية عبّر آنذاك عن رغبته بالتصويت لصالح الأخير. ولجأ الناخبون مرة أخرى إلى مثل هذا التوجه في انتخابات عام ٢٠٠٩ حيث شهدت أعلى نسبة مشاركة في تاريخ إيران على الإطلاق إذ شارك حوالي ٤٠ مليون ناخباً في التصويت لعرقلة فوز أحمدي نجاد أمام ميرحسين موسوي بسبب وقوف أجهزة الحكم وخاصة الحرس الثوري إلى جانب أحمدي نجاد والخلاف التاريخي بين ميرحسين موسوي والمرشد الأعلى خامنئي، فشارك في تلك الانتخابات ناخبون معارضون للنظام قاطعوا جميع الانتخابات التي جرت بعد تأسيس نظام الجمهورية الاسلامية. وتحدث بعضهم إلى وسائل الإعلام بأنهم يشاركون للمرة الأولى بغية هزيمة أحمدي نجاد في الانتخابات.
الدعوات للتصويت السلبي هذا العام جعلت انتخابات مجلس خبراء القيادة تحظى باهتمام تجاوز الاهتمام بالانتخابات البرلمانية، لكن مع ذلك تبدو حظوظ هزيمة المثلث “جيم” في انتخابات مجلس خبراء القيادة ضعيفة، لأن مجلس صيانة الدستور رفض أهلية غالبية المرشحين لمجلس خبراء القيادة ولم يسمح إلا بترشيح ١٦٦ منهم. وفي مثل هذه الأحوال إذا ما تصورنا إجراء منافسة بين شخصين لأي من كراسي المجلس وعددها ٨٨ كرسياً، من المفترض إجراء منافسة بين ١٧٦ مرشحاً، لكن عدد المتنافسين أقل من هذا العدد بكثير، الأمر الذي يتيح فرصة أكبر للمثلث المذكور للفوز في الانتخابات.
في المقابل توجد دعوات لمقاطعة الانتخابات، منها الرسالة المفتوحة التي وجهها ٣٠٠ أكاديمي في الداخل إلى حسن روحاني لعدم إقامة الانتخابات بحجة أنها لاتكفل تنافساً ديمقراطياً بين المرشحين بسبب إقصاء نسبة كبيرة من المرشحين.
هذا التوجه يلتقي مع توجهات مجموعة أخرى في الداخل لاتزال تدير ظهرها لصناديق الانتخابات بسبب الأحداث التي رافقت الحركة الاحتجاجية بعد انتخابات عام ٢٠٠٩ واستمرار فرض الإقامة الجبرية على زعماء الحركة الخضراء ميرحسين موسوي وزهراء رهنورد ومهدي كروبي، كما أنّ للانتخابات معارضون ثابتون لايعترفون بالنظام منذ تأسيسه ويعتبرون المشاركة اعترافاً بشرعية القائمين على الحكم.
وعلى الرغم من كل هذه المعطيات لا يزال النظام يتباهى بإقامة انتخابات مختلفة خلال الـ ٣٧ عاماً الماضية وإلقاء٧٠٠ مليون صوتاً في صناديق الاقتراع خلال هذه الفترة ويعتبر ذلك رصيداً لايستهان به، حيث يقول مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي: “يمثل أي صوت يلقيه أي من الناخبين في صناديق الاقتراع، تأييداً لشرعية النظام.”
لكن مهما كانت التوجهات والمواقف من الانتخابات فإنها في الواقع تحدث حراكاً مدنياً في كل مرة، داخل البلاد وخارجها، مرة بالمشاركة ومرة بالمقاطعة ومرة بالتصويت السلبي.