عجز مالية الكويت: 4 إصلاحات اقتصادية مُلحة

تُسجّل ميزانية الكويت الحالية عجزاً هائلاً قدره 6.8 مليار دينار، ينجم هذا العجز عن هبوط الإيرادات النفطية وتزايد النفقات الجارية، وتتمخض عن هذا الوضع تداعيات سلبية عديدة، اقتصادية واجتماعية. ومن أجل التصدي لهذه الأزمة لابدّ من إصلاح السياسة المالية.

بمجرد هبوط أسعار النفط تتدهور مالية البلاد، عندئذ، تتراجع المؤشرات الاقتصادية خاصة انخفاض معدل النمو وما يترتب عليه من مشاكل. وهذا ما يحدث في السنة المالية الحالية 2023/2024، حيث هبطت الإيرادات العامة لتصل إلى 19466 مليون دينار، أي أنها انخفضت بنسبة 32.4% مقارنة بالعام السابق. كما تصاعدت النفقات العامة لتصل إلى 26278 مليون دينار، أي أنها ازدادت بنسبة 17.5% قياساً بالعام السابق.

بتفاعل هذين العاملين سجلت ميزانية السنة الجارية عجزاً قدره 6812 مليون دينار، أي 12% من الناتج المحلي الإجمالي. يؤثر هذا العجز بطبيعة الحال على الاحتياطي العام فتنخفض المقدرة المالية ويتراجع تمويل المشاريع ويتعذر الوفاء بالالتزامات ويهبط التصنيف الائتماني للدولة.

نجم هذا العجز بالدرجة الأولى عن انخفاض حاد في الإيرادات النفطية التي انتقلت من 26712 مليون دينار في العام السابق إلى 17168 مليون دينار في العام الحالي.

ويعود هذا الانخفاض إلى تراجع الأسعار من 126 دولاراً للبرميل في 8 مارس 2022 إلى 78 دولاراً للبرميل في 18 يناير 2024. ويتأتى هذا التراجع من عدة عوامل في مقدمتها ارتفاع معدلات إنتاج الولايات المتحدة وفنزويلا وتباطؤ طلب الصين والهند.

لذلك تضطر أوبك+ إلى تخفيض إنتاجها الذي يمس جميع أعضائها. ففي المؤتمر الوزاري للمنظمة المنعقد في نهاية نوفمبر 2023 وافقت الكويت على تقليص 135 ألف ب/ي اعتباراً من مطلع العام الجاري، وبذلك هبط إنتاج الكويت بنسبة 5% ليصبح 2.6 مليون ب/ي.

لا يمكن إصلاح الاقتصاد الكويتي إلا بمعالجة العجز الذي أصبح مزمناً ومرتفعًا. إذ لم تسجل مالية الدولة فائضاً في السنوات العشر الماضية إلا في العام المنصرم. كما أن حجم العجز السنوي مفرط لا يقل خلال هذه الفترة عن ثلاث مليارات دينار ووصل إلى أكثر من عشرة مليارات دينار في 2020/2021.

لا شك أن جميع دول الخليج تعتمد اعتماداً أساسياً على العوائد النفطية في موازينها التجارية وميزانياتها العامة وفي استثماراتها وسياساتها النقدية، لكن درجة هذا الاعتماد تختلف حسب الدول تبعاً لمكانة الإيرادات غير النفطية، وبالتالي، تتباين حدة التداعيات السلبية عندما تنخفض تلك العوائد.

في عمان بلغت الحصيلة الضريبية 1976 مليون ريال، أي 17.9% من الإيرادات العامة، وفي السعودية قدرت الحصيلة الضريبية بمبلغ 322 مليار ريال، أي 28.5% من الإيرادات العامة، في حين لا تتعدى حصيلة الضرائب في الكويت 518 مليون دينار أي 2.6% فقط من الإيرادات العامة.

ولا تقتصر الخصوصية المالية الكويتية المتمثلة بضعف الإيرادات غير النفطية على ضآلة الضرائب، بل تشمل ميادين أخرى. فعلى عكس دول الخليج الأخرى لا يسهم الصندوق السيادي في تنمية مالية الكويت بل بالعكس تمامًا، كما لا يحق للحكومة اللجوء إلى الاقتراض.

وعلى هذا الأساس عندما تنخفض أسعار النفط يتدهور اقتصاد الكويت بصورة أكبر قياساً بدول الخليج الأخرى. وتصبح الإصلاحات أكثر تعقيداً وصعوبة خاصة عندما تتدخل فيها عوامل سياسية. يدعو هذا الوضع إلى إعادة النظر في السياسة المالية برمتها.

إصلاح أربع فقرات

الفقرة الأولى: الضرائب

على خلاف دول الخليج الأخرى لا تطبق الكويت ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية رغم وجود اتفاقية خليجية موحدة حول هاتين الضريبتين.

سجّل الحساب الختامي للسنة المالية 2020/2021 أعلى عجز وقدره 10772 مليون دينار بسبب تداعيات كورونا، لكن مجلس الأمة استمر في معارضته لأية ضريبة جديدة فترتب بسبب هذا الموقف خسائر فادحة، حيث أشارت التقارير إلى أن الخسائر الناجمة عن عدم تطبيق هاتين الضريبتين تصل إلى 2200 مليون دينار سنويا، كان من الممكن أن يغطي هذا المبلغ ثلث العجز للسنة الجارية.

هذا ويتعين ألا يقتصر الإصلاح على الضرائب غير المباشرة، بل ينبغي أن يشمل أيضاً الضرائب المباشرة كالضريبة على أرباح الشركات.

في الوقت الحاضر تفرق القوانين الكويتية بين الشركات الكويتية التي تخضع لسعر ضريبي قدره 3.5% (ضريبة دعم العمالة الوطنية والزكاة) والشركات الأجنبية التي تتحمل سعراً قدره 15%.

هنالك اقتراحات يدعمها صندوق النقد الدولي تدعو إلى توحيد السعر بغض النظر عن جنسية الشركات.

ونلاحظ أن الدول الصناعية تعارض بشدة خضوع الشركات على الصعيد العالمي لسعر يقل عن 15% لأسباب ترتبط بالتهرب الضريبي والفساد المالي. لذلك مارست هذه الدول في 2021 ضغوطاً لإبرام اتفاقية في إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وقعت عليها 140 دولة، وهي تدعو إلى منع فرض ضرائب على الشركات بسعر يقل عن هذه النسبة.

لم توافق الكويت على هذه الاتفاقية إلا في نهاية 2023. وبالتالي يتعين إعادة النظر في قانون الضريبة على الشركات بما ينسجم مع هذه الموافقة. علماً بأن الاتفاقية تسري فقط على الشركات الكبرى التي تتجاوز مبيعاتها السنوية 750 مليون دولار، في حين يتطلب الإصلاح الحقيقي توحيد السعر الضريبي وفرضه على جميع الشركات بصرف النظر عن جنسيتها أو حجمها.

 الفقرة الثانية: السحب من صندوق الأجيال القادمة

تحت وطأة كورونا شهد تنظيم هذا الصندوق العملاق تعديلاً جوهرياً في 2020. إذ وافق البرلمانيون على اقتراح حكومي بإلغاء النسبة التي كانت تقتطع من الإيرادات العامة لتمويل أصول هذا الصندوق. لم يعد تمويله تلقائياً، بل مشروطاَ بوجود فوائض مالية فعلية. ولمجلس الوزراء بموجب اقتراح يقدمه وزير المالية تحديد حجم التمويل. وهكذا قررت الحكومة تحويل 1% من الفائض المالي لعام 2022/2023، أما السحب من الصندوق فلا يزال ممنوعًا.

يرى مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار أن صندوق الأجيال القادمة يمثل المؤشر الأساسي الذي تستند إليه الوكالات العالمية لتصنيف الكويت من الزاوية الائتمانية. ويقود السحب منه (حسب رأيه) إلى التأثير سلبياً على هذا التصنيف أي على ثقة المستثمرين بمالية الدولة.

كما حذر صندوق النقد الدولي من نتائج السحب من الصندوق الذي يؤدي (بتقديره) إلى تراجع المؤشرات الاقتصادية للبلد.

لا شك أن ذلك التعديل مهم وضروري، ولكن لابد من آلية للسحب محددة تحديداً دقيقًا. يتمثل الإصلاح المناسب في إيجاد صيغة توفيقية توازن بين مؤشرين: أولهما الهدف الأساسي للصندوق وهو توفير الأموال للأجيال القادمة، وثانيهما ضرورة مساهمة الصندوق في مالية الدولة أسوة بالصناديق الأخرى في العالم.

ظهرت في الآونة الأخيرة اقتراحات بهذا الشأن. يرى بعض النواب ضرورة تخصيص 5% من أرباح الصندوق لتمويل قطاع السكن، ويرى آخرون إمكانية رصد 20% من أرباحه لتوزيعها مباشرة على المواطنين بالتساوي.

الفقرة الثالثة: قانون الدين العام

لم تستطع الحكومة منذ أكثر من ست سنوات إصدار سندات الدين العام لانتهاء صلاحية القانون السابق وعدم موافقة مجلس الأمة على تمديده. لذلك تضطر إلى السحب من الاحتياطي العام لتمويل العجز المالي.

يرى مجلس الأمة أن على الحكومة تقديم خطة إصلاحية لتنويع مصادر الإيراد العام وليس فقط قانون الدين العام. في حين ترى الحكومة أن عدم إقرار القانون يؤثر سلبياً على تنفيذ المشاريع والوفاء بالالتزامات المالية. الخلاف بين هاتين المؤسستين جوهري في هذا الميدان: حسب مجلس النواب فإن الدين العام يمس معيشة المواطنين. في حين تعتقد الحكومة أن عدم إقرار القانون هو الذي يؤثر على المواطنين.

لابد من سياسة مالية جديدة تقوم على تخصيص القروض العامة للاستثمارات. عندئذ تسهم هذه القروض في التنمية فتتحسن حالة المواطنين رغم الديون الناجمة عنها.

يتبين من هذه الفقرات الثلاث أن نجاح الإصلاح يتوقف على العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة. لكن الإصلاح المالي يتعلق أيضاً بالإجراءات الحكومية التي لا تستوجب موافقة برلمانية.

الفقرة الرابعة: التدابير غير التشريعية

ويمكن تقسيمها إلى قسمين:

 يرتبط القسم الأول بالإيرادات العامة كمعالجة التهرب الضريبي، وإعادة النظر في أسعار العقارات المملوكة للدولة. وفق التقارير يمكن أن تقود هذه التدابير إلى تحقيق زيادة في الإيرادات العامة بمبلغ 500 مليون دينار سنويًا.

ويتناول القسم الثاني النفقات العامة. إذ أشارت رؤية الكويت 2035 إلى ضرورة تشجيع القطاع الخاص. لابد من العمل بجدية في هذا الميدان الذي يفضي إلى تقليص الاعتمادات المخصصة للمرتبات التي تستحوذ على أكثر من ثلث المصروفات العامة.

أصبحت السياسة المالية تعارض تنويع مصادر الإيراد العام، وباتت تشكل عقبة أمام معالجة ريعية الاقتصاد الكويتي، ولن ينجح الإصلاح إلا بعد إجراء تعديلات على هذه السياسة.

منشورات أخرى للكاتب