المبادلات التجارية الخليجية الصينية: السمات والتداعيات

 حققت العلاقات الاقتصادية الخليجية الصينية تقدماً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وارتفع حجم التجارة الخارجية كما تجري مباحثات بشأن استخدام اليوان بدلاً من الدولار في مبيعات النفط.

أصبحت العلاقات العربية الصينية عامة، والخليجية الصينية خاصة، متينة من عدة جوانب اقتصادية وسياسية. وظهر ذلك بوضوح في بيان مؤتمر الرياض المنعقد في ديسمبر 2022 بين دول مجلس التعاون والصين حيث أشار في فقرته الرابعة إلى ضرورة تنمية التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والمالية والتكنولوجيا، كذلك استكمال مفاوضات منطقة التجارة الحرة بين الطرفين في أقرب وقت. كما نص البيان على فقرات ذات بعد سياسي تنسجم مع مصالح دول المجلس وتتعلق بفلسطين وإيران واليمن (الفقرات 9 و10 و13 و15).

الصين هي أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي من حيث الصادرات والواردات. في 2022 بلغت تجارة السعودية والإمارات وقطر مع الصين نحو 232.4 مليار دولار على النحو التالي:

السعودية: وصلت تجارتها مع الصين إلى 115.2 مليار دولار، تصدر السعودية سلعاً للصين قيمتها 79.2 مليار دولار وتستورد منها سلعاً بمبلغ 36.0 مليار دولار. وهي بذلك تمثل المرتبة العربية الأولى. كما تحتل الصين المركز الأول في التجارة الخارجية السعودية سواء تعلق الأمر بالصادرات أم بالواردات. تليها الهند ثم اليابان فالولايات المتحدة. لا شك أن النفط يستحوذ على الجزء الأكبر من صادرات السعودية، لكن لا يجوز تهميش صادراتها الصناعية التي بلغت 11 مليار دولار أي 14% من مبيعاتها الكلية للصين.

الإمارات: بلغت صادراتها للصين 45.4 مليار دولار ووارداتها منها 53.8 مليار دولار. وبذلك تحتل المرتبة العربية الثانية في تجارتها مع الصين. ويأمل الإماراتيون إحراز مكاسب مهمة في ميدان النقل ضمن مبادرة “الحزام والطريق” إذ تعتبر الإمارات في مقدمة البلدان التي تنقل البضائع الصينية إلى أفريقيا، وهذا يفسر ضخامة وارداتها من الصين. ولا تقتصر علاقات أبوظبي وبكين الاقتصادية على التجارة الخارجية، بل تشمل كذلك الاستثمارات، هنالك أكثر من ستة آلاف شركة صينية عاملة في الإمارات. كما تملك الإمارات استثمارات عديدة في الصين في ميادين الطاقة والنقل والمصارف.

قطر: صادراتها للصين 13.4 مليار دولار أي 30.9% من صادراتها الكلية. أما وارداتها من الصين فتبلغ 4.6 مليار دولار أي 16.4% من وارداتها الكلية. وبذلك تستحوذ الصين على المرتبة الأولى في الصادرات والواردات القطرية، تليها حسب الأهمية اليابان وكوريا الجنوبية ثم الهند.

خصوصيات التجارة الخليجية الصينية

الميزان التجاري السعودي والكويتي والقطري في حالة فائض مع الصين، قبالة ذلك، يعاني الميزان التجاري الإماراتي والعماني والبحريني من العجز معها. لكن الموازين التجارية الخليجية بمجموعها تسجل فائضًا، وهو الأمر الذي يدعو الصين إلى العمل على زيادة صادراتها واستثماراتها في الخليج. وهو ما يدعو دول الخليج أيضاً إلى تحسين صادراتها للصين، لذلك تزداد المبادلات البينية.

ارتفعت الصادرات الخليجية للصين ارتفاعاً كبيراً في 2022 مقارنة بالعام المنصرم لثلاثة أسباب رئيسية:

السبب الأول يتمثل برغبة الطرفين في تنمية علاقاتهما الاقتصادية في مختلف الميادين خاصة المبادلات السلعية. السبب الثاني هو تخفيف القيود الصحية التي فرضتها الصين للتصدي لوباء كورونا. ما نجم عنه انتعاش الأنشطة الاقتصادية الذي تطلب المزيد من الطلب على الطاقة. والسبب الثالث يرتبط بالحرب الروسية ضد أوكرانيا التي أفضت إلى تصاعد أسعار النفط والغاز فازدادت قيمة الصادرات الخليجية،

وبالمقابل ارتفعت الصادرات الصينية للخليج لانخفاض الأسعار الصينية مقارنة بالأسعار الأوربية والأمريكية واليابانية للسلع المماثلة.

ولهذا الارتفاع عوامل سياسية كذلك. ففي الميدان العسكري واجهت دول الخليج وفي مقدمتها السعودية عقبات أمام حصولها على التكنولوجيا الأمريكية لتصنيع بعض أنواع الأسلحة كالصواريخ الباليستية. في حين قدمت بكين للرياض مثل هذه التكنولوجيا، خاصة أن الصين لا تنظر في تعاملها التجاري الخارجي إلى حقوق الإنسان بالمفهوم المتعارف عليه في الولايات المتحدة. مقابل هذه الامتيازات العسكرية ارتفعت استثمارات الصين وصادراتها.

فما يتعلق والتجارة النفطية، بلغت صادرات دول مجلس التعاون للصين 4.2 مليون ب/ي على النحو التالي: قطر والإمارات وعمان 0.7 مليون ب/ي لكل منها. علماً بأن ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي العماني يتجه إلى الصين. كما سجلت الكويت 0.3 مليون ب/ي، أما السعودية فتصدر نحو 1.8 مليون ب/ي. وهي بذلك أكبر ممول نفطي للصين، تليها روسيا.

ولما كان معدل الاستيراد الكلي للصين عشرة ملايين ب/ي تصبح مساهمة دول مجلس التعاون 42% من الواردات النفطية الصينية. وعند إضافة 1.2 مليون ب/ي من النفط الإيراني و1.1 مليون ب/ي من النفط العراقي يصبح مجموع النفط المصدر من منطقة الخليج للصين 6.5 مليون ب/ي. أي أن هذه المنطقة تمد الصين بثلثي حاجاتها النفطية. علماً بأن مبيعات النفط الإيراني تجري تحت مسميات أخرى لدولة المنشأ تجنباً للعقوبات الأمريكية.

مما لا شك فيه أن أهمية المبادلات التجارية الخليجية الصينية لا تجد ترحيباً لها من قبل الإدارة الأمريكية. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأنها تشكل خطراً على المصالح الأمريكية، إن خطورة هذه المبادلات لا تتأتى من حجمها بقدر ما تتأتى من تداعياتها.

العلاقات الأمريكية الصينية تختلف عن العلاقات الأمريكية الروسية أو الأمريكية الإيرانية. الصين لا تخضع لعقوبات أمريكية كتلك التي تعاني منها روسيا بعد حربها ضد أوكرانيا وإيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. وبالتالي يُفترض ألا تنظر واشنطن إلى التجارة الخارجية الخليجية الصينية نظرة عدائية. فلو كانت التجارة مع الصين غير مرغوب فيها لبات من الأحرى على واشنطن النظر إلى تجارتها الخارجية. تستورد الولايات المتحدة سلعاً من الصين بقيمة 540 مليار دولار. أما صادراتها للصين فتبلغ 165 مليار دولار. في حين تعادل التجارة الخليجية الصينية ثلث التجارة الأمريكية الصينية.

تكمن المشكلة الاقتصادية الرئيسية للولايات المتحدة مع الصين في العجز الهائل للميزان التجاري الأمريكي. ومن مشاكل واشنطن مع الخليج الدور الذي تلعبه الصين في المنطقة من عدة زوايا سياسية وعسكرية واقتصادية. وما سيترتب على هذا الدور من استخدام العملة الصينية المعروفة تحت مسمى اليوان في المبادلات النفطية بدلاً من الدولار.

الرياض وواشنطن والبترويوان

المشاورات السعودية الصينية بشأن شراء النفط باليوان ليست جديدة بل تعود إلى عام 2018. لكنها أصبحت حالياً جدية لأسباب سياسية بالدرجة الأولى وتتجلى في موقف واشنطن من القضايا الخليجية لاسيما الحرب في اليمن والملف النووي الإيراني.

موافقة الرياض على البترويوان سوف تواجه عدة عقبات لأن الريال مرتبط بسعر ثابت بالدولار، كذلك حال العملات الأخرى لدول مجلس التعاون. بالمقابل صرحت الصين رسمياً ومراراً بأن موافقة السعودية على البترويوان ستقود إلى زيادة استثمارات الصين لتنفيذ مشاريع رؤية السعودية 2030 وإلى زيادة استيرادها النفطي، وبالتالي سينتعش الاقتصاد السعودي.

ولكن حسب تقارير صندوق النقد الدولي لا يمثل اليوان سوى 2% من المدفوعات الدولية مقابل 41% للدولار. اليوان يحتل المرتبة العالمية الرابعة بعد الدولار واليورو والجنيه الإسترليني بعد أن أحرز في الفترة الأخيرة تقدماً على الين الياباني. ونلاحظ أن هذه المرتبة لا تتناسب مع مكانة تجارة الصين، إذ تبلغ وارداتها 11% من الواردات العالمية وصادراتها 15% من الصادرات العالمية.

أن قبول البترويوان يعني بالضرورة دعم الاقتصاد الصيني وتراجع هيمنة الدولار على المبادلات الدولية. عندئذ، تتدهور فاعلية نظام سويفت فتخسر واشنطن أحد أهم أدواتها الاقتصادية للضغط على الحكومات والشركات في مختلف أنحاء العالم. سيرتكز البترويوان على كون الصين أكبر مستورد للنفط في العالم وكون السعودية أكبر مصدر له.

ترى واشنطن أن البترويوان يقود إلى تراجع دورها السياسي والعسكري والاقتصادي في منطقة الخليج مقابل تقوية الدور الصيني. وهو ما سيفضي إلى زعزعة الثقة بالدولار في السوق العالمية في حين يزداد اليوان قوة. بالنتيجة، البترويوان حسب واشنطن هو اعتداء على المصالح الأمريكية بشكل واضح.

الصين اليوم هي الشريك التجاري الأول لبلدان مجلس التعاون. وتتجه العلاقات التجارية والاستثمارية وكذلك السياسية والعسكرية نحو التحسن السريع والمستمر. سيترتب على هذا التطور موافقة السعودية على بيع قسط من صادراتها النفطية للصين باليوان. وغالباً، ستحذو دول عربية أخرى حذو السعودية. لأن الهدف ليس التأثير على مركز الدولار بل تمتين العلاقات الخليجية الصينية.

منشورات أخرى للكاتب