دول الخليج وإسرائيل: الإمارات أقرب الأصدقاء والكويت خارج السرب

تتكشف في الآونة الأخيرة في أروقة السياسة في منطقة الشرق الأوسط علاقات دبلوماسية سرية تجمع كلاً من دول الخليج العربية وإسرائيل.
كانت مصر السباقة في تأسيس علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بإبرام اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، ونتج عن هذا القرار المصري غليان شعبي ورفض سياسي عربي تلته مقاطعة عربية لمصر. اليوم، تعترف أغلب الدول العربية بإسرائيل، سواء بالتمثيل الدبلوماسي أو سياسة الأسواق المفتوحة لتسهيل المبادلات التجارية. وتغير الخطاب السياسي والإعلامي العربي في العموم من اعتماد مصطلح الكيان الصهيوني إلى مصطلح دولة إسرائيل.

سياسة العدو المشترك
تشكل الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم تهديداً وجودياً لإسرائيل ودول الخليج العربية: تهديد مذهبي، إذ تمثل إيران أكبر تجمع شيعي في المنطقة. وتهديد نووي، إذ تمتلك برنامجاً نووياً متطوراً. وتهديد اقتصادي، إذ تشكل إيران قوة نفطية مؤثرة. وأخيراً تهديد إقليمي: إذ تمسك إيران بتوازنات الحكم في العراق، ولها قيمة إستراتيجية لدى قيادة حزب الله اللبناني، إضافة إلى دعمها العسكري والمعنوي لكل من نظام بشار الأسد في سورية، وحركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة، والحوثيين في اليمن.
ومع رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران مطلع 2016 وتنامي دورها في المنطقة تصاعدت وتيرة التهديد لتشمل دول الخليج التي تحمل إيران مسؤولية تهديد أمنها خاصة في البحرين والسعودية، وكذلك إسرائيل التي لطالما توعد النظام الإيراني بإزالتها من الوجود رافعاً شعارات “الموت لإسرائيل”.
منذ اتفاقية أوسلو 1993، بدأت إسرائيل في إقامة علاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي. وفي عام 1994، أعلن المجلس وقف المقاطعة الاقتصادية المفروضة على الشركات والبضائع الإسرائيلية ما أسفر عن تأسيس علاقات ومؤسسات تجارية كما قامت بعض خطوط الطيران الخليجية بتخفيف القيود المفروضة على المسافرين والبضائع القادمة من إسرائيل.
ومنذ اشتداد الصراع بينها وإيران، سعت دول الخليج إلى تطوير علاقاتها مع إسرائيل إيماناً منها بالدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة العبرية في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد كليهما. وسعت إسرائيل إلى التغيير في سياسات علاقاتها الخارجية مع بعض دول الخليج من السر إلى العلن. ورغم أن العلاقات بين الطرفين لم تتخذ طابعاً رسمياً خاصة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية إلا أن التعاون الاستخباراتي والأمني والاقتصادي أصبح يقدم على موائد التصريحات السياسية وفي وسائل الإعلام.

الإمارات: تطبيع غير معلن
تعد الإمارات أكثر دول الخليج انفتاحاً على إسرائيل، ويشمل الرابط الدبلوماسي بينهما المجالات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية والتجارية. وتعمل أسماء إسرائيلية هامة لرجال أعمال وسياسيين بارزين من أجل تطوير العلاقة بين البلدين. وبلغ التعاون مداه حين قامت إسرائيل بدعم أبوظبي عام 2009 في ملف استضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA)) أمام منافستها ألمانيا، وبذلك أصبحت مشاركة إسرائيل في مؤتمرات هذه الوكالة أمراً محسوماً ليسفر ذلك في نوفمبر 2015 عن افتتاح مكتب تمثيل دبلوماسي إسرائيلي لدى الوكالة في أبوظبي، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل إنجازاً كبيراً واختراقاً سياسياً هاماً. كما شارك الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز عبر بث مباشر من مكتبه في القدس وخلفه العلم الإسرائيلي في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر التأم في أبوظبي عام 2013 حول القضايا الإقليمية والأمنية في المنطقة.
ورغم أن الإمارات كانت عام 2010 مسرحاً لجريمة اغتيال القيادي في حركة حماس الفلسطينية، محمد المبحوح، على يد عناصر من الموساد الإسرائيلي، إلا أن العلاقات بين الدولتين لم تشهد أزمة.
تقع الإمارات اليوم في موازنة دقيقة بين التعهد بدعم القضية الفلسطينية من جهة، وموقفها المعادي لحركة حماس المنظوية تحت لواء العدو اللدود “تنظيم الإخوان المسلمين” من جهة ثانية، والتزاماتها الإقليمية الأمنية والاستخباراتية مع إسرائيل لمواجهة العدو الإيراني من جهة أخرى.

السعودية: التوافق الحذر
يبدو التعاون السعودي الإسرائيلي محتشماً، ولطالما وضعت السعودية شروطاً عسيرة للتعاون مع إسرائيل تتمثل في رضوخ تل أبيب لمبادرة السعودية للسلام في الشرق الأوسط. وكانت كل من السعودية وإسرائيل قد دعتا مجتمعتين إلى معاقبة إيران التي تعمل على تطوير صواريخ باليستية إضافة إلى دعم النظام السوري والحوثيين في اليمن وذلك خلال مؤتمر مونيخ الدولي للأمن والسياسات الدفاعية في فبراير 2017، وأكد وزير الدفاع الاسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، خلال هذا المؤتمر “أن إيران تهدف إلى تقويض السعودية في الشرق الأوسط” داعياً إلى حوار مع الدول العربية السنية لهزيمة التطرف في المنطقة، مشيراً إلى أن “الانقسام الحقيقي ليس بين اليهود والمسلمين ولكن المعتدلين في مواجهة المتطرفين” في إشارة إلى إيران وحزب الله.

البحرين: حضن الشيطان ولا إيران
لطالما رفضت البحرين فكرة وجود علاقات تجارية مع إسرائيل معللة موقفها بـ “إقامة دولة فلسطين المستقلة”. لكن من جهة أخرى، كشف موقع ويكيليكس عن اتصالات أمنية واستخباراتية بين المنامة وجهاز الموساد الإسرائيلي بنشر محتوى حوار ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مع سفير الولايات المتحدة في المنامة وليام مونرو تكشف “الرابط بين المنامة وتل أبيب على المستوى الأمني وبينها وبين الموساد على مستوى المخابرات” ويفسر هذا التحالف بأن المنامة تعتبر نفسها أكثر دول المنطقة عرضة للخطر الإيراني لطبيعة الموقع الجغرافي من جهة وبحكم الأغلبية الشيعية التي تحكمها عائلة ملكية سنية من جهة ثانية.

سلطنة عمان / قطر و إسرائيل: بين كرّ و فرّ
كانت لقطر وعمان مبادرات أولية تجاه إسرائيل، لكن كلا البلدين أغلقا مكاتب التمثيل التجاري بعد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009. وأغلقت الدوحة مكتبها التجاري في تل أبيب ونظمت مؤتمر قمة عربية طارئ بمشاركة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.
وسعت قطر منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011 إلى انتهاج سياسة دبلوماسية جديدة داعمة للحركات المنظوية تحت تنظيم الإخوان المسلمين ومنها حركة حماس المعادية لإسرائيل. كما مثلت زيارة كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، التي أداها أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني عام 2012 من أجل تدشين مشاريع تنموية في المنطقة وإعادة اعمار غزة بتمويل قطري، إلى جانب مطالبة قطر في 2012 بفتح تحقيق دولي في كل العمليات الإسرائيلية في القدس منذ 1967 التي تهدف إلى طمس الهوية العربية الإسلامية، خطوات اعتبرتها إسرائيل تصعيدية أسفرت عن قرار إسرائيلي بقطع العلاقات التجارية واعتبار قطر في محور إيران وحماس وأنها “العمود الفقري للإرهاب في العالم” حسب تصريح أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي. قبالة ذلك، تكفلت الدوحة عام 2013، بنقل 400 يهودي من اليمن نحو تل أبيب عبر خطوطها الجوية.
أمّا بالنسبة لسلطنة عمان فرغم إغلاق تمثيليتها التجارية في تل أبيب بعد مجزرة جنين العام 2000، بقي التعاون البيني في مجالات حيوية قائماً مثل مشروع تحلية المياه في سلطنة عُمان الممول من إسرائيل بثلاثة ملايين دولار لإقامة مركز إقليمي للأبحاث وتحلية المياه في الخليج (عام 1996).

الكويت: خارج السرب
تعتبر الكويت، الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تعترف قط بوجود دولة إسرائيل. ويحظر القانون الكويتي على الكويتيين التعامل مع الإسرائيليين أفراداً وشركات. وغالباً ما تكرر مقاطعة الوفود الكويتية لإسرائيل في المحافل الدولية، من ذلك انسحابها من مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA)) الذي انعقد بالامارات في سنة 2014 معتبرة أن وجود وفد إسرائيلي رفيع المستوى في عاصمة عربية يُعد “تطبيعاً” .
لئن تفاوتت درجات الاعتراف والتعاون مع إسرائيل من دولة خليجية إلى أخرى، تعجز دول مجلس التعاون عن اتخاذ قرارات واضحة ومباشرة في التطبيع مع إسرائيل. تدرك دول الخليج خطورة إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب لا سيما في ظل تذبذب مواقف واشنطن من قيادتهم للقضايا المصيرية في المنطقة واتهامهم بالمسؤولية عن الإرهاب. كما أن لقرار التطبيع تبعات شعبية قد لا يكون تطويقها والسيطرة عليها سهل المنال.

* مصدر الصورة: (AFP Photo/Jack Guez)

منشورات أخرى للكاتب