زوبعة في فنجان أو حرب بالوكالة؟

لم تمر تصريحات الرئيس التونسي السابق محمد منصف المرزوقي، والتي تهجّم فيها بطريقة مباشرة على دولة الإمارات، من دون أن تثير موجة من الانتقادات عن الدور الحقيقي الذي تلعبه الدول الخليجية في تونس.
في تصريحاته لقناة الحوار الفضائية تهجّم المرزوقي على الإمارات وأكّد أن “من علامات الساعة أن هاته الدولة أصبحت تنصب نفسها وصياً بما تملك من مال على مصير شعوب وأمم أخرى” وهو ما اعتبرته كل من السلطات الإماراتية والخارجية التونسية “تصريحات غير مسؤولة” بل إن الأخيرة ذهبت إلى حد شجب هذه التصريحات واعتبار أن من شأنها “تعكير أواصر الأخوة العميقة بين تونس والإمارات وتوتير العلاقة المتميزة بين البلدين الشقيقين”.
وتأتي تصريحات المرزوقي في توقيت حرج بالنسبة إلى الحكومة التونسية التي تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الخليجية و”إنعاشها” بعد ما اعتبر فتوراً أنتجته حكومة الترويكا وصل إلى حد منع تأشيرات دخول التونسيين إلى أراضيها.
عدد كبير من المراقبين عزا مواقف المرزوقي تجاه الإمارات إلى تحالفه مع الإخوان المسلمين خصوصاً وأن تهجمه عليها كان في خضم دفاعه عن الرئيس المصري السابق محمد مرسي.
بل إن الكثير من المحللين اعتبر المرزوقي، أحد أبرز اليساريين العرب، بصدد خوض حرب بالوكالة خصوصاً وأنه لم يُخف تحالفه مع الإسلاميين في تونس وخارجها.
تصريحات المرزوقي أعادت إلى الواجهة الحديث عن النفوذ الخليجي في تونس بالإضافة إلى موضوع صراع الدول الخليجية على الاضطلاع بأدوار قيادية على المستوى العربي.
من هذا المنطلق يبدو أن تعبير “المحارب بالوكالة” الذي أطلقه المحللون السياسيون على الرئيس التونسي السابق، يبدو منطقياً خصوصاً وأنه قام في أكثر من مناسبة بتمجيد دولة قطر في مقابل كيله للاتهامات لغيرها من الدول الخليجية. فهل أن قطر في حاجة إلى من يحارب “بالوكالة” عنها؟ وهل هي في حاجة من حيث الأساس إلى الدخول في صراع مباشر مع الإمارات؟
تحالف المرزوقي مع حركة النهضة وارتباطهما بقطر قد يكون مبرر الكثيرين في تأكيدهم على أن المرزوقي لا يتكلم من فراغ، وأن تصريحاته الأخيرة مسيّسة، لكن في المقابل واقع الأمر يشير إلى تحالف جديد بين حركة النهضة المرتبط بقطر و”نداء تونس” التي لا تخفي توددها الدائم لدولة الإمارات، فلصالح من يخوض المرزوقي هذه الحرب إذاً؟ مما يؤكد أن ما يستميت الرئيس التونسي السابق في التأكيد عليه في كل مناسبة لا ينبع إلا من آراء شخصية لاتتعلّق بدولة ما.
لابد أن الحراك السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية يدفع الدول الخليجية، وهي اللاعب الأقوى حالياً، في ظل تراجع الدور الإقليمي الذي كانت تلعبه مصر وسوريا على المستوى العالمي، وربما انهياره، إلى الصراع من أجل الاضطلاع بمكانة مرموقة على المستويين العربي والإقليمي.
ولئن كان الصراع يتركّز بالأساس بين قطر والإمارات، في ظل المكانة التي تحفظها كل دول الخليج للشقيقة الكبرى، السعودية. فإن هذا الصراع ليس وليد اليوم بل يعود تاريخه إلى ما قبل ثورات الربيع العربي وهو بالمناسبة صراع مشروع.
على أن صراع القيادة بين البلدين الخليجيين لم يتجاوز كونه صراع دبلوماسي سياسي تديره أيادٍ تونسية تطمح إلى اعتلاء الحكم أو تثبيت أقدامها على سدّته، وفي جانب آخر هي تسعى من خلال جذب الاستثمارات الخليجية إلى تونس إلى انعاش الاقتصاد التونسي الذي يعاني من الركود منذ انطلاق ثورة الياسمين، خاصة وأن البنك الدولي كان أشار في تقرير له إلى أن الاقتصاد التونسي يحتاج إلى المشاريع الكبرى للخروج من مرحلة الانكماش وتحقيق نسب نمو في حدود 4% سنوياً خلال الأعوام الخمسة القادمة، على اعتبار أن انعاش الاقتصاد دليل على أن اختيار الحلفاء كان وجيهاً.
وتنتظر تونس في هذا السياق، وفاء مجموعتي “سما دبي” و” بوخاطر” الإماراتيتين، استئناف مشاريعهما في تونس وهي مشاريع معطلة منذ سنة 2008، حيث أعربت المجموعتان مؤخراً عن رغبتهما في مناقشة شروط العقود المبرمة سابقاً، خاصة وأن تونس تعوّل على ما أسمته بمشاريع القرن، لتحسين واجهتها الاستثمارية وامتصاص بطالة تصل إلى نحو 800 ألف شخص، عبر إقناع المجموعات الاقتصادية العربية الكبرى باستئناف نشاطها المعطل منذ سنوات.
من جانب آخر، تعدّ قطر من الدول الأكثر دعماً لتونس حيث احتلّت المرتبة الثانية دولياً وعربياً في الإستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس بما نسبته حوالي 13% من جملة الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال سنة 2014.
وتشمل الاستثمارات القطرية في تونس القطاعات السياحية والعقارات والاتصالات، إذ يجري تنفيذ مشروع سياحي قطري في مدينة توزر، إضافة إلى مساهمة قطر في بناء 30 ألف وحدة سكنية موجّهة إلى المناطق الأكثر احتياجاً، فضلاً عن ذلك تعدّ شركة “اتصالات قطر”(أوريدو) المشغل الأكبر للاتصالات في تونس.
وفي السياق نفسه، دعمت قطر البنك المركزي التونسي بـ500 مليون دولار وديعة، لدعم احتياطه من العملة الأجنبية، وإطلاق صندوق الصداقة القطري للشعب التونسي في العام 2013، إذ قدّم هبة بقيمة 79 مليون دولار وساهم في خلق 4300 فرصة عمل.
كما أعلنت شركة “الديار” القطرية في شهر مارس/ آذار الماضي، البدء في الأعمال الإنشائية لمشروعها السياحي الكبير في منطقة توزر في الجنوب التونسي، بحجم استثمارات يبلغ 100 مليون دولار، ويتضمن بناء منتجعات صحراوية عدة وفنادق فاخرة، ويتوقع الانتهاء منه خلال ثلاث سنوات.
وعليه فسواء كانت تصريحات المرزوقي تندرج تحت غطاء سياسي أو هي مجرد آراء لحقوقي سابق فإن مسارعة الخارجية التونسية إلى توضيح وجهة النّظر التونسية الرّسمية تؤكد تخوّفها من كل ما من شأنه أن يعكّرصفو علاقاتها مع الإمارات خاصة وباقي دول الخليج عامة، خصوصاً وأن تونس تعوّل على تحالفاتها مع بلدان الخليج لإعادة ترتيب بيتها الدّاخلي. ما يحسب لكل من الإمارات وقطر هو عدم انجراف كلا البلدين نحو تصعيد المواقف.

منشورات أخرى للكاتب