إيران وحماس: علاقات معقدة وحلف مكسور
نفى قادة إيرانيون بعد الهجوم الذي شنّته حركة حماس في 7 أكتوبر الماضي على ثكنات عسكرية ومستوطنات محاذية لقطاع غزة، أيّ صلة لطهران في هذا الهجوم مع التأكيد على مباركتهم له. وفي خطاب له تعليقًا على عملية حماس، قال المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي “نحن نُقبّل جباه وأيدي المخططين الأذكياء والشباب الفلسطيني الشجاع” نافيًا أي تورّط إيراني بقوله “إن أولئك الذين ينسبون أفعال الفلسطينيون إلى جهات خارجية لا يفهمون الشعب الفلسطيني، وقلّلوا من شأنهم”.
هذه التصريحات منذ بدء الحرب في غزة تلخّص موقف إيران من هجوم حماس باعتباره يتلخص في تأييد ودعم حركات المقاومة الفلسطينية وهجماتها ضد إسرائيل مع التأكيد على استقلال هذه الحركات.
في الوقت ذاته، أكدت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أنهما لم تجدا أي دليل على تورط إيران في هجوم حماس، مع انتشار تقارير غربية تفُيد بغضب إيراني محدود من قادة حماس لإخفاء مسألة الهجوم عن حلفائهم في إيران ومحور المقاومة، حيث نشرت وكالة رويترز أن خامنئي اشتكى لإسماعيل هنية في اجتماعهما في طهران في وقت سابق من هذا الشهر، من أن إيران لم تكن على علم بهجوم 7 أكتوبر، وبالتالي فإن طهران لن تخوض حربًا بالنيابة عن حماس، ورغم نفي الأخيرة لما جاء في التقرير على لسان ممثلها في بيروت أسامة حمدان، إلا أنه من المنطقي أن تكون إيران غاضبة بعد اقصاء حماس لها في هجوم بهذه الأهمية.
السؤال: لماذا لم تُخبر حماس إيران الداعم الرئيسي للحركة، بالهجوم؟ ولماذا لم تستشرها على الأقل حول إمكانية شن مثل هذا الهجوم؟ للإجابة على هذا التساؤل لا بد من التطرق إلى طبيعة العلاقة بين طهران وحماس.
إيران وحماس: ما بين التحالف والسيطرة
بدأت العلاقات بين إيران وحماس منذ تسعينات القرن الماضي، وتمتعت حماس بدعم إيراني هائل، شمل ذلك الأموال والأسلحة والتكنولوجيا والتدريب. حين وصلت حماس إلى السلطة في قطاع غزة عام 2007 زادت طهران وحزب الله من الدعم الممنوح للحركة لمساعدتها في إنتاج أسلحة محلية الصنع وتزويدها بالخبرات العملياتية، عبر خالد مشعل الزعيم السابق للمكتب السياسي لحماس في ذلك العام عن قوة العلاقة مع طهران بقوله إن حماس هي “الابن الروحي للخميني”.
لكن رغم الدعم الهائل والتحالف إلا أن العلاقة بين طهران وحماس لطالما كانت متقلبة، مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا وحمل المتمردين للسلاح ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، اختارت حماس الحركة ذات الإيديولوجية الإسلامية السنية الوقوف إلى جانب الثورة المسلحة والعمل ضد محور المقاومة الشيعي الذي تقوده إيران، نتيجة لذلك، أغلق حكومة الرئيس الأسد مكاتب الحركة في دمشق وغادر قادتها إلى كل من قطر وتركيا.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعد أن نشر خالد مشعل صورًا له في مكتبه وهو يحمل العلم السوري الذي اتخذه معارضو الرئيس بشار الأسد علمًا وطنيًا لهم، بدأت حماس في تنفيذ عمليات في مخيم اليرموك بسوريا ضد الحكومة السورية وحزب الله اللبناني الداعم للأسد، في نهاية عام 2012 صرّح أسامة حمدان القيادي في حماس أن العلاقات بين الحركة وطهران وحزب الله تم تجميدها بعد سلسلة طويلة من التوترات خاصة بين حماس وحزب الله الذي تلقت معاقله في لبنان وسوريا هجمات صاروخية، وكان ضمن المتورطين في هذا الهجوم أعضاء من حركة حماس.
حين دعمت حماس المعارضة السورية كانت الحركة تراهن على أن وجود جماعة الإخوان المسلمين على سدة الحكم في مصر سيكون داعمًا لها، وأن الوقت قد حان للابتعاد عن محور المقاومة (الشيعي) مقابل دعم الجماعة الأم في مصر، لكن بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين وتعرض حركة حماس لأزمة مالية نتيجة قطع الدعم المالي الإيراني عن الحركة، ومع تضييق إسرائيل على قطاع غزة وتدمير مصر للأنفاق في سيناء، بدأ قادة حماس في التفكير بأن لا مفرّ من إعادة العلاقة مع إيران وحزب الله.
في عام 2017 حاول بعض قادة حماس المؤيّدين لتقوية العلاقات مع طهران وحزب الله، مثل محمود الزهار، استعادة العلاقات، اجتمع الزهار بقادة إيرانيين ومن حزب الله بينما رفضت الحكومة السورية التصالح مع حماس دون الاعتذار الرسمي من الحركة للحكومة السورية ورفض قادة حماس تقديم هذا الاعتذار مؤكدين على أن علاقة حماس بإيران وحزب الله لا علاقة لها بالعلاقات بين حماس وسوريا.
ما بين 2017 – 2020، حاول قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني، تحسين علاقة إيران وحزب الله مع حماس، من خلال تحويل الخلافات الأيديولوجية الشيعية إلى جعل فلسطين الأيديولوجية التي يتم الاتفاق عليها من قبل جميع أعضاء محور المقاومة. لكن ذلك لم يمنع التوترات بين حماس وحزب الله الحليف الأقوى في محور المقاومة لطهران، فلم يكن السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني قادرًا على التغاضي عن حماس وما فعلته في سوريا، وتردد حينها أن نصر الله أخبر قاسم سليماني قبل اغتياله بأن حماس غير جديرة بالانضمام إلى محور المقاومة.
تزايدت الخلافات بين حماس وحزب الله وإيران بعد اغتيال سليماني، خصوصاً بعد ما أشيع عن أن حزب الله زرع جاسوسًا إيرانيًا لمتابعة موسى أبو مرزوق أحد قادة حماس المعارضين للعلاقة بين إيران وحماس، حينها شعرت حماس بالإهانة، خاصة وأنه وقبل ذلك بعام واحد، حاولت إيران من خلال مجموعة شيعية فلسطينية أسّستها في عام 2019 يطلق عليها اسم “صابرون لنصرة غزة”، زرع جناح عسكري شيعي في غزة بعيدًا عن حماس. وقتئذ، قامت حماس بمحاصرة الحركة واعتقال مؤسسها، لتفرج عنه لاحقًا بطلب إيراني.
بعد وفاة قاسم سليماني وتعرّض إيران لهجمات إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية واغتيال العلماء النوويين والعسكريين، رأت طهران أن المصلحة المشتركة ضد إسرائيل يجب أن تتفوق على الاختلافات مع حماس، وأن الوقت قد حان لمضاعفة الدعم لحماس وتقويتها لمواجهة اسرائيل، وقبلت حماس بهذه التسوية.
أظهرت حماس بالرغم من ارتباطها بإيران مواقف مستقلة في كثير من الأحيان، فالعلاقة بين إيران ووكلائها وحلفائها الإقليميين، بما في ذلك حماس، تتمتع بالمرونة إلى حد كبير، فالولاء السياسي والأيديولوجي لإيران لا يمنع الوكلاء أو الحلفاء من تنفيذ أجنداتهم الخاصة.
يمكن القول أن طهران أسّست محور المقاومة بحيث يكون شبكة مترابطة من المصالح المشتركة بشكل هرمي دون وجود نوع من الصرامة للسيطرة على أعضائه. لذلك، كان من الطبيعي أن تتّخذ حركة حماس قرار بهجوم 7 أكتوبر منفردة، طالما أن المصلحة واحدة، أو ربما شعر قادة حماس بالقلق من أنّهم لو أخبروا إيران وحزب الله بالهجوم فإنه قد يكون لهم رأي مغاير، خاصة وأن طهران كانت تستعد لخوض مفاوضات مباشرة مع واشنطن بعد صفقة تبادل السجناء، وكان الجانبان يسعيان إلى تقليل حدة التوترات بينهما والتوصّل إلى اتفاق مُصغّر، وطالما أن المصلحة من وراء الهجوم ستُسعد طهران وتصب في مصلحتها فلا يوجد مانع. بالإضافة إلى رغبة قادة حماس بأن يكون القرار فلسطيني خالصًا.
هل ستتخلى طهران عن حماس؟
“نشكر حزب الله على ما فعله لكن هذه المعركة تحتاج إلى المزيد من جميع الحلفاء”، كان هذا تصريحًا لموسى أبو مرزوق القيادي في حركة حماس. فعليًا، توقع العديد من المراقبين أن تدخل إيران وحزب الله في هذه الحرب سيكون أكثر جدية، وليس قادة حماس فقط، خاصة وأن هذه الحرب هي أول اختبار حقيقي لجدّية التعاون بين عناصر محور المقاومة الذي تقوده طهران، لكن حتى الآن، ليس لدى إيران ولا حزب الله الرغبة في توسيع دائرة الحرب أو الدخول في مواجهة متعددة الجبهات، خاصة وأن شبح الكلفة العسكرية والاقتصادية الباهظة التي سيدفعها حزب الله، الحليف القوي لطهران، قد يكون مُدمرًا.
في الوقت ذاته، يضع امتناع إيران عن المشاركة في هذه الحرب خاصة مع التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة، القادة في طهران أمام مفترق طرق، إما الالتزام بموقف عدم التدخل وحينها قد نجح إسرائيل في تحقيق أهدافها في القضاء على حكم حماس في غزة، وبالتالي تعرض مصالح محور المقاومة واستراتيجية توحيد الجبهات التي دعت إليها إيران مرارًا وتكرارًا لضربة قاصمة، أو وضع حزب الله وقدراته الاستراتيجية الهائلة التي ساعدت إيران في بنائها على مر سنوات طويلة أمام فوّهة المدفع.
من مصلحة إيران عدم الدخول في الصراع وتعريض حزب الله الذي يعتبر أهم حلفائها وأقواهم في مواجهة إسرائيل للخطر. بالتوازي، سيكون على طهران التصرف بأقصى سرعة في حال تعرضت حماس لبوادر انهيار حقيقية، حينها، سيكون من الصعب على الإيرانيين الاختيار بين القبول بخسارة حماس الحليف الاستراتيجي المهم ضد إسرائيل، أو التدخل لحمايته.
احتمالات تدخل إيران وحزب الله في الحرب تبقى موضع شك، رغم ذلك، تحاول إيران المراهنة على أن التصعيد التدريجي من جانب حزب الله وحلفاء إيران في العراق واليمن، كذلك تصاعد ردود الفعل الدولية المنادية بإيقاف الحرب، قد تنجح في توقيت ما على إيقاف الحرب ونجاة حماس من يد الكماشة الإسرائيلية.