مئوية “سايكس بيكو”: رد الاعتبار أو التقسيم

رغم الاختلالات الطبقية والقبلية والطائفية إلا أن الاتفاقية أنتجت دولاً متماسكة

رفض حلول “التقسيم” يؤكَد أن الشعوب تحترم “سايكس بيكو” أكثر من حكوماتها

حسناً، وعلى خلاف ما هو معتاد ومألوف، هذه مقالة تدعو إلى إعادة الاعتبار إلى اتفاقية سايكس بيكو في مئويتها الأولى، بل وإلى احترامها. وإن كان ذلك متعذراً لدى المحاور الجديدة واللاعبين الجدد في المنطقة فبالإمكان أن نجلس جميعاً على هذه الخارطة لنقرأ الاتفاقية ونتائجها، ولنعمل على تقسيم دول المنطقة من جديد. وبهذا، نسهم جميعاً في خارطة طريق جديدة ووحيدة لإيقاف مكنة الحروب وبلطجة الدول/ الجماعات/ الطوائف الدائرة من حولنا. الحروب المباشرة منها، أو بالوكالة.
لن نجد على شبكة الإنترنت ما يشي أو يشجع على الاهتمام بتعريف هذه الإتفاقية بما يزيد عن كونها “اتفاقية اقتسام (تآمرية) على الدول العربية شرقي البحر الأبيض المتوسط”. إلا أننا وبعد “خريفنا العربي” الذي يحتفل بخمسيته الأولى نحتاج إلى إعادة التفكير في هذه الاتفاقية، وإلى مراجعة مواقفنا منها.
أمنت هذه الاتفاقية وما تبعها من توافقات وتفاهمات وما نتج عنها من دول وحدود لشعوب المنطقة حالة استقرار ثابتة، وراسخة. ورغم عديد الاختلالات الطبقية/ القبلية/ الطائفية التي أسست لها تارة وتسببت فيها تارة أخرى إلا أنها أنتجت دولاً متماسكة، قادرة على احتواء هذه الاختلالات، والسيطرة عليها. ورغم أن دولة من هذه الدول لم تستطع تقديم الدولة (النموذج)، إلا أنها وفي المحصلة سايرت دولاً عربية أخرى بل وتفوقت عليها في معدلات التنمية والنمو، ولنا أن نستثني دول الخليج الناشئة التي لا يمكن القياس عليها.
قبل أيام تتبعت باهتمام شديد عديد استطلاعات الرأي التي تطرقت لفكرة تقسيم سورية أو العراق في أكثر من وسيلة إعلامية عربية وغربية. النتائج كانت دائماً وأبداً واضحة ومتوافقة: لا لتقسيم العراق، أو سورية. حسناً، ما الذي يمكنه أن يحفز مجتمعات توقف التاريخ عندها منذ أكثر من 1400 عاماً على أن تميل إلى خيار تغيير جغرافيا الأوطان وحدودها؟
في المئوية الأولى لاتفاقية سايكس بيكو، يبدو أنه من الضروري على اللاعبين الكبار (الولايات المتحدة/ روسيا/ بريطانيا/ فرنسا/ دول الخليج العربية/ إيران/ تركيا) أن يدركوا خطورة التلاعب بهذه الاتفاقية وحدودها أو العبث بتفاهماتها التأسيسية؛ سياسياً، اجتماعياً، واقتصادياً.
تبدو أكثر الخيارات قبولاً وواقعية، بعد ما شهدته وتشهده دول المنطقة منذ العام 2003 (احتلال العراق) مروراً بالعام 2011 ووصولاً إلى اليوم، هي في احترام جهود ونتائج التوافقات والتفاهمات الإقليمية والدولية التي توصل لها كل من السير مارك سايكس ومسيو جورج بيكو، والقبول بها.
وخلاف أن يكون هناك احترام حقيقي وتوافق دائم وإجماع كامل على الالتزام بهذه الاتفاقية وما نتج عنها، فإن محاولة أي طرف من الأطراف فرض تقسيم جغرافي جديد أو مد نفوذه إلى مناطق ودول أكبر، لابد أن يكون من خلال تفاهمات جديدة بين اللاعبين الكبار في المنطقة، وبما يشمل إعادة رسم حدود/ مكونات/ اقتصادات دول المنطقة وتحديد مناطق النفوذ فيها من جديد.
ولئن تعلق الأمر باحترام إرادات الشعوب فإن شعوب المنطقة ورغم خساراتها المتراكمة كانت دائماً حريصة على حدودها الراهنة، فهل تحترم هذه الشعوب “سايكس بيكو” أكثر من حكوماتها؟!

منشورات أخرى للكاتب