وظيفة شاغرة: شريك لإيران على طاولة التسوية
لا يجد الإيرانيون شريكاً في المنطقة وهو ما يفسر أن لا تبادر حكومتها الإصلاحية الى التشبيك مع دول الخليج
إيران تستفيد من اختلافات دول الخليج وخصوماتها ومصلحتها في بقاء هذا الخلاف وتعميقه
كان إعلان أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله تدخل حزب الله (الرسمي والمعلن) في الحرب السورية العام 2013 من أهم أحداث الربيع/الخريف الدمشقي، لا لاعتبارات تتعلق بدعم حزب الله لحكومة دمشق على مناوئيها وحسب، بل باعتباره الحدث الذي دشن قاعدة جديدة في الصراع الإقليمي كله، هذه القاعدة تمثلت في مصطلح (إعلامي) أطلق آنذاك، وهو أن اللعب في الأزمة السورية أصبح “على المكشوف”. الحكومات، المؤسسات الإعلامية، وكل من يمسك بالسلاح على الأرض؛ هو مصنف، مفروز، ومستقطب.
مضى عامان والحرب السورية تلقي بظلالها على توازنات المنطقة، وأتى التدخل الروسي الأخير من فوق مظلة طهران لحكومة دمشق ليؤكد متانة المحور الإيراني الذي استطاع تحييد واشنطن (إجرائياً) باتفاق نووي في وقت قياسي. فيما تبقى دول الخليج العربية على المحورين (السعودي الإماراتي) و(القطري التركي) تعايش ارتباكات اللحظة، وتعقيداتها. وفيما تعجز أنقرة عن الظفر بتوافق خليجي تام على دورها في الأزمة السورية، وكلفته البشرية والمالية، لا تجد دول الخليج حليفاً عربياً ثقيلاً تستطيع الرهان عليه. أما بالنسبة للحليف الأمريكي، فلا يبدو أنه مستعد لأي تصعيد عسكري على الأرض قد يزجه في حرب عالمية ثالثة. يضاف لذلك، أن “دول الخليج موعودة بخسائر تقدر بتريليون دولار أمريكي خلال السنوات الخمس المقبلة”. (صندوق النقد الدولي – 2015)
في الجهة الاخرى، تواجه طهران التي تبدو منتشية خلال العام الأخير من الصراع أزمة اقتصادية حادة، ففضلاً عن فاتورة الحرب المكلفة التي توسعت لتشمل، إلى جانب سورية، كلاً من العراق واليمن، انخفضت عائدات البلاد “من 118 مليار دولار العام 2011 إلى 18 مليار دولار بسبب المقاطعة الاقتصادية الدولية وانخفاض أسعار النفط”. (وكالات: 2015)
تسعى إيران إلى تسوية سياسية في المنطقة، تضمن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتبقي على مكاسبها القائمة. وكذلك هي دول الخليج، تحتاج إلى تسوية سياسية تعيد جزءاً من خساراتها، وتحد من استنزاف سنداتها المالية آملة أن يكون في مقدورها الحفاظ على معدلات نمو اقتصاداتها المهددة، فضلاً عن حاجتها للحد من خطورة الأزمتين السورية والعراقية وتشبعاتها التي طرقت أراضيها، غير ذات مرة. فعلياً، يتمتع محور (طهران/ بغداد/ دمشق/ بيروت) ببنية صلبة على مستوى التفاهمات ووحدة القرار السياسي وعلى الأرض. هي عواصم متفاهمة وموحدة، وهو ما يسهل توجيه هذا المحور، التحكم بالأزمات ونتائجها، وصولاً إلى الدخول في تفاوض شامل وكامل. فعلياً، تملك طهران قرار الحرب والسلام، والقدرة على إجبار العواصم الموالية لها على القبول بأي خيارات ترتضيها. قبالة ذلك، ورغم عديد المشتركات بين الرياض والدوحة وأبوظبي وأنقرة في الملفات السورية والعراقية واللبنانية إلا أن أحداً منها لا يستطيع التحكم بتفاصيل الأزمة واللاعبين على الأرض في أي بلد منها، بل أن العديد من هؤلاء اللاعبين في حالة حرب حقيقية، داخل المحور السوري مثالاً. وهو ما يجعل من هذا التحالف هشاً وخاضعاً لمستجدات السيطرة الميدانية على الأرض. يضاف لذلك، أن الخلافات الداخلية في هذا المحور حول ملفات دول مثل تونس وليبيا ومصر غالباً ما تلقي بظلالها على أزمات دول أخرى، مثل اليمن وسورية.
على مستوى النتائج، لا يجد الإيرانيون شريكاً حقيقياً في المنطقة. وهو ما يفسر – على غير ما كان متوقعاً -أن لا تبادر حكومة ذات طابع إصلاحي كحكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى التشبيك مع دول الخليج العربية نحو الخروج بحلول توافقية مقبولة في مناطق الصراع المشتعلة. بل هو ما قد يحفزها إلى الاستفادة من هذا الارتباك القائم، وتعميقه. تستطيع إيران الجلوس على طاولة تفاوض واحدة، لتصنع حلاً سياسياً كاملاً وشاملاً في العراق وسورية واليمن ولبنان. لكن أحداً لا يبدو مستعداً للجلوس في الجهة الأخرى، أو ربما، لا يبدو أن أحداً يستطيع ذلك. وهو ابتداءاً ما يجعل إيران؛ في موقف تفاوضي أفضل.