رفع الدعم في بلدان الخليج ومخاطر الاستقرار الاجتماعي
“لا تحملونا فشلكم”، هو وسم الحملة التغريدية التي أطلقها سياسيون ونشطاء بحرينيون في غضون الأسبوع الماضي، تعبيراً عن رفضهم لسياسة رفع الدعم التي انطلقت الحكومة البحرينية مؤخراً في تنفيذها. والبحرين لم تكن الدولة الخليجية الوحيدة في تطبيق سياسة رفع الدعم بل أن كل دول مجلس التعاون الخليجي اتفقت على السير في نفس الطريق.
تقارير اقتصادية خليجية وعالمية تؤكد أنه وبالنّظر إلى تراجع أسعار النفط إلى مستويات متدنّية، خصوصاً بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، فإن الحكومات الخليجية ستضطر إلى خفض الدعم عن بعض السلع الاستهلاكية وخصوصاً منها صناعة المشتقات النّفطية. وتسعى دول الخليج من خلال هذا التّوجه إلى التقليل من مخاطر العجز المالي الذي يتهدّدها ما لم توجد سياسات اقتصادية فعّالة تحميها من مثل هذا الخطر المحدق.
وتؤكد التقارير ذاتها أن حكومات دول مجلس التعاون بدأت بخفض مصروفاتها من خلال خفض دعم الطاقة للتخفيف من الأعباء المالية. إذ يقدّر صندوق النقد الدولي تراوح مستويات دعم الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي بين 1,1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عمان إلى 4,6 في المئة في السعودية خلال العام 2015.
ولقد تسبّب التراجع الأخير لأسعار النفط في ارتفاع فاتورة دعم الطاقة في هذه الدول، ففي البحرين مثلاً ارتفع دعم الطاقة من 17 إلى 34 في المئة من الإيرادات النفطية كما ارتفعت في السعودية من 11 إلى 20 في المئة ما بين العامين 2013 و2015.
لقد بات من المؤكد اليوم أن دول الخليج في اتجاهها إلى توديع عصر الرفاه وتكريس سياسات تقشفية، فسياسات الدعم وبخاصة دعم الطاقة ولئن كان الهدف منها توزيع الثروة وتحسين المعايير المعيشية للمواطنين إلا أنها ساهمت في خلق سلوك التبذير وتبديد الطاقة لدى مواطني مجلس التعاون الخليجي، وهو للإشارة أحد أبرز مبررات الحكومات الخليجية لسياستها في رفع الدعم.
ويؤكّد صندوق النقد الدولي في تقرير له صدر في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية ستستهلك احتياطاتها النقدية خلال 5 سنوات إذا استقرت أسعار النفط عند مستوى 50 دولاراً للبرميل، لكن مع تدهورها إلى 30 دولاراً أو أدنى فلا بد أنها ستمر بمرحلة عصيبة خلال المرحلة القليلة المقبلة.
وأشار الصندوق في تقريره إلى أن دول المنطقة خسرت ما يقدر بنحو 360 مليار دولار من عائداتها حتى تاريخ صدور التقرير العام الفائت.
ومن هذا المنطلق فإن دول المنطقة ستواجه قريباً مجموعة من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لعل خصخصة المنشآت العامة والتضخّم أبرزها والذي من شأنه أن يؤدي بدوره إلى نفور العمالة الأجنبية التي يعتمد عليها الاقتصاد الخليجي بشكل كبير بالإضافة إلى أنه من شأن هذه السياسات أن تثقل كاهل المواطن الخليجي وتخلق أزمة اجتماعية بالتوازي مع الأزمة الاقتصادية.
مختلف هذه التداعيات، من شأنها أن تذكي الرغبة في الاعتراض والرّفض لدى المجتمعات الخليجية. فهل ستجد دول مجلس التعاون نفسها في مواجهة مسيرات أو مسيرات احتجاجية على الظروف الاقتصادية؟ إذ لم يسبق وأن شهدت أي من هذه الدول مثل هذه الاحتجاجات، وحتى الحركة الاحتجاجية التي تعرفها البحرين منذ خمس سنوات والمسيرات الاحتجاجية في المنطقة الشرقية في السعوديّة، كانت بالأساس لأسباب سياسية وحقوقية أكثر من كونها اقتصادية.
وبالرجوع إلى تجارب العديد من دول العالم النامي ومنها الأردن وتونس ومصر والمغرب التي استجابت لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فإن التجارب، في أغلبها، لم تكلّل بالنجاح المرجوّ من توصيات خبراء ماليين عالميين.
الوصفات الاقتصادية التي قدّمها صندوق النقد الدولي لهذه البلدان لم تخلّف إلا المزيد من المديونية وتراكم الديون ولكن الأخطر من كل ذلك، كان خلقها لحال من الاحتقان في صفوف الفئات الضعيفة تهدّد بالانفجار في كل حين، بالإضافة إلى تفاقم المشاكل وتعدّد القضايا المجتمعيّة.
لابدّ أن المواطن الخليجي بدأ يستشعر تداعيات السياسة التقشفية التي بدأت أغلب بلدان مجلس التعاون الخليجي في اتباعها ولئن لم تكن نتائجها شديدة الوضوح إلى حدّ الآن، فإنّ هذه التداعيات لن تتطلب وقتا طويلاً لتلقي بظلالها على المجتمعات، خصوصاً إذا لم تعمل الحكومات الخليجية على توفير بدائل من شأنها أن ترضي المواطن المتضرر من مثل هذه السياسات.
وبالنظر إلى ما خلّفته سياسات أو وصفات صندوق النقد الدولي في البلدان النّامية من مشاكل اقتصاديّة واجتماعيّة بالأساس، فإن الحكومات الخليجية مدعوّة إلى إرساء سياسات اجتماعية تضمن الحقوق الأساسية وتحرص خاصّة على جودة الخدمات الاجتماعية. الواقع يؤكد أنّ الإنسان تزيد مطالبته بجودة الخدمات كلّما زادت قيمة ما يدفعه من ضرائب، فهل تكون الحكومات الخليجية على درجة من الفطنة لتتنبّه إلى ضرورة توفير البدائل المرضية لمواطنيها؟ وهل ستنجح في اتباع سياسات اقتصادية تجنّبها خطر احتجاجات اجتماعيّة، تزيد الطين بلة؟