الرياض لحلفائها في لبنان: انتهى عهد “النأي بالنفس”!
يبدو أن قرار وقف المساعدات المقرّرة لتسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي في لبنان والمقدرة بـ4 مليار دولار، لم يكْفِ السعودية، رغم ما أحدثه هذا القرار من تصديع للبيت اللبناني الهش.
ففي خطوة تصعيدية ثانية قررت كل من السعودية والإمارات والبحرين تباعاً منع مواطنيهم من التوجّه إلى لبنان، بل وتحذيرهم من السفر إليه.
عناوين كثيرة برّرت الغضب السعودي على لبنان في هذه المرحلة بالذّات ولعلّ أهمها، وهو ما أعلنه صراحة بيان مجلس الوزراء السعودي إثر جلسته الأسبوعية، إذ أكّد على أنه “رغم الدّعم السعودي السخي للبنان فإن المملكة تُقابَلُ بمواقف لبنانية مناهضة لها عبر المنابر العربية والإقليمية والدولية، في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبناني لإرادة الدولة”.
امتناع لبنان، ممثلاً في شخص وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل المحسوب على تحالف قوى 8 أذار المظلة السياسية لحزب الله، عن التضامن الكامل مع السعودية في أزمتها الأخيرة مع إيران، لم تتغاضى عنه الرياض ويبدو أنها وجدت فيه سبباً وجيهاً لإعلان حربها على “حزب اللّه”.
المعركة إذا لا تخص الحكومة اللّبنانية وإنما الخصم فيها “حزب الله”، ولأنّ السعودية لا ترتبط بأية تعاملات معه، ارتأت أن تعاقب وليّ أمره، على افتراض أنّ من شأن مختلف المكونات السياسية في لبنان والتي سيلحقها الضرر مباشرة من وراء المقاطعة السعودية التي لحقتها مقاطعة إماراتية وبحرينية، أن تتحرّك وتضغط على حزب الله.
سيناريو أوّل أكّدته الرياض ويرجّحه المحلّلون والسياسيون فيما يذهب آخرون إلى تأويلات أخرى كثيرة تبدو أقل إقناعاً.
أكثر من سؤال قد يتبادر إلى الذّهن في هذا السياق، ولعلّ السؤال البديهي في ظلّ هذه الصورة هو: من الأقوى في صراع الطوائف في لبنان؟ وهل أنّ ضرب الفرقاء السياسيين في لبنان في مقتل، من خلال الامتناع عن الدعم الذي تقدّمه لهم السعودية، قادر على التحكم في خيارات “حزب اللّه” ولجمها.
كتلة “تيار المستقبل” سارعت إلى كيل الاتهامات وأكّدت أن ” الدّور المتمادي لحزب اللّه في استتباع إدارات ومؤسسات الدولة والسّيطرة على قرارها وتخريب علاقات لبنان الخارجية عموماً وعلاقاته العربية خصوصاً، أصبح يشكّل خطراً حقيقياً على حرّية وسيادة لبنان”، وأشار في السياق ذاته، إلى أنّ هذا التخريب اتّخذ بعداً خطيراً يتمثّل في ضرب علاقات لبنان بأشقائه العرب.
ومن جانبه بادر رئيس الكتلة سعد الحريري بإطلاق عريضة التضامن مع الإجماع العربي والوفاء للدول العربية الشقيقة، إلا أنه يبدو أن كل هذه المجهودات لم تفلح في امتصاص الغضب السعودي.
من الواضح أن السعودية قد حسمت أمرها وهي اليوم تعتبر لبنان حليفاً لإيران لا فقط “حزب الله”، ما لم يثبت عكس ذلك. وما وقف المساعدات إلا تأكيد من الرياض على أنها غير مستعدّة لتسليح جيش سياسته “النأي بالنفس” فيما يتعلّق بالقضايا الإقليمية والأصح أن السعوديّة لم تعد تقبل بمثل هذه الحياديّة.
السعودية، التي تخوض صراعات على أكثر من جبهة وتحاول تجاوز أزمتها الاقتصاديّة، يبدو أنها قرّرت أن تكون سياستها في المقبل من الأيام أكثر حسماً في ما يتعلّق بعلاقاتها مع باقي الدّول ومحدّدها الرئيسي هو العلاقة مع إيران.
ومن هذا المنطلق يبدو موقف السعوديّة واضحاً، بعيداً عن التأويلات الكثيرة التي صاحبت الإعلان عنه، الرياض لن يساعد بلداً يسكت عن أحد أهمّ أذرع إيران في سوريا ويحتضنه، ما لم يثبت عكس ذلك. كما أن الخطوة التصعيدية الأخيرة من منع مواطني السعودية والإمارات والبحرين من زيارة لبنان، ليست سوى ورقة ضغط أخرى على لبنان من أجل التّحرك في اتجاه مراضاة الرياض.
من المؤكد أن القرارات السعوديّة نجحت في إثارة البلبلة في الداخل اللبناني وبث الخوف والرعب في أنفس مختلف القوى السياسية والاقتصادية اللبنانية، في ما عدا “حزب الله” طبعاً، إذ لم يخف اللبنانيون خوفهم من أن تطال القرارات الخليجية الودائع المالية التي تمثّل أحد أهم أعمدة الاستقرار الاقتصادي والنقدي في لبنان، فضلاً عن الاستثمارات الخليجية.
إلا أن أكثر ما يخشاه اللبنانيون اليوم هو ترحيلهم من دول الخليج كعقاب ثان وهو ما من شأنه أن يخلق أزمة اقتصادية في لبنان، ذلك أن الجالية اللبنانية في الخليج يبلغ عددها 500 ألف شخص وخصوصاً وأنه سبق وأن عمدت دول الخليج إلى مثل هذا التّصرف في مناسبات سابقة.
رسالة الرياض واضحة، وهي في ذلك اعتمدت أسلوب الضّغط بما يتوفّر لديها من أسلحة، هدفها في ذلك تأليب الفرقاء السياسيين على” حزب اللّه” ويبدو أنّها حققت نجاحاً أوّلياً في هذا الخصوص، ذلك أن الحرب الكلامية بدأت ويبدو الوضع داخل لبنان مؤهلاً للانفجار في كل لحظة. ففي مقابل مؤيدي “حزب الله” والاتفاق المسكوت عنه عن أنه الحلقة الأقوى في صراع الفرقاء السياسيين، لا يستطيع حلفاء السعودية القبول بخسارة حليفهم الاستراتيجي. وفي الجانب الآخر من الصورة توجد حرب مفتوحة التأويلات في سوريا وإيران التي لا تزال تتلذّذ حلاوة انتصاراتها الدبلوماسية الأخيرة وانتعاش اقتصادها.
الموقف في الدّاخل اللبناني ينذر بالانفجار وطهران تمدّ يدها للمساعدة وهي في ذلك لا تنتظر سوى إشارة من الحكومة اللبنانية وفي المقابل تعاقب الرياض حلفاءها في لبنان وتطالبهم بردّ اعتبارها إجرائياً وبعيداً عن التصريحات والبيانات الصحفية. يقف الجميع في هذه الصورة على فوهة بركان ينذر بالقضاء على الأخضر واليابس ما لم تغلب الحكمة الانفعالات، فلمن سترجح الكفّة؟