هل تستطيع الكويت المضي في خطط التنمية دون عمالة وافدة؟

في ظل مساع ومطالبات عديدة لتوظيف الكويتيين العاطلين عن العمل، أقرت الحكومة الكويتية منذ عام 2017 خطة تحت مسمى “تكويت الوظائف”. المقصود بتكويت أو إحلال الوظائف هو توظيف المواطن الكويتي بدلاً من العامل الأجنبي في القطاعين الحكومي والخاص واستبدال الوظائف التي يشغلها الوافدون بالكويتيين.

احصائيًا، ترتفع معدلات البطالة بين الكويتيين بشكل مضطرد، وبحسب تقارير الإدارة المركزية للإحصاء، فإن نسبة البطالة بين الكويتيين حتى عام ٢٠٢٢ وصلت الى نحو ١٤.٨٪. ووفق آخر تقرير للإدارة المركزية للإحصاء فإنه من واقع النتائج النهائية لنظام معلومات سوق العمل الحكومي يُشكل الكويتيون نسبة ٨٠.١٪ من العمالة في القطاع الحكومي ويشكل غير الكويتيين نحو ١٩.٩٪، وينتمي نحو ٥٧.٦٪ من العاملين غير الكويتيين إلى جنسيات عربية، تشكل دول مجلس التعاون الخليجي نسبة ٥.٨٪  مقابل ٥١.٨٪ من دول عربية أخرى. وتحتل العمالة الآسيوية المرتبة الأولى من بين الجنسيات غير العربية حيث تبلغ نسبتهم نحو ٣٧.٦٪.

تظهر البيانات الرسمية بأن نسبة المقيمين والوافدين العاملين في القطاع الحكومي في الكويت هي الأعلى خليجيًا، تلتها البحرين ثم عمان والإمارات بنسبة وأخيرًا السعودية.

مزايا العمل في الكويت

يُفضل الأجانب العمل في الكويت نظراً للمزايا والخدمات التي قد لا تتوفر للعمال الأجانب في بلدان أخرى. أهم هذه المزايا أن لا ضرائب على الدخل أو على التحويلات الخارجية للأموال خلاف الرسوم البنكية المعتادة، كما تتساهل أنظمة الدولة في الإجراءات المالية وفي التدقيق في خروج ودخول الأموال. في الغالب، يتم الامتناع عن تنفيذ العقوبات في العديد من القضايا والاكتفاء بقرارات الإبعاد من البلاد، كما أن معدلات الرواتب للوظائف المتوسطة والعليا تبدو مرتفعة.

تعتمد الحكومة قانونًا يحدد السقف الأعلى والأدنى لرواتب العاملين غير الكويتيين لضمان حق صاحب العمل والعامل على حد سواء، ويبلغ الحد الأدنى للرواتب (باستثناء العمالة المنزلية) ٣٢٠ دينار كويتي (١٠٤٢ دولار أمريكي) بينما يصل الحد الأعلى للرواتب إلى ٥٦٤٠ دينار كويتي (١٨.٣٧٠ الف دولار أمريكي)، إضافة للسماح للعامل المقيم بالعمل الحر خارج مواعيد العمل الرسمية، ما يساهم في رفع الدخل الشهري للعمالة الوافدة. يمكن القول أن شريحة واسعة من العمالة الوافدة في الكويت تعمل في أكثر من وظيفة مقارنة بالمواطن الكويتي المُجبر على العمل في وظيفة واحدة فقط.

شجعت هذه الاجراءات على ارتفاع الطلب للعمل في الكويت والتقديم على الوظائف الحكومية بشكل خاص حيث تكون رواتب العمالة الوافدة أفضل من القطاع الخاص بنسبة تتراوح ما بين ١٠-١٢٪.

التنمية بلا وافدين

يدور الكثير من الجدل حول خطة تكويت الوظائف، خاصة وأن الخطة قد تتسبب في خسارة نحو مليون عامل أجنبي لوظائفهم في الكويت. السؤال الأكثر أهمية اليوم: هل الكويت مستعدة للتخلي عن العمالة الأجنبية وتوطين أو تكويت الوظائف في هذا الوقت؟

برزت أزمة التركيبة السكانية في الكويت بشكل ملحوظ إبان جائحة كورونا، حيث تسبب وجود أعداد هائلة من العمالة الوافدة (السائبة) في حالة من التذمر الشعبي. اتخذت الحكومة الكويتية لاحقا قرارًا بإبعاد المخالفين والعمالة الهامشية وشددت الإجراءات والتدقيق على الهويات والمخالفين، شهد عام 2020 أكبر عملية اجلاء للمقيمين في الكويت إذ غادر نحو 382 ألف عامل أجنبي البلاد. 

على صعيد سوق العمل، ارتفعت معدلات توظيف المواطنين في القطاعات المختلفة بعد قرار إبعاد العديد من الوافدين والمقيمين، بالتوازي انخفضت الإنتاجية بشكل ملحوظ في قطاعات عدة. المطالبات الحثيثة للاستمرار في تكويت الوظائف وتسريح المقيمين والوافدين تبعتها المزيد من الأزمات التي لم تتوقف عن الظهور بعد ترحيل الأجانب، ليعود التساؤل أكثر إلحاحاً: هل تستطيع الكويت الاستمرار في التنمية دون العمالة الوافدة والمقيمين الأجانب؟

يبدو الأمر أشبه بالمستحيل، قرارات إبعاد الوافدين خلقت أزمة جديدة وهي أزمة نقص العمالة في العديد من الشركات والمؤسسات، ما تسبب في ارتفاع غير مسبوق في أسعار الخدمات والسلع وتعطيل بعض الأعمال والخدمات، كذلك لوحظ وجود نقص عمالة شديد في بعض القطاعات، وبالخصوص قطاع المقاولات والأعمال الحرفية واليدوية التي لا يرغب أو يتواجد الكويتيون فيها.

يفتقر السوق المحلي في الكويت إلى البديل الناجح وأصحاب الخبرات، وتكاد الأيدي العاملة الوطنية تكون معدومة أو غير مدربة بالشكل المطلوب، لا يرغب المواطنون شغل العديد من الوظائف التي يشغلها المقيمون الأجانب، خاصة الوظائف التي تتطلب أعمالا شاقة وحرفية.

غني عن القول أن للمقيمين والعمالة الأجنبية مساهمات جليلة في تطوير البلاد والمساهمة في نهضتها وتنميتها، سابقًا ومستقبلًا. تستمر السياسات المحلية في اخفاقاتها، بما يشمل الإخفاق في تنظيم سوق العمل وتوزيع الوظائف والتطوير وتكويت الوظائف مع ضمان جودة الأداء، علاوة على رفع الإنتاجية والتشجيع على شغل الوظائف الحرفية ودعمها، وتدريب الكوادر الوطنية وموازنة الرواتب والمزايا. يمكن القول أن المضي في القرارات الحكومية دون دراسة وتخطيط مناسبين تسبب وسيتسبب في أزمات تعصف بسوق العمل في البلاد.

تعتمد الكويت على الأجانب والمقيمين في شتى مجالات الأعمال ومختلف القطاعات، سياسات الاستغناء عن هذه العمالة دون دراسة وفهم لطبيعة سوق العمل أمر مستغرب. المطالبون بتكويت الوظائف لا يلتفتون إلى الوظائف والقطاعات التي ينبغي التركيز عليها في خطط تكويت الوظائف، وهي بالتحديد القطاعات التي يتطلع الشباب الكويتي إلى العمل فيها.

امتهن الكويتيون في الماضي جميع الوظائف الحرفية واليدوية وأعمال البناء والصناعات بأنواعها. قامت الدولة ببناء وتدشين الكلية الصناعية، كما ابتعثت المواطنين في الدول المتقدمة صناعياً، وكان لعودتهم اثر إيجابي في شغل الوظائف وسد حاجة سوق العمل. اليوم، لا يمكن الاستغناء عن العمالة الوافدة دون وجود البديل الناجح، ولا يمكن تكويت الوظائف دون النظر الى حاجة العمل وحجم الإنتاجية، استبدال المقيم المنتج وصاحب الخبرة بمواطن لمجرد حمله جنسية البلد دون خطة ورؤية ومهارة هي سياسة خاطئة ونتائجها سلبية بالضرورة.

منشورات أخرى للكاتب