سيناريوهات عودة مقتدى الصدر إلى الحياة السياسية في
العراق

في أغسطس 2022، أعلن زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري)، السيد مقتدى الصدر، اعتزاله العمل السياسي، وذلك بعد صراعات سياسية انتهت باعتصام أنصاره في المنطقة الخضراء. الاعتصامات التي جاءت ردًا على عدم تمكين زعيمهم من تشكيل حكومة أغلبية بدلًا من حكومة ائتلافية شهدت اشتباكات دامية بين أنصار التيار الصدري والقوات الأمنية والفصائل الشيعية المسلحة المنافسة.

مؤخرًا، تبنى مقتدى الصدر سلسلة خطوات من شأنها تعزيز حضور تياره السياسي واستعادة مكانته في المشهد السياسي العراقي، تمهيدًا لعودته إلى الحياة السياسية وخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2025 بعد أن وصف النخبة السياسية الحالية بـ “الفاسدين” وأنه لا يمكن له أن يشاركهم الحكومة وأوعز إلى نوابه بالاستقالة من البرلمان.

إعادة تشكيل التيار

بدأ الصدر إعادة هيكلة تياره من الداخل عبر التخلص من المتطرفين، وكذلك فعل مع الجناح المسلح (سرايا السلام) فقام بإقالة جميع المسؤولين العسكريين المتطرفين أو الذين تحيط بهم شبهات ارتكاب جرائم.

وإلى جانب توسيع حلقة التضامن الاجتماعي داخل التيار لتعزيز قاعدته الشعبية، شرع الصدر في الخروج علانية وحضور الكثير من المناسبات الدينية والاجتماعية. وفي أعقاب حرب غزة أمر الصدر أنصاره بجمع التبرعات لصالح الفلسطينيين مطالبًا بطرد السفير الأمريكي من العراق واغلاق السفارة الأمريكية، في خطوة فُسرت بأن مقتدى الصدر يحاول النأي بنفسه عما وصفهم سابقا بـ “الاطار الأمريكي”، متهمًا فصائل شيعية سياسية في الحكومة الحالية بالتقرب من واشنطن.

وكانت الخطوة الأهم في هذه السلسلة، هي الزيارة النادرة التي قام بها الصدر إلى المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني، جدير بالذكر أن السيستاني يرفض منذ عام 2014 مقابلة أي مسؤول أو زعيم سياسي، هذه الخطوة بالتحديد، أظهرت الصدر مدعومًا من أعلى شخصية دينية في العراق وأن السيستاني قد منحه الشرعية الدينية للعودة إلى الحياة السياسية. يذكر أن خصوم الصدر قد عملوا على تجريده من هذه الشرعية بعد اعتزال المرجع الديني للتيار السيد كاظم الحائري للمرجعية الدينية، وقيل حينها، أن إيران لعبت دورًا في هذا الأمر لإحراج الصدر وسحب الشرعية الدينية منه.

في الأشهر الماضية، أعلن مقتدى الصدر عن تغيير تسمية تياره إلى “التيار الوطني الشيعي”، مؤطرًا نفسه في صورة السياسي القومي المُدافع عن حقوق الشيعة ومهندسًا لوحدة الطائفة، يأتي ذلك بعد اتهامه من قبل مناصريه بعد انسحابه من الحياة السياسية بالتخاذل والإهمال في تحقيق وعوده بالإصلاح والحفاظ على حقوق الطائفة.

سيناريوهات محتملة

أمام التيار الصدري عدة سيناريوهات للانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في عام 2025:

السيناريو الأول:

في هذا السيناريو يمكن لمقتدى الصدر العودة إلى تحالفه السابق في عام 2021، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وحزب تقدم السُنّي بزعامة محمد الحلبوسي، الرئيس السابق للبرلمان العراقي، خاصة وأن هذا التحالف يمثل التنوعات العرقية والطائفية الرئيسية في البلاد.

لكن هذا السيناريو غير مرجح بشكل كبير، فبعد انسحاب الصدر من التحالف والحياة السياسية، وضع حلفاءه الأكراد والسُنّة في مأزق كبير، فلا استطاعوا المضي قدمًا في تحالف ثنائي بدون التيار الصدري ولا استعادة الثقة بينهم وبين الإطار التنسيقي الشيعي الذي يضم منافسي الصدر، وهو ما كلفهم خسائر فادحة. كانت أكبر الخسارات من نصيب محمد الحبلوسي الذي أُقيل من منصبه كرئيس لمجلس النواب، أما زعماء الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد وصفوا انسحاب الصدر وقتئذ بأنه “خيانة للثقة”.

السيناريو الثاني:

تحالف مقتدى الصدر ونوري المالكي. سيكون هذا السيناريو الأكثر غرابة ومفاجئًا. في الأيام الأخيرة انقلب نوري المالكي رئيس الوزراء السابق وزعيم ائتلاف دولة القانون على الإطار التنسيقي الشيعي بسبب هيمنة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي على الحكومة، وتحالف الأخير مع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الذي انقلب على المالكي أيضًا محاولاً خوض الانتخابات المقبلة بشكل مستقل عن الإطار التنسيقي.

لا يزال نوري المالكي يطمح لتولى منصب رئيس الوزراء مجددًا، ولذلك قد يلجأ المالكي إلى معالجة العداوة التاريخية بينه وبين الصدر إلى تحالف سياسي. يعود توتر العلاقات بين الصدر والمالكي إلى عام 2006 حين قرر المالكي الذي كان رئيس الوزراء آنذاك بمساعدة أمريكية، التخلص من جيش المهدي الذي كان يخوض مواجهة طرد القوات الأمريكية من العراق. تشير عدة تقارير إلى أن المالكي يُجرى اتصالات سرية في الفترة الأخيرة مع مسؤولين في التيار الصدري لمناقشة إمكانية التحالف مع الصدر في الانتخابات المقبل. بالنسبة لمقتدى الصدر، قد يكون التحالف مع المالكي أسهل من إقصائه أو تفكيك الطبقة السياسية الحالية.

السيناريو الثالث:

في هذا السيناريو قد يخوض التيار الصدري الانتخابات دون أي تحالفات في حال تأكد من الحصول على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية المخصصة للشيعة في البرلمان. في هذه الحالة، قد يذهب التيار إلى التحالف مع القوى المستقلة والليبراليين الفائزين في الانتخابات.

يمكن تحقيق هذا السيناريو في حال حصل التيار الصدري على 100 مقعد من أصل 329 مقعدًا في البرلمان.

السيناريو الرابع:

من الممكن أن يتحالف التيار الصدري مع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، خاصة وأن الأخير عمل على الحصول على موافقة مقتدى الصدر على هذا التحالف. يبرز تساؤل هنا ما إذا كان من الممكن أن يوافق الصدر على التحالف مع السوداني المدعوم من منافسه قيس الخزعلي.

إذا كُتب النجاح لهذا التحالف فمن الممكن أن يكون بعد الانتخابات البرلمانية لتشكيل أكبر كتلة برلمانية إذ من غير الوارد أن يخوض التيار الصدري وحزب السوداني الانتخابات معًا ككتلة واحدة.

مواقف طهران وواشنطن

لإيران تدخل نشط في العملية السياسية العراقية، وهو التدخل الذي ألقى بظلاله على منع مقتدى الصدر في عام 2021 من تشكيل حكومة أغلبية وطنية وإقصاء حلفائها في الإطار التنسيقي الشيعي.

توترت العلاقة بين طهران والصدر بعد هذه الازمة إذ أن طهران لم تكن تستطيع أن تترك الصدر ينفرد بالسلطة وهي تعلم جيدا صعوبة السيطرة عليه. ومن ناحية أخرى، لا يمكنها الموافقة على إقصاء حلفائها من الأحزاب الشيعية التقليدية الأخرى.

رغم ذلك، ترى طهران أن وجود الصدر في المشهد السياسي مهم في تحقيق التوازن السياسي وعدم استعداء قاعدته الشعبية الكبيرة. بالنسبة لمقتدى الصدر فإنه يقاوم قدر استطاعته محاولة القادة الإيرانيين تهميشه وعدم معاملته بنفس المعاملة التي كانوا يعاملون بها قائد حزب الله الراحل السيد حسن نصرالله، ينبع هذا من اعتقاد الصدر بأنه الشخص الأجدر والمناسب لتمثيل وقيادة الشيعة في العراق.

اليوم، لا تستطيع طهران تكرار ما فعلته في عام 2021 وسط التوتر الإقليمي المتصاعد والمشاكل الاقتصادية والسياسية، ولذلك، ستكون تكلفة إقصاء الصدر ومنع عودته إلى السلطة مكلفة لطهران. كما أنها لن تتحمل عدم الاستقرار السياسي في العراق في المستقبل القريب، وعليه، قد تلجأ طهران إلى الموافقة على إعادة دمج الصدر داخل الحياة السياسية، فهو في النهاية يتبنى نهجًا معاديًا لواشنطن ولن يكون أداة امريكية لحصار إيران أو تقليص نفوذها في العراق.

في المقابل، يمكن لمقتدى الصدر أن يقدم القليل من التنازلات لإيران والتحالف مع الفصائل العراقية مثل كتائب حزب الله، النجباء المناهضين للولايات المتحدة، مقابل تضحية إيران ببعض الفصائل المسلحة الأخرى المنافسة للصدر.

بالنسبة لواشنطن، يصعب التحالف مع حكومة يقودها مقتدى الصدر الذي لا تجمعه مع واشنطن إلا الخصومة، منذ عام 2004 قاد جيش المهدي الفصيل المسلح لمقتدى الصدر صراعًا داميًا مع القوات الأمريكية. اليوم لا يبدو أن شيئًا قد تغير، فقد طالب  الصدر مؤخرًا بطرد السفير الأمريكي وإغلاق السفارة ما ينذر بمزيد من الخطاب العدائي تجاه المصالح الامريكية في العراق.

ورغم اعتبار واشنطن الصدر تهديدًا لها، إلا أنه أيضًا يُعارض النفوذ الإيراني المتصاعد في العراق ما يجعله ثقلاً استراتيجيًا موازنًا لطهران، كما تدرك واشنطن أهمية الصدر في السياسة والمجتمع الشيعي وأن احتواءه سيضمن الاستقرار في العراق.

منشورات أخرى للكاتب