أصابع الخليجيين في تونس

لعبت قطر العام 2011 دوراً بارزا في تونس من خلال حركة النهضة الحزب الذي دعمته مادياً وإعلامياً

الباجي قائد السبسي لم يلتزم بالأوامر الإماراتية التي تقضي بالقضاء على الإخوان المسلمين في تونس

رفض الإمارات منح التأشيرة لمحسن مرزوق أمين عام حزب نداء تونس مؤشر اختلاف مع أبوظبي

منذ ثورة 14 جانفي/يناير 2011، عرفت تونس تحولات جغراسياسية هامة، فقد أثرت التحركات الشعبية في مجال العلاقات الخارجية لتتحول البوصلة التونسية من هيمنة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على القرار السيادي التونسي في عهدي الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، في اتجاه مَلَكية إمارات الخليج العربي، أبرزها قطر والإمارات العربية المتحدة بغطاء سعودي.

الدور القطري من بوابة “النهضة”
لعبت قطر في سنة 2011 دوراً بارزاً في تونس وخاصة خلال فترة حكم حركة النهضة وهو الحزب الذي دعمته مادياً وإعلامياً لجعله يتحصل على أغلبية الأصوات في انتخابات 23 أكتوبر 2011 في تونس. وقد اتهم عديد الملاحظين الرافضين لصعود حركة النهضة للحكم في تونس أنها تلقت دعماً مادياً في حملتها الانتخابية.
ولم ينكر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي هذا الدعم المادي أو حتى الإعلامي لقطر ففي حوار مع جريدة العرب القطرية (بتاريخ 31 ديسمبر 2012) أكد رئيس حركة النهضة أنّ “دولة قطر شريك في الثورة التونسية من خلال إسهامها الإعلامي عبر قناة الجزيرة وتشجيعها للثورة حتى قبل نجاحها”، مضيفاً “نحن ممنونون لقطر ولأميرها ولتشجيعها الاستثمار في تونس”.
ولعلّ منحة الـــ 500 مليون دولار التي قدمتها الدوحة لحكومة الترويكا (الثلاثي الحاكم بقيادة حركة النهضة) خلال زيارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر بدعوة من رئيس النهضة آنذاك حمادي الجبالي في شهر يناير من سنة 2012 لمشاركة تونس احتفالاتها بالذكرى الأولى للثورة تُعد من أهم الإعانات التي ساهمت في دفع الحركة الاقتصادية في تونس وهو أهم مؤشر يمكن أن يضمن النجاح لحكومة الإسلاميين ويعطيها مشروعية للاستمرار في الحكم.
ولكن الدور القطري في تونس شهد تراجعاً هاماً منذ بداية عمليات الاغتيال السياسي التي طالت شكري بلعيد أمين عام حزب الديمقراطيين الموحد (فيفري/فبراير 2012) العدو السياسي الأول لحركة النهضة ومحمد الإبراهمي أمين عام حزب حركة الشعب (جويلية/يوليو 2013) وتواتر العمليات الإرهابية ضد رجال الأمن والجيش الوطنيين. وقد حُمّلت حركة النهضة وزر هذه الاغتيالات باعتبار أن حكومتيها الأولى والثانية لم تتخذا الإجراءات الردعية ضد التحركات الدعوية للجماعات الإسلامية الجهادية في البلاد.

الدور الإماراتي من بوابة “نداء تونس”
بدأ الحديث عن حضور الإمارات العربية المتحدة في تونس منذ صيف سنة 2013 متمثلاً في دعم حركة “تمرد” التونسية التي أججت الاعتصام الشعبي الذي طالب برحيل الترويكا من خلال حل المجلس التاسيسي والإسراع في إجراء انتخابات رغم أن المساندين للحركة الإسلامية في تونس شككوا في الدخول المتأخر للإمارات في المنطقة جازمين أن الإمارات هي من يقف وراء الاغتيالات السياسية وأنها أخذت على عاتقها -بدعم سعودي- وأد ثورات الربيع العربي في مهدها بشن حرب مفتوحة على تنظيم الإخوان المسلمين في تونس كما في مصر، مخافة انتقال عدوى هذه الثورات إلى أنظمتها.
ورغم المطالبه بإعادة إنتاج السيناريو المصري إلا أن التوجه في تونس لم يكن نحو المؤسسة العسكرية –نظراً لطبيعة النظام السياسي في تونس والتزام المؤسسة العسكرية بالدور الوطني بعيداً عن التجاذبات السياسية- و إنما بدعم جبهة سياسية مضادة تجمع شق هام من المعارضين في الكتلة الديمقراطية العلمانية واليسارية فكان الاختيار والرهان على شخص الباجي قائد السبسي، وحزبه نداء تونس.
وبفوز الباجي قائد السبسي وحزبه في الانتخابات (ديسمبر 2014) وعدم التزامه بالأوامر الإماراتية التي تقضي بالقضاء على الإخوان المسلمين في تونس كما كان الأمر في مصر، بل أن السبسي ذهب في اتجاه تشريك حركة النهضة في حكومة وحدة وطنية برئاسة رئيس حكومة توافق عليه الطرفان وهو ما سارع في إنهاء شهر العسل بين الإمارات ونداء تونس الذي كان سيفضي إلى إحياء تعاون اقتصادي جدي وبعث مشاريع باستثمارات إماراتية كبرى، لكن التحالف بينها وصل حد الفتور فعديد الزيارات المبرمجة للسبسي لأبوظبي ودبي تم إلغاؤها خاصة بعد التقارب السياسي بين شيخي تونس الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي خلال المدة الأخيرة، الذي ألقى بظلاله على العلاقات الدبلوماسية بين تونس وأبو ظبي، تجلت مؤخراً في رفض الإمارات منح التأشيرة لمحسن مرزوق أمين عام حزب نداء تونس وبعض من القياديين في الحزب لتقديم التعازي إثر وفاة الشيخ راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم في سبتمبر/أيلول 2015.
وقد فسرت الدبلوماسية الإماراتية هذا التصرف بأسباب أمنية متحدثة عن وجود مقاتلين جهاديين بين الشبكات التي ترغب في السفر إلى الإمارات. في حين ذهب البعض الآخر إلى تفسير هذا الانقلاب في مستوى التعامل مع تونس بدعوة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للإدلاء بشهادته في دعوة قضائية خاصة بمسألة اختلاس في المجال العقاري رفعها أحد القضاة القريبين من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي)، الأمر الذي أثار استياء مؤسسة رئاسة الجمهورية في تونس.

لماذا لم يلتزم حزب نداء تونس بالأوامر الإماراتية؟
تتحدث الأوساط السياسية في تونس عن أن إنجاح التجربة الديمقراطية في تونس هو رهان القوى العظمى في أوروبا والولايات المتحدة الامريكية، فالتحالف بين حزبي حركة النهضة ونداء تونس هو نتيجة إملاءات أجنبية. أملاً في الوصول إلى تجربة ديمقراطية ولو كانت تجربة وحيدة خاصة بعد فشل تجربة الربيع العربي في باقي الدول ليبيا – مصر – اليمن – سوريا، أو لنقُل إفشالها لغايات سياسية واستراتيجية واقتصادية.

السعودية: المواقف الملكية المتناقضة
اتخذت المملكة العربية السعودية منذ اندلاع الثورة التونسية إبان حكم الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود موقفاً حذراً ومتوجساً من الثورة التونسية حين لامست أطراف الخليج وتحديداً مملكة البحرين في 14 فبراير 2011، وكانت السعودية من قاد القوة العسكرية “درع الجزيرة” لقمع هذه الثورة في المهد. كما تعد علاقات الصداقة المتينة بين الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي و الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي آنذاك الذي فتح أبواب السعودية أمام بن علي للجوء بعد فراره من تونس في جانفي/يناير 2011 سبباً وجيهاً للفتور الذي شهدته علاقة حكومة الترويكا الأولى بالرياض التي لم يزرها رسمياً راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بسبب تصريحاته لوسائل إعلام أمريكية بأن “السعودية مهددة بثورة ربيع عربي”، وهو ما يفسر عدم الترحيب والاستقبال غير المشرف من قبل العائلة المالكة في السعودية لحمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية في زيارته للسعودية سنة 2012.
متابعون للحركات الإسلامية يؤكدون إن السعودية صنفت في عهد الملك عبد الله حركة النهضة على أنها حركة إخوانية تنتمي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين شأنها في ذلك شأن حركة الإخوان المسلمين في مصر، وهي بحسب الفهم السعودي حركات معادية. ومع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة، أدى راشد الغنوشي العام 2015 على رأس وفد رفيع من الحركة أول زيارة إلى السعودية صنفت بزيارة إذابة الجليد. وبظهور معطيات جديدة على الخارطة الجغراسياسية في الشرق الأوسط أصبح الإخوان أقل تهديداً بالنسبة للمملكة نحو تشكيل جبهة سنية ضد تنامي دور إيران في المنطقة و تهديدات “داعش”.
إن التقارب الذي يصل حد التحالف و الاختلاف الذي يبلغ الفتور و العدائية كاناً ميزة علاقات تونس ما بعد الثورة بدول الخليج ممثلة أساساً في قطر و الإمارات ولكن لا يمكن أن يُقاس نجاح العلاقات دون اعتبار موقف السعودية من الطرف الحليف. وبالتمعن في ما صرح به أحمد ونيس وزير الخارجية التونسي الأسبق والخبير في العلاقات الدولية لإذاعة شمس إف إم سبتمبر 2015 بأن “علاقة تونس بدول الخليج عموماً ستبقى رهين حل الأزمة السورية”، ومن خلال التطورات السياسية الدولية والإقليمية التي تعيشها المنطقة اليوم، نرى من المؤكد أن الخارطة العربية من تحالفات سياسية ومصالح استراتيجية واقتصادية ستشهد تحولات كبرى وستحمل معها انفراجاً شاملاً سيبلغ مداه تونس.

منشورات أخرى للكاتب