هل يعود المعسكر الإصلاحي إلى السياسة في إيران؟
أثارت شخصيات إصلاحية بارزة في إيران موجات من الجدل في الآونة الأخيرة، ما فتح الباب أمام تكهنات تفيد بعودة محتملة للمعسكر الإصلاحي للمشاركة مرة أخرى في العملية السياسية، وذلك بعد إقصاء دام أربع سنوات منذ الانتخابات البرلمانية لعام 2020 والانتخابات الرئاسية لعام 2021.
بعد اختفاء سياسي ملحوظ، عاد الرئيس المعتدل السابق، حسن روحاني (2013-2021) إلى الواجهة من جديد بعد ظهوره في عدة لقاءات مع مسؤولي حكومته السابقة، وبرزت تصريحات روحاني المنتقدة لحكومة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، التصريحات تركت بعض الانطباعات برغبة روحاني في عودة سياسية محتملة. يضاف لذلك انتقادات الرئيس الأسبق الإصلاحي محمد خاتمي (1997- 2005) لطريقة تعامل الحكومة الإيرانية مع العصيان المدني ضد قانون الحجاب الإلزامي منذ وفاة الشابة مهسا أميني في منتصف سبتمبر/آيلول من العام الماضي.
وسائل الاعلام الإيرانية المحافظة سارعت إلى مهاجمة تجمع الإصلاحيين، زاعمة رغبتهم في استغلال فرصة الاحتجاجات الأخيرة التي عمت البلاد للعودة إلى السلطة مجددًا. صحيح أن المعسكر الإصلاحي يعاني منذ سنوات طويلة من أزمات، صحيحٌ أيضا أنه فقد جزءً كبيرًا من قاعدته الجماهيرية، إلا أنه لا يمكن إنكار أن الاحتجاجات واسعة النطاق التي عمت أغلب المدن الإيرانية (سبتمبر/آيلول 2022) وحالة التمرد والعصيان ضد القوانين الاجتماعية، كذلك اتساع رقعة السخط والغضب بين الإيرانيين، قد شجعت التيار الإصلاحي على الظهور والعودة إلى المناداة بضرورة إجراء إصلاحات وازنة لضمان استمرار الجمهورية الإسلامية في إيران.
الانتخابات البرلمانية القادمة
في الانتخابات البرلمانية لعام 2020، استبعد مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة المكلفة بفحص أهلية المرشحين، أغلب المرشحين من المعسكر الإصلاحي، شمل ذلك نوابًا في البرلمان. تكرر الأمر في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، حيث تم استبعاد كافة المرشحين الإصلاحيين وحتى المعتدلين المقربين من السلطة أمثال علي لاريجاني، رئيس مجلس النواب السابق ومستشار القائد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي.
وقتئذ، أطلق الأصوليون والمعتدلون في إيران على خطة الأصوليين للاستحواذ على السلطة: عمليات تطهير كبرى.
لكن مع اندلاع الاحتجاجات وتطور مطالبها للإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، وجد الإصلاحيون والمعتدلون أن فشل حكومة رئيسي في معالجة المظالم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية نقطة انطلاق لهم من جديد، خاصة بعد أن انتشرت تقارير عن لقاء جمع بين نجل القائد الأعلى للثورة، مجتبى خامنئي، وفائزة رفسنجاني إبنة الرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، كما لجأ سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السابق، الجنرال علي شمخاني إلى بعض الشخصيات الإصلاحية البارزة للبحث عن حلول لوقف الاحتجاجات.
في الأسابيع الأخيرة، تحدثت رموز من المعسكر الإصلاحي عن الشروط التي يجب توافرها في الانتخابات البرلمانية المقبلة من أجل ضمان مشاركة الإصلاحيين. على سبيل المثال، قال السياسي الإصلاحي المخضرم سعيد حجاريان في إحدى المقابلات الصحفية، إن هناك شروطاً يجب أن تراعيها الحكومة لضمان مشاركة الإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعلى رأسها عدم إقصاء أي مرشح إصلاحي، كذلك عدم توقف الضغوط الساعية إلى فرض أسماء معينة لا تتمتع بالتأثير السياسي المقبول في الانتخابات. وهو ما حدث في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 حين تعرض المعسكر الإصلاحي لضغوط من أجل دعم كلٍ من المحافظ السابق للبنك المركزي الإيراني عبدالناصر همتي، والسياسي الإصلاحي محسن مهر علي زاده.
يعتقد سياسيون إصلاحيون أن تنفيذ شروطهم وضمان وجودهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة من الممكن أن يشجع الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع بعد تسجيل انخفاض هائل في أعداد المشاركين، سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية السابقة التي سجلت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الجمهورية الاسلامية عند 48.4 في المئة.
يجدر القول أن الشروط التي تحدث عنها السيد حجاريان، سبق وأن تقدم بها الإصلاحيون سابقًا في عام 2019 قبل الانتخابات البرلمانية الماضية. كان الإصلاحيون يعولون حينها على أن احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بسبب زيادة أسعار الوقود، سوف تضغط على الأصوليين وتجبرهم على تشجيع مشاركة الإصلاحيين في الانتخابات، لكن هذا لم يحدث، اليوم، يسيطر الأصوليون على الأجهزة الثلاثة للسلطة، وهو ما كان يريده خامنئي بحديثه المتكرر عن توحيد صوت السلطة في الكثير من المناسبات.
هناك من القوى الإصلاحية في إيران من يرى أن لا فائدة من المشاركة في أي انتخابات مقبلة، بل يصف البعض مشاركة المؤيدين للإصلاح في العملية الانتخابية أنها بمثابة محاولة للحفاظ على النظام الحالي وأنها تأتي على حساب مصداقيتهم. وهذا ما تحدثت عنه فائزة رفسنجاني في رسالة من محبسها، إذ حثت الإصلاحيين على عدم المشاركة في الحفاظ على هذا النظام، على حد تعبيرها. ترى السيدة رفسنجاني أن النظام الإيراني لم يعترف في أي يوم من الأيام بوجود الإصلاحيين، بل أنه يستغل وجودهم في إظهار نفسه بمظهر النظام الديمقراطي الذي يشرف على انتخابات حرة وتنافسية. ولذلك، تتبنى فائزة رفسنجاني خيار مقاطعة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلتين.
على أي حال، لا يزال الإصلاحيون غير متأكدين من رغبة المؤسسة السياسية “بيت القائد الأعلى” في عودتهم إلى الواجهة مرة أخرى، ولن يتأكدوا من ذلك إلا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقبلة في انتظار قرارات مجلس صيانة الدستور التي ستكون الرسالة الواضحة والقاطعة.
الأصوليون: منافسة مصطنعة
يُظهر الأصوليون من خلال وسائل الإعلام التابعة لهم وتصريحات الشخصيات البارزة من داخل المعسكر، ردود فعل عنيفة تجاه الظهور الأخير والمتكرر لعدد من الشخصيات الإصلاحية والمعتدلة، وعلى رأسها الرئيس السابق حسن روحاني. رغم ذلك، تعصف بالمعسكر الأصولي انقسامات واسعة النطاق.
تحاول جبهة “بايداري” أو “استقرار الثورة”، وهي التجمع الأكثر يمينية داخل المعسكر الأصولي، إحكام السيطرة على السلطة وإقصاء الحلفاء من أمثال المحسوبين على رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف. وشرعت جبهة “بايداري” في إنشاء تحالفات جديدة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة باعتبارها جماعات مُنافسة، هذه المُنافسة المُصطنعة من المفترض أن تضمن إقصاء الإصلاحيين والجماعات الأصولية الأخرى وأن تمنعهم من الاستيلاء على أي مؤسسة من مؤسسات السلطة. في ذات الوقت، يمكن القول أن التكتيكات التي تعتمدها جبهة “استقرار السلطة” تهدد نفوذها، فكما أن للاستحواذ على السلطة فوائد فإن لديه العديد من الأضرار، في مقدمتها إمكانية الإطاحة بهم من السلطة بسهولة وتقديمهم كمسؤول أول وأخير عن فشل سياسات الدولة. وهو ما ما يحدث فعلاً مع حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي وضعفها في حل العديد من المشاكل الداخلية، وهو ما اضطر بعض أنصاره ومؤيديه إلى انتقاده والتنديد بفشل حكومته.
وسط هذا الجدل، وإذ تأمل قوى الإصلاح السياسي في الاستفادة من السخط الشعبي تجاه المعسكر الأصولي وحكومته المتشددة في العودة إلى المسرح السياسي، بالتوازي مع خطط وتكتيكات المعسكر الأصولي لمنع الإصلاحيين من تحقيق أمانيهم، لا يمكن الجزم بأن بيت القائد سيسمح بعودة روحاني ورفاقه إلى الحياة السياسية من جديد، صحيحٌ أن الدوافع أمام خامنئي كثيرة مع توقف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة ودول الغرب وعودة الاضطرابات الداخلية، ما يعني حاجة البلاد إلى إعادة التوازن إلى نظامه السياسي، لكن وكما عودتنا السياسة الإيرانية، السياسات في إيران متقلبة والمتغيرات تتحرك بسرعة.