دول الخليج وحزب الله اللبناني: الأفق مسدود

دول الخليج العربية تعتبر حزب الله أداة إيرانية والأخير يراها راعية الإرهاب في المنطقة

المصالح متضاربة والاختلافات عميقة ونقاط الالتقاء في هذا الصراع شبه معدومة

كشف الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في 23 تشرين الأول/ أكتوبر  الماضي بمناسبة ذكرى عاشوراء التأزم الشديد في علاقة حزب الله اللبناني مع  دول الخليج ممثلة في المملكة العربية السعودية، فرغم أن منطقة الشرق الأوسط لطالما شهدت صراع “حرب باردة” بين دول مجلس التعاون الخليجي وحزب الله اللبناني، إلا أن هذا الصراع لم يتفاقم و يشتدّ إلا مع بداية الثورة السورية.

والمتمعن في طبيعة العلاقة بين حزب الله و دول الخليج يتبيّن الأسس الايديولوجية والتاريخية التي طبعت هذه العلاقة منذ ما يقارب الثلاثة عقود، لتشهد حالات تراوحت بين التوتّر الشديد والرخاء النسبي، تناغماً مع ما تعيشه المنطقة من أزمات وتوجهات جغراسياسية يحركها منطق الأقوى والمسيطر .

حزب الله / دول الخليج : المسار التاريخي

تعود الأسس التاريخية للعلاقة بين حزب الله اللبناني و دول الخليج إلى ثمانينات القرن الماضي، فلطالما اتهمت دول الخليج حزب الله بالوقوف وراء أعمال تقول إنها استهدفت أمنها، ومنها محاولة قلب نظام الحكم في البحرين العام 1981م، ومحاولة اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الصباح بتفجير سيارة مفخخة العام 1985م.

وبحسب الاتهامات الخليجية فان حزب الله اللبناني هو الذراع العسكري لإيران في المنطقة، لاسيما أن لإيران – حسب الرواية الخليجية -عدّة أجنحة عسكرية في دول الخليج، و هي أجنحة تابعة لمنظمة الثورة الإسلامية لتحرير الجزيرة العربية والمتمثلة في حزب الله البحريني، وحزب الله الكويتي، وحزب الله الحجاز، و حزب الله اليمني، و تتلقى هذه الخلايا الإيرانية تدريباتها العسكرية في المعسكرات اللبنانية التابعة لحزب الله اللبناني.

حزب الله بالطبع لم يقبل هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً. مؤكداً أنه لا يستهدف دول الخليج، وأن أجندته السياسية والعسكرية واضحة ومعلنة.

مع انتهاء الحرب الأهلية في لبنان وتوقيع اتفاق الطائف برعاية سعودية العام 1989 والذي كان يقضي بنزع سلاح كل الفصائل اللبنانية، بدأ فصل جديد من الخلافات والتراشق بالتهم بعد رفض حزب الله الرضوخ لبنود الطائف ورفضه مبدأ نزع السلاح مبرراً ذلك بدوره في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

وإثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري فبراير العام 2005 دخلت العلاقة بين دول الخليج وحزب الله مرحلة التأزّم، فالحريري كان رجل السعودية في لبنان، و حمّلت السعودية كلاً من حزب الله و سورية مسؤولية هذا الاغتيال، وهو ما نفته سورية وحزب الله بشدة.

بوادر انفراج أتت لاحقاً في العلاقة بين الطرفين العام 2006 بإيجاد صيغة تقارب تمثلت في  لقاء الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله مع الملك السعودي آنذاك عبد الله بن عبد العزيز لحل أزمة تشكيل حكومة لبنانية، ثم تلاه التدخل القطري في هذا السياق والذي أسفر عن “اتفاق الدوحة”العام 2008.

و على الرغم من دور قطر الفاعل في إبرام هذا الاتفاق إضافة إلى إشادة قطر بالمقاومة اللبنانية ضد العدوان الإسرائيلي العام 2006 وتمويلها لمشاريع إعادة إعمار الجنوب اللبناني إلا أن أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لم يحظ بمقابلة شخصية مع السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله في زيارته إلى جنوب لبنان العام 2010م، رغم الاستقبال الضخم الذي حظي به من قبل ممثلي الدولة اللبنانية وحضور ممثل عن حزب الله.

و مع اندلاع ثورات الربيع العربي مطلع العام 2011 إلى اليوم والعلاقة في تأزم متصاعد لاسيما مع تجدد الاتهامات الخليجية لحزب الله اللبناني بزرع  خلايا نائمة في كل من الكويت والبحرين والسعودية للتجسس والقيام بأعمال تهدف إلى ضرب استقرارها و خلق فتنة طائفية في المنطقة و في مقابل ذلك يجدد حزب الله دائماً استنكاره لهذه الاتهامات مؤكداً أن لا امتدادات له في منطقة الخليج و مبيناً أن الشيعة في الخليج يعانون من الاضطهاد.

و لعلّ في العملية الإرهابية التي استهدفت مسجداً للشيعة في الكويت يونيو الماضي ما يبرز تناقضات العلاقات الخليجية مع حزب الله، فرغم مديح أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لموقف الكويت وأميرها في التعاطي مع هذه العملية الإرهابية، وهو ما اعتبر حينها اختراقاً لسلبية العلاقات الخليجية مع حزب الله منذ سنوات، إلا أنه سرعان ما عاد التشنج من جديد عبر إعلان الكويت اكتشاف خلية العبدلي التي تقول السلطات الكويتية إن لها ارتباطات مباشرة مع المحور الإيراني في المنطقة.

ولئن بدت مواقف دول الخليج متباينة في ما يخص حزب الله، بين موقف عدائي متسم بالشدة من السعودية والإمارات والبحرين، مروراً بموقف كويتي أكثر ليونة في التعامل مع حزب الله، وصولاً إلى موقف قطري منقلب من داعم لحزب الله مادياً و معنوياً إلى عدائي بعد اندلاع الثورة السورية، فإن لسلطنة عمان  التي تنتهج سياسة الحياد بعدم  التدخل في الشؤون الداخلية للدول، قراءة أخرى، إذ لم تتورط السلطنة في الحملة الخليجية على حزب الله وبقيت مسقط محتفظة بعلاقات جيدة مع حزب الله.

على أي حال، يبقى موقف حزب الله من تدخل دول الخليج في سورية وسعيها للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد من جهة و موقفه من التدخل الخليجي في اليمن من جهة أخرى، أسباباً رئيسية وفاعلة في وصول العلاقة بين دول الخليج العربية وحزب الله إلى مرحلة الصراع المباشر.

سورية واليمن: بؤر الصراع بين دول الخليج وحزب الله

لم تزل دول الخليج إلى وقت قريب تدعو إلى إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد داعمة المعارضة السورية بالمال والسلاح، وذلك رغم تطورات الخارطة السياسية الإقليمية التي برز فيها الدور الروسي المناصر للأسد و للنفوذ الإيراني في المنطقة، يضاف إلى ذلك الموقف الأمريكي الذي لم يعد يرى خروج الأسد اليوم منطقياً وضرورياً قبل “إيجاد البديل المقبول”.

ولعل الانتصارات الميدانية التي حققها مقاتلو حزب الله على الأراضي السورية ومنها تحرير مدينة القصير في يونيو 2013 ونجاحه في تحقيق العديد من المكاسب الاستراتيجية، غذّت المواقف والتصريحات الخليجية المعادية لحزب الله الذي ترى دول الخليج العربية فيه امتداداً للنفوذ الإيراني الشيعي في المنطقة، هذا النفوذ الذي يتغول في العراق واليمن وسورية، كما ويهدد مصالحها في كل من لبنان والبحرين.

واتخذت دول الخليج إجراءات لعرقلة مصالح حزب الله في المنطقة، فأصدر مجلس التعاون الخليجي قراراً في 10 يونيو 2013م يقضي باتخاذ إجراءات ضد من أسمتهم “المنتسبين” لحزب الله اللبناني في إقامتهم ومعاملاتهم المالية والتجارية.

فعلياً، قامت دول الخليج العربية بطرد أكثر من أربعة ألاف لبناني من الطائفة الشيعية من أراضيها، وأوقفت منح تأشيرات الدخول للبنانيين الشيعة، وخاصة أصحاب رؤوس الأموال باعتبارهم مؤيدين لحزب الله.  و كانت كل من السعودية والإمارات وقطر والبحرين أول من سارع في تطبيق هذه الإجراءات.

و يعدّ اتخاذ دول الخليج لمثل هذه القرارات محاولة جدية لإضعاف حزب الله، إذ سعت إلى الضغط عليه من الداخل اللبناني حكومياً وشعبياً. إلا أن كل هذه الإجراءات لم يكن لها أن تحدث أي تغيير حقيقي على الأرض.

وفي مقابل مواقف دول الخليج المتشددة لا يبدو موقف حزب الله أقل حدّة، فقد اعتبر حسن نصر الله أمين عام حزب الله الدخول في سورية “خياراً استراتيجياً” اتخذه حزب الله بصفة انفرادية. كما حمّل نصر الله السعودية مسؤولية ما يحدث من حروب في المنطقة بضخّها الأموال وتجنيد الإعلام ومشايخ الفتوى لاستمرار القتال في سورية والعراق ولبنان، فحسب نصر الله الإرهاب الذي تشهده المنطقة مسؤولية الرياض بمشاركة واشنطن مؤكداً على نشأة داعش باعتبارها امتداداً لتنظيم القاعدة وهو صنيعة سعودية أمريكية.

في الملف اليمني، ومع إعلان السعودية عن بدء عمليات “عاصفة الحزم” في مارس الماضي ضد تحركات الحوثيين، يبدو المسار الذي يتشكل في المنطقة واضحاً ومحدًّداً باتجاهات مذهبية على المحورين الإيراني والسعودي. فعملية “عاصفة الحزم” ليست سوى محاولة صدّ لامتداد “خطر المدّ الشيعي” على الأمن القومي السعودي وعلى نفوذها الإقليمي.

هذه العملية ضد الحوثيين ألقت بظلالها أيضاً على العلاقة مع حزب الله اللبناني الذي لا يخفي وقوفه إلى جانب جماعة أنصار الله الحوثية، في مقابل ذلك، تتزايد المخاوف السعودية من انتقال الصراع اليمني إلى الداخل السعودي خاصة بعد حدوث عدة تفجيرات استهدفت مؤخراً الطائفة الشيعية في المملكة وفي الكويت.

لبنانياً، من نافلة القول، التأكيد على أن الصراعات التي يعيشها حزب الله مع السعودية و دول الخليج تلقي بظلالها على الساحة اللبنانية ككل وأن التوتر المتصاعد بين حزب الله و تيار المستقبل هو انعكاس لهذه الأزمة وكذلك هو الفراغ السياسي الذي تعيشه لبنان في مستوى شغور منصب رئيس الجمهورية وتأجيل الانتخابات النيابية.

في المحصلة، المسافة بين دول الخليج وحزب الله بعيدة والاختلافات بين الطرفين حادة ومتشعبة. إن شيئاً مما تريده دول الخليج من حزب الله لايستطيع الوفاء به، والعكس صحيح.

 

منشورات أخرى للكاتب