دول الخليج وطوفان الأقصى: مواقف متباينة ومسارات متباعدة
في السابع من أكتوبر الفائت شنت حركة حماس هجومًا واسعاً على منطقة غلاف غزة حيث نجح مقاتلوها في تخطى الحاجز الحدودي في مشهد لفت أنظار العالم. استطاع مقاتلو التنظيم، المصنف كتنظيم إرهابي في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى فيما تعتبره غالبية الدول العربية حركة مقاومة شرعية للاحتلال الإسرائيلي، أن يسيطروا على مناطق ونقاط تمركز تابعة للجيش الإسرائيلي ومناطق سكنية، كذلك استطاع مقاتلو حماس وحركة الجهاد الإسلامي، الحليف المقرب من حماس، اقتياد أكثر من مائتي أسير من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين إلى داخل قطاع غزة.
وعطفًا على العملية التي أطلقت عليها حماس مسمى “طوفان الأقصى”، اتخذت الحكومة الإسرائيلية مجموعة من الإجراءات العاجلة شملت استدعاء قوات الاحتياط والبدء في عمليات عسكرية برية لملاحقة مقاتلي حركة حماس وتأمين المناطق الخارجة عن سيطرتها تحت مسمى “السيوف الحديدية”. بالتوازي، بدأ سلاح الطيران عمليات قصف واسعة النطاق تحت غطاء سياسي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فيما اعتبرتها دول ومنظمات حقوقية دولية عمليات انتقامية تنتهك القانون الدولي وتستهدف المجمعات السكنية والمدارس والمساجد ما يجعلها بمثابة عقاب جماعي تسبب حتى الآن في سقوط آلاف الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، غالبيتهم من النساء والأطفال.
ومع انطلاق عمليات القوات البرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة بهدف القضاء على حركة حماس بحسب ما أعلنته الحكومة الإسرائيلية، بلغ مجموع القتلى من الجانب الإسرائيلي نحو 1500 قتيل قبالة نحو 10 آلاف قتيل من الفلسطينيين، يأتي ذلك في ظل أوضاع إنسانية صعبة مع انقطاع الماء والكهرباء ونفاذ الوقود وتوقف بعض المستشفيات عن العمل.
وفيما يتزايد التوتر في المنطقة مع احتمال توسع دائرة الصراع المُسلح، لتشمل حزب الله اللبناني الذي شرع في مناوشات حدودية متصاعدة الوتيرة وايران من جهة، والولايات المتحدة التي دفعت بتعزيزات عسكرية إلى البحر الأبيض المتوسط وتدشين جسر جوي لإمداد إسرائيل بتجهيزات وذخائر عسكرية من جهة أخرى، تُحاول مختلف الأطراف، دون استثناء، تجنب توسيع دائرة الحرب وجعلها محصورة في غزة.
خليجيًا، أدانت كل من البحرين والإمارات هجوم حركة حماس وبالخصوص استهداف المدنيين الإسرائيليين بشكل واضح. لاحقًا، انضم البلدان إلى بقية دول مجلس التعاون الخليجي في إدانة الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة والمطالبة بالإيقاف الفوري للعمليات العسكرية واحترام القانون الدولي والمسارعة في إدخال المعونات الإنسانية. وخلاف قرار السعودية تجميد المفاوضات السعودية الإسرائيلية التي كانت تجري تحت رعاية أمريكية من أجل تطبيع العلاقات بينهما، لم تقم المنامة أو أبوظبي بأي إجراءات عقابية تمس العلاقات السياسية أو الاقتصادية مع إسرائيل، كما لم تعمد كل من السعودية وسلطنة عمان إلى منع الطائرات المدنية الإسرائيلية من التحليق في أجواء البلدين.
الموقف الكويتي، سواءً من جانب الحكومة أو مجلس الأمة، كان الأكثر وضوحاً في إدانة إسرائيل يليه الموقف القطري والعماني، كما كان لافتًا استخدام الرياض تعابير حادة في إدانة إسرائيل وتحميلها مسؤولية ما حدث من خلال استمرار سياسات الاستيطان والحصار على قطاع غزة والضفة الغربية واستهداف المقدسات الإسلامية في مدينة القدس. بالتوازي، دشنت السعودية حملة لجمع التبرعات والمعونات لغزة يعتقد أنها ستكون الأكبر خليجيًا وعربيًا. من جانبها، قادت الإمارات جهودًا دبلوماسية في مجلس الأمن تهدف إلى إيقاف العمليات العسكرية لكن الفيتو الأمريكي كان بالمرصاد.
لا شك أن الدعم الأمريكي سيكون مؤثرًا في مُساعدة تل أبيب وفي تعويض الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية الباهظة، لكنه لن يكون دعمًا بلا حدود أو مطلقًا مع تزايد الانتقادات من داخل المؤسسات السيادية في واشنطن الداعية إلى إيقاف الحرب وإعلام إسرائيل بأنها لا تمتلك تفويضاً مفتوحًا لفعل ما تشاء. وهو في المحصلة ما يبعث على الشك في أن تكون إسرائيل قادرة على تحقيق الأهداف التي أعلنتها لعمليتها العسكرية المضادة.
في الشاطئ المقابل من الخليج، ورغم تأكيد قيادات سياسية وعسكرية في حماس أن إيران أو محور المقاومة لم يكن شريكًا في اختيار توقيت أو طبيعة وأهداف العملية العسكرية التي نفذها مقاتلو كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وهو ما أكدته واشنطن لاحقاً، وكذلك أمين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله في الثالث من نوفمبر الجاري في أول ظهور له منذ بدء الأحداث، إلا أن ذلك لا ينفي أن عملية “طوفان الأقصى” حققت مكاسب وازنة للإيرانيين، في مقدمتها كبح جماح إسرائيل وعرقلة عجلة التطبيع الخليجي الإسرائيلي عن الدوران بسرعتها القصوى.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، نجحت تل أبيب في النفاذ بقوة إلى منطقة الخليج وصولاً إلى توقيع اتفاقات إبراهام للسلام (أغسطس 2020) مع كل من الإمارات والبحرين، يضاف لذلك تنفيذها لعمليات اغتيال مُحكمة داخل إيران، وهو ما كان يشير إلى نجاح إسرائيل في سعيها إلى تحويل جغرافيا الصراع الإسرائيلي الإيراني إلى حدود إيران، بل وإلى داخلها. اليوم، من المتوقع أن تتراجع شهية الخليجيين في تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو توسيع مجالاتها. أكثر من ذلك، أصبح رهان الدول المطبعة في الخليج على قوة الجيش الإسرائيلي ويد أجهزة تل أبيب الاستخباراتية الطولى، موضع تشكيك بعد هذا الإخفاق الاستخباراتي والعسكري الذي يعتبرهُ الإسرائيليون أنفسهم كارثيًا وصادمًا.
على المدى القصير، ولئن كان من المستبعد أن تتراجع كل من الإمارات والبحرين عن خيار تطبيع العلاقات والتحالف الاستراتيجي مع إسرائيل فإنه من المتوقع أن تسير مشاريع التكامل والتعاون الاقتصادي والعسكري ببطء. يزيد من هذا الاحتمال أن إسرائيل ستواجه بالتأكيد تغييرات سياسية جوهرية بعد الحرب تُعزز من حضور أقصى اليمين المتطرف، إذ سرعان ما سيكون الداخل الإسرائيلي وخصوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، متأهبين وحريصين، على بدء إجراءات مساءلة القيادتين السياسية والعسكرية على اخفاق السابع من أكتوبر الفائت، وهو ما من شأنه أن يؤجج الخلافات الداخلية في إسرائيل.
بالتوازي مع ذلك، فإن الإمارات والبحرين، سيكونان في موقف محرج فيما يتعلق بموضوع التشبيك مع إسرائيل أمام الرأي العام الداخلي والعربي على حد سواء، وهو ما يعيدهما إلى نقطة البداية.
أما فيما يتعلق بمسار تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية الذي توقف على خلفية عملية طوفان الأقصى فإن البيت الأبيض، وفور انتهاء العمليات العسكرية، سيبادرُ إلى تقديم مقترحات عاجلة وسلة حوافز أكبر للسعوديين على أمل الوصول إلى إتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة آواخر عام 2024، خصوصًا وأن هذا الاتفاق هو أحد أهم الأوراق الانتخابية التي قد تحسن من فرص الرئيس بايدن للبقاء في البيت الأبيض لولاية رئاسية جديدة. من جانب السعودية، تستطيع الرياض أن ترفع من سقف الحوافز المُنتظرة من الأمريكيين للمضي في هذا المشروع بشكل أفضل مما كان عليه الوضع سابقاً.
أخيرًا، وبالنسبة لسلطنة عُمان وقطر التي تتعرض إلى انتقادات إسرائيلية حادة بسبب استضافتها لقيادات حركة حماس على أراضيها، وهو ما ردت عليه الدوحة بأنها استضافة جاءت بطلب أمريكي، فلا يُتوقع أن يكون هناك أي تغيير من جانب أي من الدولتين تجاه إسرائيل، إذ ستعمد كل من مسقط والدوحة إلى الاكتفاء بالتفاهمات القائمة أو تقليصها إلى أقل ما يمكن.