محرقة التطرف في تونس: صُنع في الخليج

منية فاضل -صحافية تونسية

ارتبطت أغلب جنسيات العناصر الجهادية المتطرفة من الإسلاميين في سوريا التابعين لتنظيمي الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش) وجبهة النصرة بجنسيات دول المغرب العربي، وخاصة منها تونس.

فرغم أن نظام حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي الذي سعى منذ توليه السلطة العام 1987 إلى القضاء على جذور التطرف الديني بمنع الحركات والجماعات الإسلامية من ممارسة أي نشاط إذ كانت تمثل تهديداً لكيان الدولة التونسية، إلا أن ثورة يناير 2011 أوجدت مساحة من الحرية للجماعات الإسلامية المتطرفة لممارسة نشاطهم، وتمرير أفكارها، فانتعشت بذلك ظاهرة السلفية الجهادية لا سيما في ظل حكم حزب حركة النهضة الإسلامي الجذور.

الفوضى التي شهدتها ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011 ساهم في تسليح العناصر الإسلامية المتطرفة في كل من تونس وليبيا. وأصبحت بذلك الدولتان مسرحاً للجماعات المتطرفة التي تستقطب الشباب وسط اتهامات لبعض دول الخليج بالمسؤولية عن تمويل هذه الجماعات رسمياً وشعبياً. يشمل ذلك اتهامات لبعض دول الخليج بالمسؤولية المباشرة عن تمويل عمليات تسفير الشباب التونسي إلى بؤر الحرب في سوريا والعراق بعد تلقي تدريبات عسكرية في ليبيا.

وحسب إحصائيات وزارة الداخلية التونسية فإن أكثر من 2400 شخصاً غادروا التراب التونسي إلى سوريا مبينا أن عدد القتلى لم يتجاوز 350 تونسي. في مقابل، ذلك تؤكد إحدى وكالات الإحصاء الأمريكية بأن أكثر من 1900 تونسي لقوا حتفهم في سوريا.

التوجه السياسي والديبلوماسي لتونس إبان حكم الترويكا الثلاثية والمتماهي مع غالبية دول الخليج أدى إلى تحرك الجماعات المتطرفة والمسلحة بين ليبيا وتونس انتهاءاً بزرع خلايا جهادية في تونس. وتشير تقارير رسمية بأن نسبة الشبان التونسيين المنظمين للجماعات الإرهابية التي توجهت نحو سوريا او العراق سواء لتنظيم داعش أو جبهة النصرة تتراوح أعمارهم بين 19 و39 سنة، وأن عددهم تجاوز 6 آلاف فيما تم منع 9 آلاف شاب وفتاة من مغادرة التراب التونسي للالتحاق بالجماعات المقاتلة في سوريا.

دور الدعاة و الشيوخ من الخليج

لعب الدعاة ورجال الدين الذين زاروا تونس بعد الثورة وتحديدا في فترة حكم حزب النهضة سواء من دول الخليج العربية أو المقيمين فيها دوراً هاماً في محاولة تغيير النمط المجتمعي التونسي. فعلى سبيل المثال، أثارت صور الداعية الكويتي نبيل العوضي مع محجبات قاصرات في تونس، خلال زيارته تونس في فبراير 2013، سخطًا عارما لدى غالبية التونسيين الذين اعتبروا ذلك السلوك اعتداءً على حقوق الطفولة.

سعى بعض هؤلاء الدعاة الى تغيير ثقافة بعض الشباب التونسي إلى شباب تسيطر عليه ثقافة نصرة الاسلام السني بالجهاد ونيل الشهادة وأن القتال في سوريا “فرض ديني”.

التطرف يبدأ من المسجد

تميزت فترة حكم حركة النهضة بالغياب المقصود لمراقبة تحركات السلفيين داخل المساجد، فقد انتهجت الحركة سياسة مرنة تجاه المتشددين برفع شعار “مع الحوار ورفض الاقصاء”. لذا فإن أكثر من 1100 سلفي متشدّد سيطروا على المساجد وأصبحوا يؤمون الناس في صلاة الجمعة بخطب تحرّض على الجهاد في سوريا وهي خطب مستوحاة من الخطب التي تبث عبر القنوات الفضائية الدينية التي تمولها دول الخليج. وقدرت وزارة الشؤون الدينية التونسية أنّ أكثر من 400 مسجد هي مساجد خارجة عن سيطرة الوزارة خلال العام 2012.

تمويلات خليجية مشبوهة

وتشير تقارير استخباراتية تونسية إلى وجود شبكات إقليمية تمولها جهات خليجية مهمتها تسفير الشباب للجهاد في سوريا، حيث يحتل التونسيون المرتبة الثالثة في المجاهدين العرب القادمين إلى منطقة الصراع.

وحسب تصريحات وزير الداخلية التونسي فإن أثرياء من دول خليجية محددة تمول أكثر من 120 جمعية خيرية (من مجموع 200 جمعية) بمبالغ مالية تجاوزت 10 مليار دولار تتولى تجنيد الشباب التونسي وإرسالهم إلى سوريا للقتال.

كما أن مؤسسات خيرية دينية مجهولة التمويل، عملت من خلال حلقات تدريس بالمساجد إلى زرع أفكار الجهاد ونيل الشهادة ومحاربة رأس الكفر في سوريا ونصرة المذهب السني من التهديد الشيعي، وكانت هذه الحلقات تنظم الشباب للالتحاق بجبهة القتال بسوريا.

وفي هذا الإطار، تحدث لطفي بن جدو وزير الداخلية التونسي عن تجميد نشاط أكثر من 157 جمعية خيرية دعوية تتلقى تمويلات من الخارج وتجمع التبرعات بصفة غير قانونية تحت غطاء “جاهد بمالك” و”مؤازرة الجهاد بسوريا” وهي جمعيات متورطة في شبكات تسفير الشباب نحو سوريا.

وكانت إحدى الجمعيات الخيرية في تونس قد دعت أحد الشيوخ الخليجيين وهو “أحمد بن عمر الحازمي، ليقدّم دورات علمية للشباب التونسي حسب مقررات و مناهج مضبوطة من خلال شرحه لكتاب “أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة المنصورة” الذي يدعو صراحة بين دفتيه إلى قتال الفرق المخالفة للوهابية” .وتهدف هذه الدروس إلى تعبئة الشباب التونسي بأفكار مذهبية تدعو إلى محاربة الخطر الشيعي “الصفويين” وضرورة نصرة الاسلام السني والفكر الوهابي وأخرى طائفية ضد “النصيريين” وتشرّع للجهاد في سوريا والفتك بقوات الأسد وشبّيحته.

تعاملت بعض دول الخليج العربية مع الربيع العربي بصفته خندقاً يمكن أن يتسع فيُغرِق الجميع. لذا، كانت المساعي حثيثة لبسط السيطرة على دواليب الدولة التونسية بدعم الأحزاب السياسة وتغيير النمط المجتمعي التونسي ببث افكار وأحكام وتقاليد قائمة على الفكر الوهابي الذي يتنافى مع المذهب السني المالكي-الأشعري، وصولاً الى تجنيد الشباب التونسي ليكون وقوداً للعمليات الإرهابية في سوريا عبر انضمامه إلى الجماعات المتطرفة.

و لكن، بالرغم من تراجع سيطرة هذه الدول بعد الانتخابات التشريعية و الرئاسية في تونس سنة 2014، و بعد التحولات الجيوسياسة الدولية بتغيير البوصلة في اتجاه المصالح مع ايران، وبعد اتهام جون بايدن نائب الرئيس الامريكي السابق دول الخليج بدعم الارهاب في سوريا، الا انّ آثار محاولة أفغنة الشباب التونسي و زرع أفكار قائمة على التطرف و تغذية الارهاب لاتزال موجودة رغم الجهود الاجتماعية والمجتمعية والدينية والسياسية التي تبذلها الدولة التونسية لدحر هذه المظاهر.

منشورات أخرى للكاتب