مجلس الأمة الكويتي: مفترق طرق
عايشتُ الحياة السياسية في الكويت لسنوات عدّة؛ مناكفات وصراعات متتابعة أدت إلى الإخلال بمفهوم الحوكمة الرشيدة والرقابة التشريعية. اليوم، يعودُ مجلس الأمة بحلّة جديدة بعد الانتخابات الأخيرة التي شهدتها البلاد مطلع يونيو الجاري، تعود فيه حكومة الشيخ أحمد النواف الصباح أيضاً بتشكيلٍ وزاريٍ لافت شغل الشارع الكويتي لأيام مع احتدام الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي، بين مؤيدِ ومتحفظ.
دارت عجلة الصراع في الحياة السياسية الكويتية منذ انطلاق مجلس الأمة في عهد أمير الكويت الحادي عشر، الشيخ عبدالله السالم الصباح (رحمه الله)، مع وجود شريحة مجتمعية معتبرة تُعارض وجود تمثيل ديموقراطي في الكويت تشارك فيه كافة أطياف المجتمع من خلال انتخابات موزّعة على دوائر انتخابية تغيرت مراراً منذ التأسيس. قبالة ذلك، يذهب آخرون إلى رفع سقف طموحاتهم في المطالبة بما هو أكثر من ذلك.
لكنّ التأزيم الذي اشتعل في عام 2020 كان مختلفاً تماماً عما كانت عليه السياقات السابقة. بالنتيجة، تعطّلت الحياة البرلمانية بصفة مؤقتة لثلاث سنوات بعد بروز توازنات ومراكز قوى جديدة على بيئة المجلس والحكومة، وذلك بعد مجالس سابقة كانت بيوت التجار من تحدد جزءً من خياراتها وتوجهاتها. هذا التوازن تعرض للاختلال وتوّج بحلّ مجلس الأمة لمرتين متتاليتين، تلتهما انتخابات نيابية تمخّضت بأغلبية مُعارضة للنهج البرلماني السابق الذي استحوذ على مجلس الأمة.
بطبيعة الحال، تحاول الحكومات في العالم التكيف مع من يسيطر على مقاعد المجلس، فحين استطاعت المُعارضة الفوز بالأغلبية سعت الحكومة والمعارضة على حد سواء إلى أن تتحول الأخيرة إلى كتلة داعمة للحكومة عبر التحالف مع الوزراء لتأمين تمرير القوانين الذي وعد النواب ناخبيهم بها في حملاتهم الانتخابية. تبعًا ذلك، يتحول الفريق الحكومي السابق إلى كتلة معارضة شرسة حتى تصل إلى الأغلبية التي كانت تمتلكها مجدداً. مشهد يمكن اختزاله في التموضوعات الجديدة في المجلس.
ينقسم المجلس الحالي إلى عدة أقطاب، أولها قطب الموازنة والتوازن وهو الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) التي تتحرك وفقاً لأجندات واضحة وتنظيم متقن، ويمكن اعتبار الحركة الدستورية (الإخوان المسلمين) أكثر التيارات السياسية في الكويت تماسكًا. بالتوازي، نجد نواب السلف الذين اجتمعوا في لجنة أطلقوا عليها اسم “لجنة القيم”، وتعتبر اللجنة بمثابة أداة للضغط على الوزراء المعنيين لمحاسبة المجتمع في حال تفشت – حسب معايير أعضاء اللجنة الخاصة – ما يدعون أنها “مظاهر سلبية”.
كما نجد نواب المعارضة الشرسين والنواب الشباب الذين يتّسمون بالتوازن إلى جانب وجود بعض النواب الذين يمثلون بيوت التجار. خسر المرشحون الليبراليون الانتخابات، يمكن القول أن خسارتهم كانت نتيجةً للعمل الفردي وضعف الإعداد بالإضافة لمحدودية الإمكانيات. هناك أيضاً سبب ثالث ومهم يتعلق بطبيعة شريحة الليبراليين في المجتمع الكويتي التي تشهد عزوفًا عن التصويت في الانتخابات بعد حالة التشنج التي مرتبها الحياة السياسية في الكويت ورواج حالة الاحباط التي تسربت إلى الأفراد مؤخراً، يبدو بأن تأثير الانتكاسة البرلمانية في الكويت قد استقر في نفوس الليبراليين أكثر من غيرهم. نتيجة لذلك، ليس في مجلس الأمة اليوم سوى قلة من الشباب المتفتحين الذين يحملون برامج انتخابية تحمل في طياتها ملامح أو توجهات ليبرالية.
تتوجه الأنظار اليوم إلى التشكيل الوزاري بعد عودة الشيخ أحمد الفهد الجابر الصباح إلى التشكيلة الحكومية كنائب لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدفاع، اشتعل إثر ذلك فتيل الجدل المجتمعي في وسائل التواصل ما بين مؤيدٍ ومتحفظ.
الجلسة الأولى لمجلس الأمة مرت بهدوء. بعد انتهاء الجلسة، خرج رئيس مجلس الأمة السابق السيد مرزوق الغانم بتصريح أشار فيه إلى عدم توافق تعيين وزيرالدفاع مع المادة 125 من الدستور مما ينطق عن احتمالية وجود استجوابات ومساءلة سياسية قادمة، وعلى ذلك، هناك منعطفين مهمين سيحددون خطّ سير المجلس وسيقومان بدورهما في الإجابة على عدة أسئلة أهمها ما إذا كان المجلس الجديد سيستكمل مدته أم أنّ مصيره سيكون الحل مجددًا، أولهما استمرار التنسيق ما بين النواب وصولاً إلى اقرار حزمة القوانين المؤجلة لتعويض ما فات من وقت. غياب التنسيق سيؤدي إلى أزمة سياسية أخرى قد تنتهي بعواقب وخيمة، لا ترتبط بحل المجلس وحسب.
المنعطف الثاني هو أن تستمر البلاد في الدوران داخل حلقة مفرغة بسبب خلافات قديمة ما بين عدة أقطاب موجودة في المشهد، وهو ما سيتسبب في تعطيل مجالات التنمية في البلاد.
لسنوات، خاض المتواجدون في المشهد السياسي وخارجه في الكويت حروباً بالوكالة انعكست تبعاتها على الجميع، لم يعد الأمر خلافاً سياسياً، بل تحول إلى خلافات شخصية لا طائل منها.
يحتاج المشهد السياسي في الكويت إلى قراءات ناقدة تُراقب البرامج والأداء السياسي للسلطتين التنفيذية والتشريعية وصولاً إلى تغليب المسار الوطني الذي يتطلع إلى التقدم وخدمة الكويت والكويتيين.