تصحيح مسار الإعلام الخاص في الكويت: حاجةٌ مُلحة
بات الإعلام في عالمنا الحاضر سلطة رابعة من خلال تشكيل الرأي العام وتوجيهه، بجانب خلق القضايا وتحديد الأولويات وكشف المعلومات والحقائق المثيرة للجدل التي لا ترغب الأنظمة السياسية، غالبًا، في ظهورها إلى العلن. بشكل أو آخر، وبتفاوت ما، يسبح الإعلام الخاص في الخليج في هذا البحر، تلك القنوات والإذاعات والمنصات ليست بعيدةً عن كونها السلطة الرابعة التي تقوم بدور محوري ورئيسي في غالب قضايا المجتمعات الخليجية والعربية، ودولة الكويت ليست خارج هذا السباق، حيث تندرج وسائل الإعلام الخاصة، المملوكة للعديد من الأطراف والأطياف ومراكز القوى في الدولة، في هذا السياق. وتقوم وسائل الاعلام الخاص في الكويت بدور كبير وفعال يتجاوز العمل الصحفي والتغطيات الاخبارية، بشكل أو بأخر، هي من يمد الشارع بالوقود اللازم لتحريك القضايا والملفات وصناعة الرأي العام نحو بما يتناسب مع توجهات ومصالح رؤوس الأموال التي تتحكم في هذه المؤسسات. منذ ظهورها وحتى اليوم، تلعب بعض وسائل الإعلام الخاصة في الكويت أدورًا ترويجية ودفاعية شرسة لمصالح مُلاكها من خلال تعاملها اليومي مع مستجدات الأحداث محاولة التلاعب بعقول الجمهور والتأثير على سياسات الدولة بشكل مباشر وغير مباشر، غالباً ما نجد بوصلة هذه القنوات والمنصات والمواقع تتجه في اتجاه المال السياسي أينما حل، حيث لا تحالفات ثابتة أو دائمة، ووفقاً لذلك، تترتب استراتيجيات هذه الوسائل في الهجوم أو الدفاع أو التجاهل والصمت. شهدت الكويت، كما هو حال أغلب دول الخليج، تراجعًا ملحوظًا في متابعة وسائل الإعلام الحكومية مثل تلفزيون الكويت ووكالة أنباء الكويت (كونا) وجريدة الكويت اليوم. يتابع الكويتيون اليوم قنوات ومنصات القطاع الخاص لأسباب عديدة من أهمها مساحة عمل هذه المؤسسات وسقوفها الأقل تأثيرًا بالضوابط والقيود في تناول الموضوعات والملفات الشائكة بجانب تغطياتها الإعلامية لأهم وأكبر الأحداث السياسية التي لا تشترك وسائل الإعلام الحكومة في تغطيتها. اليوم، يمكن اعتبار وسائل الإعلام الخاصة في الكويت طرفاً في الصراعات السياسية في البلاد، لكل فريق من الفرقاء السياسيين جهاز إعلامي متكامل الأركان ومتعدد المنصات يتحرك ويجتهد ويعمل على تعزيز وجهة نظر أطراف محددة، واستقطاب الرأي العام إلى صفه، في مواجهة خصومه، بعض هذه المنصات تكون منحازة لفئة التجار ورجال الأعمال وممول من قبلهم، وبعضها الآخر يكون منحازاً إلى فكر ومنهجية حزبية، إسلاميةً كانت أو ليبرالية، وبعضها يكون مُسيراً من ببعض المتنفذين في مختلف القطاعات الذين يرغبون في إثبات أنفسهم كطرف مؤثر وفعال في الصراع السياسي. تجد هذه الوسائل والمنصات الإعلامية في كل انتخابات لمجلس الأمة فرصة سانحة لتمرير أجنداتها ولتعمير جيوبها في مقابل إبراز بعض المرشحين أو من خلال الهجوم على البعض الآخر واسقاطهم، وهذه نتيجة طبيعية لإعلام خاص تم تصميمه أساسًا ليخدم أجندات سياسية. مؤخرًا، تجاوزت الكويت حدود الصراع الكلاسيكي ما بين وسائل الإعلام الخاصة، إذ عمدت بعض الأطراف إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتوظيف كُتاب يديرون من خلال أسماء مستعارة، عمليات إنتاج لمحتوى لا يلتزم بأي ميثاق أخلاقي، لا يحمل هؤلاء في جعبتهم أي رباط أدبي فيخلقون الشائعات ويرجون للأكاذيب. يمكن القول إن بعض الصراعات السياسية في الكويت اليوم قد خرجت عن الحد المتعارف عليه وانتقلت إلى ساحة الفجور في الخصومة، حيث شكلت وسائل التواصل الاجتماعي بوابةً من خلال استئجار أقلام تعيش في خارج البلاد هرباً من أي مسائلة سياسية أو قانونية. لا يعي معظم الجمهور المُتلقي في الكويت حجم الصراع الدائر في هذا الفلك الإعلامي خلف المال والسلطة، يتعاطى الكثير من الكويتيين، بحسن نية، مع الأخبار والتصريحات بحماسة دون تفنيد أو بحث أو تحقق. قلةٌ قليلة من يدركون ما يحصل في الخفاء، وفي الحقيقة، حتى إن أدركوا ذلك، فلن يغير ذلك شيئاً، خاصة وأن هذه المنصات تمثل كيانات وتتمتع بقدرات وإمكانيات مالية وبشرية تضمن لها الاستمرارية، فضلًا عن أن غياب وسائل الإعلام المستقلة والموضوعية والمحايدة يجعل من هذه المنصات أميل إلى البقاء والاستمرار. تحتاج الكويت لمعالجة هذا الخلل إلى حوار داخلي جاد ومسؤول حول خطورة هذه الظاهرة والممارسات والنتائج المترتبة عليها، كذلك هي في حاجة ماسة إلى تبني أفضل الممارسات التي اعتمدتها تجارب دول أخرى، ومن ذلك تفعيل الشفافية في كشف الذمم المالية للمؤسسات والمنصات الإعلامية واعتماد قوانين محلية تضمن الشفافية وتنظم المنافسة الشريفة بين مؤسسات الإعلام الخاص التي يجب أن تنتظم تحت قانون واضح وفعال في الرقابة والمحاسبة دون أي مصادرة لحرية الرأي والتعبير. ايضًا يجب أن يكون هناك دورٌ أكثر فعالية لمؤسسات المجتمع المدني ومنها المؤسسات الأكاديمية وجمعية الصحافيين الكويتية. ولأن حرية التعبير لا تقبل الفصل فيها إلا من خلق المزيد من الحريات، فإن الحفاظ على السلم الاجتماعي يحتاج إلى رقابة وازنة وموضوعية وبما يشمل خلق مبادرات وطنية ومجتمعية تثقيفية تؤسس لمجتمع واعٍ يتفهم ويعرف ضرورة التدقيق في ينتشر من أخبار وتحليلات. إن مستقبل الإعلام الخاص في الكويت مزدهر، وهو أيضًا قطاع متحفز للتحديث حيث ظهرت حديثاً قنوات البودكاست والتطبيقات التي تقوم بصناعة إعلام حديث بحلة جديدة تتلاءم وأنماط الاستهلاك الحديثة، هذه الخطوات والتطورات يجب أن تكون مقترنة بالمزيد من الضبط للمحتوى الذي يقدم للكويتيين المعلومة الصحيحة والتحليل الدقيق لما يستجد من أحداث وتطورات. وفيما تمثل مسألة التمويل تحديًا وجوديًا للإعلام الخاص في الكويت، يجب على الدولة دراسة مدى قدرتها على تقديم مبادرات لإنشاء مؤسسات إعلامية خاصة تعمل بحرفية وموضوعية واستقلالية. تفاعل واشتباك وسائل ومنصات الإعلام الخاصة مع الصراعات السياسية في الكويت قائم ومستمر، ومسؤولية الجميع، دولة ومؤسسات مجتمع مدني وأفراد، هو في ضمان أن لا ينزلق دور هذه المؤسسات والمنصات إلى أن تكون أبواقًا لبث الأخبار الزائفة والأجندات السياسية المتطرفة التي تعمد على تعميق الأزمات وتعقيدها، لا خلق نقاش مجتمعي مسؤول لمعالجتها والمساهمة في حلحلتها.