الإصلاح السياسي في الخليج: مشروع العودة إلى الإرهاب المعتدل
بعد “مبادرة الشرق الأوسط الكبير ” كيف سيطر تنظيم “داعش” على ثلث العراق وسورية
لا مفر من الاعتراف: نظرية الإصلاح في الشرق الأوسط فشلت بنسختيها: العسكرية والناعمة
في السادس من فبراير العام 2004 أعلن الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش مبادرة لتطوير وإصلاح الشرق الأوسط حملت اسم “مبادرة الشرق الأوسط الكبير”. تضمنت المبادرة أربع محاور: تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح، إصلاح التعليم، تمكين المرأة، وتوسيع الفرص الاقتصادية.
كان المبرر الرئيسي لهذه المبادرة هو أن زعامات (القاعدة) وقواعدها التي استهدفت الولايات المتحدة كانت (خليجية). يضاف لذلك؛ فشل النموذج العراقي؛ وبالتالي: سقوط رهان أن تكون الآلة العسكرية الأمريكية قادرة على حسم عبور دول الشرق الأوسط نحو الديمقراطية أو الإصلاح السياسي.
الخارجية الأمريكية وعلى امتداد سنوات طوال حاولت الدفع بهذه المبادرة، التأكيد على نجاعتها، وتسويقها. كثفت واشنطن الشراكات الأوربية الداعمة للمبادرة، وعقدت في سبيل ذلك، عديد المؤتمرات الدولية، ونظمت ورش العمل المكثفة التي كانت تستهدف مؤسسات المجتمع المدني.
اليوم وبعد مرور 11 عاماً، إن أحداً في الإدارة الامريكية لم يعلن فشل مبادرة “الشرق الأوسط الكبير” رسمياً. قد يكون سبب ذلك، أن المتغيرات الإقليمية التي تعصف بدول المنطقة قد مسحت بالفعل من ذاكرة المعنيين اسم المبادرة، ديباجتها، ومضامينها.
حين أبصرت مبادرة “الشرق الأوسط الكبير” النور، كانت التنظيمات الإسلاموية الإرهابية – وفي مقدمتها تنظيم القاعدة – تتمركز في أفغانستان وباكستان دون أن يكون لها أي سيطرة ميدانية على الأرض، ما خلا بعض الجيوب القبائلية المغلقة في هاتين الدولتين. اليوم، توسعت هذه التنظيمات في كل من العراق وسورية واليمن ولبنان ومصر والسعودية وليبيا وتونس. الأكثر من ذلك، هو أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) – أبرز النسخ المحدثة من تنظيم القاعدة – استطاع السيطرة على ثلث العراق وفق بعض التقديرات، وعلى قرابة 95 ألف كيلومتر من الأراضي السورية.
استطاعت النسخ المتطرفة من تنظيم القاعدة وامتداداتها في دول الربيع العربي والعراق أن تهدد دول الخليج جدياً. وكان للاختراقات الأمنية الأخيرة في كل من السعودية والكويت أن تفرض على دول الخليج العربية أجندات جديدة. إذ تتمحور اليوم مطالبات الإصلاح في دول الخليج الرسمية ومن جانب مؤسسات المجتمع المدني أيضاً، في تحجيم نمو هذه التنظيمات فكرياً أولاً، وعلى الأرض ثانياً. يأتي ذلك، في ظل غياب تام لعناوين كبرى تشمل المشاركة السياسية، وتطوير التجارب البرلمانية، وتمكين المرأة، أو حتى الإصلاح الاقتصادي في دول لا تزال تعتمد على مداخيل النفط.
ما بين العام 2004 والعام 2015 تغيرت أولويات الإصلاح في دول الخليج بشكل لافت،أصبح المطلوب والمأمول لا يزيد عن العودة بدول المنطقة لما كانت عليه قبل العام 2011، ليكون بذلك التعايش مع تنظيم القاعدة تعايشاً مثالياً. تعايش بالإمكان أن نطلق عليه: التعايش الإيجابي من الإرهاب المعتدل. وهو ما يطرح عديد الأسئلة حول فشل نظرية الإصلاح السياسي في دول المنطقة كلها، فشل النظرية بشقيها: العسكري والناعم، على حد سواء.