انتخابات مجلس الشورى في قطر: المسار والتوقعات
يتجه القطريون في أكتوبر/ تشرين الأول المُقبل إلى صناديق الاقتراع في أول انتخابات لمجلس الشورى بعد نحو 17 عامًا على تعطيل النصوص الدستورية التي تنصّ على إجراء الانتخابات وفق دستور قطر 2004. الناخبون القطريون – ممن يحق لهم الاقتراع – سيختارون ثلثي أعضاء المجلس (30 عضوًا) فيما يُعين أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، 15 عضوًا آخرين ليكتمل تعداد المجلس بنص الدستور عند (45 عضوًا).
ويمثّل مجلس الشورى في قطر الذراع الثانية على رأس السلطة في البلاد بعد الحكومة التي يتولى أمير البلاد تعيينها، ويُمارس المجلس صلاحياته في اعتماد أو رفض أو الموافقة على مشروعات القوانين وميزانية الدولة والأمور التي تعرض عليه، إضافة إلى ما يبحثهُ ويقترحهُ من تلقاء نفسه من قوانين وقضايا، وبما يشمل دعوة الوزراء والمسؤولين في الحكومة القطرية للمساءلة والاستجواب، وصولًا لطرح الثقة بهم (وفق المواد 109-110-111 من الدستور).
الصلاحيات الواسعة لمجلس الشورى تقيّد أهمها مواد الدستور التي تنص على اشتراط موافقة الثلثين من مجموع الأعضاء المنتخبين والمعينيين. ولا يزال الوقت مبكّرًا لمعرفة ما إذا كان الخطاب السياسي داخل المجلس سيتخطى المشهد الراهن في المجلسين العماني والإماراتي ليدخل في أي مواجهات سياسية مع الحكومة. تبرز هنا قضايا محلية عدة يهتم بها القطريون مثل بيع الخمور في المرافق السياحية وملف الإسكان. ولئن كانت طبيعة المجتمع القطري المُحافظة (سياسيًا واجتماعيًا) تحيل إلى أن إختيارات الناخبين لتشكيلة المجلس ستميل إلى الخيارات الكلاسيكية، إلا أن ما تُبديه فئة الشباب من حماسة للمشاركة – مقارنة بالفئات العمرية الأخرى – قد تحمل بعض المفاجآت خصوصًا في دوائر العاصمة (الدوحة) وما جاورها.
الخلفية والمسار السياسي
إذا ما تجاوزنا تجربة ستينات القرن الماضي المتواضعة، يعود تاريخ مجلس الشورى في قطر إلى عام 1972م. وقتئذٍ؛ صدر “النظام الأساسي المؤقت المعدل” لتنظيم هياكل الدولة ومؤسساتها، ومن بينها مجلس الشورى الذي كان يتكون من (20 عضواً). سبق ذلك توجيه نخب سياسية واجتماعية قطرية عرائض ورسائل لحكام قطر آنذاك، تُطالب بإصلاحات سياسية وإدارية في أجهزة الدولة، كان أهمها، بلا شك، عريضة عام 1963.
في العام 1975م تم تعيين عشرة أعضاء جدد في مجلس الشورى ليصبح عدد الأعضاء (30 عضوا). ثم توالت قرارات زيادة الأعضاء في المجلس ليصبح العدد (41) عضواً في الوقت الراهن.
وعقب الأزمة الخليجية التي اندلعت في 5 يونيو/حزيران 2017 بعد قرار كل من (السعودية، البحرين، الإمارات العربية المتحدة ومصر) قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وإغلاق الحدود، بادر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني؛ مع معرض الإشادة بالتماسك المجتمعي داخل الدولة في مواجهة الأزمة الخليجية؛ إلى التأكيد على بدء التحضير داخل مؤسسات الدولة لإجراء إنتخابات مجلس الشورى في البلاد. ورغم أن قطر لم تشهد، طوال السنوات الماضية، أي أحداث داخلية تنتقد تعطيل انتخاب أعضاء مجلس الشورى، إلا أن قرار أمير البلاد قد يُفسر بأنه جاء متفاعلًا مع المشهد الوطني المتماسك في الأزمة الخليجية، وهو ما يتباهى به القطريون على أكثر من مستوى.
الكتلة الناخبة والدوائر
يُقدر تعداد المواطينين القطريين بنحو 260 ألف مواطن ومواطنة (رقم تقديري)، وهو ما يعادل نحو 11% من مجموع السكان البالغ تعدادهم 2.5 مليون نسمة. وتنصّ المادة رقم (80) من دستور قطر على شرط أن يكون المترشح لعضوية مجلس الشورى قطريًا بصفة أصلية، وهو يماثل التوجه المعتمد في كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة.
كما وتمنع المادة رقم (16) من قانون رقم (38) لسنة 2005 بشأن الجنسية القطرية، القطريين (بالتجنيس) من حق الترشح أو الإنتخاب. وبشكل عام، تنقسم المواطنة القطرية إلى مواطنين “أصليين” وآخرين خلاف ذلك. يُشار في هذا السياق إلى أن قطر تعتمد صفة “القطري” لمن استوطن البلاد قبل عام 1930م وحافظ على إقامته فيها ومحتفظًا بجنسيته القطرية حتى تاريخ العمل بالقانون رقم (2) لسنة 1961.
من المؤكد أن محدودية عدد السكان، بالإضافة إلى أحكام الدستور والقوانين في تحديد عدد المواطنين الذين يحق لهم الترشح والانتخاب، ستفضي إلى أن تكون الكتلة الإنتخابية في قطر محدودة على مستوى التعداد. وهو ما سيفتح نقاشًا مجتمعيًا وجدلًا واسعًا حول ما إذا كانت هذه القوانين ستخضع للمراجعة في مجلس الشورى المقبل بما يضمن حق المواطنين (المجنسين) في التصويت.
وفي انتظار أن يتم إقرار مشروع “قانون نظام انتخاب مجلس الشورى” الذي أحالته الحكومة إلى مجلس الشورى الحالي للتصديق عليه قبل مصادقة الأمير النهائية، أشار رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الشيخ خالد بن خليفة آل ثاني، عبر بلاغ صحافي في مايو/آيار الماضي، إلى أن القانون “سيحدد الشروط الواجب توافرها في الناخبين والمترشحين لعضوية المجلس، وفقاً لأحكام الدستور والقواعد القانونية ذات الصفة الدستورية”. مؤكدًا “السماح للعاملين في الجهات الحكومية بالترشيح لعضوية مجلس الشورى وكذلك السماح لمنتسبي كافة الجهات العسكرية من العسكريين والمدنيين بالإنتخاب، توسيعاً لقاعدة المشاركة الشعبية”.
ويضع القانون المتوقع صدوره في الأيام القليلة المقبلة حدًا أقصى للإنفاق على الدعاية الإنتخابية بمليوني ريال قطري (550 ألف دولار أمريكي)، كما يحدد عقوبات لمن يقوم بتضمين دعايته الإنتخابية أي نزعات قبلية أو طائفية، أو ما يتعارض مع الآداب العامة أو التقاليد السائدة أو القيم الدينية والاجتماعية للمجتمع. تشمل العقوبات أيضًا المرشحين في حال تلقوا أي تمويلات خارجية.
لا أحزاب سياسية والقبيلة محدد
لا يسمح الدستور القطري بتكوين أي تشكيلات أو أحزاب سياسية في البلاد. ولا تظهر في قطر أصوات معارضة ذات طابع “مؤسّساتي” ما خلا بعض الأفراد المقيمين في الخارج. وهو ما يشير إلى أن أجواء الانتخابات القطرية ستكون بعيدة عن أي صخب سياسي في الداخل مقارنة بتلك التي تشهدها دول خليجية أخرى مثل الكويت والبحرين.
داخليًا، تبدو التوازنات القبلية والعرقية أحد أهم المحددات في التعيينات الحكومية ولأعضاء مجالس الشورى منذ عام 1975م. وإذا كان من الصعب رسم خارطة جغرافية دقيقة للتوزيع السكاني (القبلي والحضري) في قطر جراء شح المعلومات وكونها النسخة الأولى من الانتخابات التشريعية في البلاد، إلا أن المتوقع هو أن يكون لهذه التكتلات القبلية والحضرية تأثير واضح على النتائج.
نتائج الانتخابات التي قد تكون “صادمة” سيكون من الممكن معالجة آثارها وتخفيف حدتها من خلال الدستور الذي يتيح للأمير – من خلال آلية التعيين – القدرة على موازنة التمثيل السياسي لمختلف المكونات القبلية والإجتماعية في الدولة. فيما يتعلق والعائلة الحاكمة، ورغم أن الدستور القطري لا يمنع تعيين أفراد العائلة (آل ثاني) في أي من مناصب الدولة، إلا أنه لم يسبق تعيين أي فرد من العائلة في مجالس الشورى منذ 1972. وعليه، من المتوقع أن يكون مجلس العائلة الحاكمة أصدر – أو هو بصدد ذلك – توجيهًا داخليًا لأفراد العائلة بتجنب الترشح للإنتخابات.
على الأرض، وبالإضافة إلى تحالف بيت الحكم (آل ثاني) الوثيق مع بعض المكونات القبلية والعائلات مثل المعاضيد والنصر والسليطي فيما يعرف بقبائل وعائلات (الحوطة) والعائلات التي تصاهرت مع بيت الحكم كالعطية (من بني حنيفة من ربيعة) والمسند (حلف المهاندة) والبوكوارة (مشارفة من تميم)، سيكون لقبيلتي (آل مرة) ذات التعداد الوازن والهواجر الذين يمثلون ثقلًا سياسيًا وأمنيًا حضورهما، سواءًا عبر التكتلات الإنتخابية والأصوات داخل صناديق الإقتراع أو عبر آلية التعيين لاحقًا.
القبائل الأقل تعدادًا، مثل “قحطان” وكذلك العائلات القطرية الأخرى من البدو “الحضر” مثل (الخاطر والسادة والنعيمي والخليفي والدوسري والهتمي والمالكي والعمادي والبوعينيين والمناعي والكعبي والسويدي وغيرهم)، سيكون عليهم مواجهة تكتل الأصوات للقبائل كبيرة التعداد خشية تعرض مرشحيها للخسارة جراء تشتت الأصوات. قبالة ذلك، تقسيم الدوائر الإنتخابية سيلعب دورًا محوريًا لضمان أن تكون فرص التمثيل السياسي للأقليات مثل “الشيعة” و”الهولة” ممكنة. من المرجح أن تعمد الدولة إلى الطلب من شيوخ القبائل الكبيرة مثل “آل مرة” و”الهواجر” الإكتفاء بعدد محدد من المرشحين في دوائر محددة، وهو ما سيتيح لبقية المكونات المجتمعية الفرصة للحصول على تمثيل سياسي عادل.
المرأة القطرية: خطأ “الكوتا”
دخلت المرأة القطرية مجلس الشورى عام 2017 بعد تعيين أربع سيدات؛ وهن حصة الجابر وعائشة المناعي وهند المفتاح وريم المنصوري. وما خلا أن يضع قانون إنتخابات مجلس الشورى “كوتا” تضمن التمثيل السياسي للمرأة القطرية، لا يبدو مرجّحًا أن تنجح المرشحات القطريات في تجاوز المرشحين من الرجال، خصوصًا مع ما تفرضه العادات والتقاليد المحلية من ضغوط على الناخبين.
إن تجاوز فرض “الكوتا” لصالح المرأة القطرية في إنتخابات الشورى هو خطأ يجب على التجربة القطرية أن لا تقع فيه. ذلك أن التعويل على الوقت وأن الناخبين سيتصرفون أمام صناديق الاقتراع بمثالية، هو رهان أثبت فشله. وعلى أي حال، يتيح تواجد المرأة القطرية في مجلس الشورى، إبتداءًا، فرصة مناسبة لمزاحمة قضاياها وملفاتها المحورية مع مختلف قضايا الدولة وأولوياتها.
خاتمة
أيًا تكن النتائج التي ستتمخّض عنها انتخابات مجلس الشورى في قطر إلا أنها تمثل إنتقالًا وتطورًا سياسيًا في منطقة الخليج يبشر بالمزيد من المشاركة السياسية.
لا شك أن انتخابات مجلس الشورى في قطر وتجربتها الوليدة ستواجه تحدياتٍ عدة، بعض هذه التحديات يرتبط بالمرشحين ومستوى قدراتهم وخبراتهم السياسية والاقتصادية والقانونية، والبعض الآخر بالدولة التي سيكون عليها أن تستكمل تأثيث الحياة البرلمانية بالمؤسسات والقوانين ذات الصلة.
وفيما تبدو طموحات القطريين والمراقبين كبيرة في التجربة الأولى إلا أن تجارب بلدان الخليج الأخرى تؤكد أن مسار التأسيس للحياة البرلمانية شاق وطويل، وهو ما يعني أن الدورة الأولى للمجلس ستكون منشغلة بترتيب البيت الداخلي أكثر من التفاتها للعناوين والوعود التي ستبشر بها البرامج الانتخابية للمرشحين.