مفتاح الحل في ليبيا: قطر والإمارات

دعمت قطر قوات فجر ليبيا ممثل حركة الإخوان المسلمين ودفعت جاهدة لتكوين حكومة بقيادتها

الإمارات عينت المبعوث الأممي لقيادة جلسات الحوار الوطني مديراً لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية براتب قدّر بـ 35 ألف جنيه إسترليني

على غرار بقية الأزمات التي شهدتها دول الربيع العربي، لم تعرف ليبيا صراعات بين أطراف سياسية داخلية وحسب، بل كان البلد عرضة منذ فبراير 2011 إلى تدخلات خارجية إقليمية ودولية. ورغم أن دول الجوار تونس ومصر عرفتا نوعاً من الاستقرار السياسي إلا أن ليبيا لا تزال تتخبط في حوار عقيم بين أطيافها السياسية، والذي يغذيه صراع مصالح دولية تريد فرض هيمنتها في المنطقة.
لعبتت قطر دوراً استراتيجياً وعسكرياً مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزعامة فرنسية وأمريكية لإسقاط حكم معمر القذافي. وتنامى النفوذ القطري في المنطقة منذ ثورة 17 فبراير بعمليات تسليح الثوار في ليبيا بالذخائر والمعدات اللوجستية وبدعم سياسي لزعيم فجر ليبيا عبد الحكيم بلحاج (رجل قطر في ليبيا) باعتبار أنّ الرهان الدولي أنذاك كان يصب في اتجاه دعم صعود التيار الإسلامي السياسي في المنطقة.
وما غذّى النفوذ القطري في ليبيا أنها عمدت طيلة أربع سنوات إلى دعم فجر ليبيا ممثل حركة الإخوان المسلمين في طرابلس ودفعت جاهدة لتكوين حكومة يقودها هذا الشق السياسي، ورفضت خلال الاجتماع الطارئ لمجلس دول الجامعة العربية الخاص بالأزمة الليبية في أغسطس 2015 التدخل العسكري العربي كحل لهذه الأزمة خوفاً من خسارة وزنها الإقليمي في ليبيا.
قبالة ذلك، تمد الإمارات نفوذها في الملف الليبي من خلال دعمها إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالمال والسلاح لتقويض فجر ليبيا ولدعم برلمان طبرق المعترف به دولياً لتسلم زمام الحكم في ليبيا. ويذكر أن تقارير تابعة للأمم المتحدة كانت قد أدانت عمليات انتهاك حظر الأسلحة في ليبيا من خلال تهريب السلاح والمقاتلات عبر البوابة المصرية في مارس 2015.
الدعم الإماراتي لحفتر ساهم في عرقلة سبل التوصل إلى حل سياسي أو اتفاق بين الأطراف السياسية الليبية التي ترفض أن يكون حفتر جزءاً من الاتفاق السياسي حول تشكيل حكومة الوفاق الليبية القادمة.
كما تواترت أنباء عن دور إماراتي “مشبوه” في الأزمة الليبية من خلال استمالة المبعوث الأممي لقيادة جلسات الحوار الوطني برناردينو ليون الذي عينته الإمارات مديراً لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية براتب قدّر بـ 35 ألف جنيه إسترليني لدعم سياستها الخارجية. وهو ما دعا بعض أطراف النزاع في ليبيا للتشكيك في نزاهة وحيادية المبعوث الأممي خاصة وأن الامارات أحد أهم أطراف النزاع الإقليمي في ليبيا، إلى جانب أنه عمد إلى خطة سياسية تهدف إلى دعم برلمان طبرق المدعوم إماراتياً مما ساهم في تعطيل الحوار الوطني.
دول الخليج ومستقبل الحوار الليبي
مثلت الأزمة الليبية نقطة تحول حاسمة في مسار السياسة العربية والإقليمية، وتعالت عديد الأصوات في الداخل الليبي من أجل أن يكون الحل داخلياً، قراءات عديدة للشأن الليبي وجدت في تدخل دول الخليج في الأزمة الليبية خطأً استراتيجياً لتكون ليبيا منطقة صراع نفوذ، وهو ما ساهم في إشعال نار الفتنة بين الفرقاء السياسيين.
و أمام اتساع الهوة بين شقي النزاع في ليبيا إضافة إلى وجود جماعات إرهابية مسلحة تابعة لتنظيم داعش تهدد أمن المنطقة، عبّر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما في أبريل 2015 عن موقف بلاده من الأزمة الليبية بإعلان مخاوف واشنطن من تعثر الحوار الوطني الليبي و تشجيعه لدول الخليج التي لديها نفوذ على الفصائل المختلفة في ليبيا أن تدفع أكثر نحو حل هذه الأزمة. وهو ما أعطى الضوء الأخضر لقطر لتكون طرفاً في الحل وليس في النزاع وذلك بحكم علاقاتها الوثيقة مع أحد أطراف الصراع وهو فجر ليبيا.
وهذا ما يفسر ما ورد في خطاب أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في اجتماع الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر سبتمبر 2015 الذي سعى إلى إعلان موقف رسمي من الأزمة الليبية يعتبر فيه الحوار الوطني “الخيار الاستراتيجي الأوحد الذي سيجمع كل الفرقاء السياسيين في ليبيا وسيساعدها للوصول إلى حل سياسي سلمي يعيد الاستقرار والأمن والنماء”.
ومخافة إعادة سيناريو العراق في ليبيا، يبدو أن لا مناص لدول الخليج من أن تسعى جاهدة للتعاون مع دول جوار ليبيا وخاصة الجزائر من أجل تقريب الرؤى بين أطراف النزاع لإيجاد صيغة حكم توافقي على غرار النموذج التونسي لتجنب دخول ليبيا في حرب أهلية من ناحية، ولحماية مصالحها الاقتصادية فيها واستعادة سوق النفط الليبية من السيطرة الغربية مخافة تحكمه في السوق العالية للنفط من ناحية ثانية، ومن ثم دعم الحكومة الليبية المقبلة للقضاء على الجماعات الإرهابية المسلحة في ليبيا.
فعلياً، غذت الصراعات الجغراسياسية بين دول الخليج الأزمة في ليبيا وكانت سبباً مباشراً في تفاقمها، بين داعم للإسلام السياسي وداعم لحكم العسكر. ويبقى مصير استقرار ليبيا رهين توافق هذه الأطراف الخليجية المهيمنة على الأطياف السياسية الفاعلة في ليبيا.
لذا لا يمكن أن ينجح الحوار الوطني الليبي إلا بنجاح حوار قطري وإماراتي أولاً.

منشورات أخرى للكاتب