ثورة جديدة في إيران: هل تنجح؟
شيماء محمد
منذ شهرين، تخوض إيران معركة صعبة مع المتظاهرين المحتجين في الشوارع بعد وفاة الفتاة الكردية “مهسا أميني (22 عاما)، بعد اعتقالها على يد “دورية الإرشاد”، أو ما يطلق عليه شرطة الأخلاق، ودخولها في غيبوبة بعد مزاعم تعرضها للضرب داخل مركز الاحتجاز. ومن وقتها توسعت الاحتجاجات للتنديد بقوانين الجمهورية الصارمة بشأن الحجاب والحريات الفردية، ولم تنتهي حتى الآن.
تعد هذه الاحتجاجات واحدة من أكبر الحركات الاحتجاجية التي شهدتها إيران منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، فاجأت هذه التظاهرات الكثيرين داخل وخارج إيران، وفتحت صفحة جديدة في تاريخ إيران السياسي، حتى ذهب البعض إلى التنبؤ بأن إيران على أعتاب ثورة جديدة. رغم ذلك، يمكن القول أن قيام ثورة جديدة بإمكانها أن تطيح بالنظام الإسلامي في إيران يبدو أمرًا متعذراً على المديين القريب والمتوسط. بالتوازي، لا يمكن القول أنّ الاحتجاجات الحالية لديها العديد من السمات التي ربما تمهد لتغيير حقيقي في إيران، ولا شك أيضًا، أنها احتجاجات خلقت ظروفًا وتحديات جديدة أمام المجتمع الإيراني.
النساء في الطليعة
لطالما كانت الإيرانيات في طليعة الفئات المجتمعية المُعارضة لقوانين الجمهورية الإسلامية في إيران. في الوقت ذاته، كان دورهن في جميع الحركات الاحتجاجية السابقة ثانوي في الصفوف الأخيرة. لكن في هذه الموجة الجديدة، كان تواجد الإيرانيات ملحوظًا، بل كنّ في مقدمة الاحتجاجات. تذهب شريحة واسعة من الإيرانيات إلى أن قوانين الدولة تتدخل في شؤونهم الخاصة وأن طرق الحكومة لإنفاذ القوانين تنتهك حرياتهن، وتعرضهن لمضايقات واسعة النطاق، وتنتهي العقوبات بالسجن والغرامات المالية، لذلك كان الشعار الرئيسي في الاحتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية”.
مكنت الاحتجاجات الحالية النساء الإيرانيات من الظهور دون حجاب في مواقف مختلفة، وهذا تطور نادر الحدوث في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وللمرة الأولى تصبح صور الفتيات الإيرانيات بلا حجاب متداولة على شاشات وسائل الإعلام الغربية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
في السنوات الأولى للثورة الإيرانية عام 1979، كان هناك تواجد قوي للنساء، لكن بعد إرساء قواعد الحكم الإسلامي في إيران، اتخذت السلطات خطوات جادة لإخراج النساء من المشهدين السياسي والاجتماعي، وفرض العديد من القيود على حياتهن. بالنسبة لمؤسسة الحكم، فإن الحجاب الإجباري وتغطية جسد المرأة يعني إظهار سلطة النظام الإسلامي، وإرسال رسالة قوية بأن الحكومة الإسلامية في إيران يمكنها أن تضع المجتمع الإيراني تحت سيطرتها. النساء في إيران ناضلن لعقود في محاربة هذه القوانين التمييزية والحد من قوانين فرض الحجاب. يمكن القول أنّ المرأة الإيرانية نجحت في إزالة القليل من العقبات، لكن بقيت القضية الرئيسية للحجاب الإجباري وضغوط الحكومة قوية. اليوم، أصبحت الاحتجاجات المناهضة للحجاب رسالة واضحة للحكومة الإسلامية، رسالة مفادها أن النساء أصبحن قادرات على تخطي الخطوط الحمراء.
التأييد الشعبي، ودعم بعض رجال الدين
التأييد الشعبي في جميع الاحتجاجات السابقة في إيران كان متفاوتًا لأسباب متعددة. لم تحظ احتجاجات الحركة الخضراء أو مظاهرات عام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، بدعم الإيرانيين في المحافظات الحدودية والأرياف، كانت مظاهر التأييد مقتصرة على الطبقة الوسطى المثقفة والنشطاء السياسيين وطلاب الجامعات، وبالتأكيد لم تحظ بأي دعم من المسؤولين الإيرانيين.
في الاحتجاجات الحالية، يمكن ملاحظة وجود دعم شعبي واسع لمطالب المحتجين، أعلن كثير من المشاهير من المخرجين والممثلين والرياضيين تأييد مطالب المتظاهرين علنًا دون خوف من العواقب. أما المثير للدهشة، فقد كانت تصريحات بعض المسؤولين (حاليين وسابقين) في الحكومة، حيث انتقد علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق، عمل دوريات الإرشاد، كما ألمح محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الحالي، إلى ضرورة إحداث تغييرات في نظام الشرطة ودوريات الإرشاد.
كما تحدث بعض كبار رجال الدين في حوزة قم ضد دوريات الإرشاد دون الجرأة على مناقشة مسألة الحجاب الإلزامي، فقد عبر كل من آية الله العظمى أسد الله بيات زنجاني وآية الله العظمى محمد جواد علوي بروجردي علانية عن حزنهم لوفاة “مهسا أميني”، وهاجموا سلوك قوات الأمن مع المتظاهرين. يضاف لذلك ظهور عدة تقارير تؤكد وتفيد بوجود غضب داخل طبقة رجال الدين في الحوزة من ممارسات الحكومة في مسألة الحجاب.
الشجاعة في مواجهة قوات الأمن
دائما ما كانت التكلفة التي يدفعها المحتجون في إيران باهظة، وهو ما يتسبب في اخمادها سريعًا. الاستثناء هو أن هذه الاحتجاجات شهدت مواجهات شرسة بين الشباب في مواجهة قوات الأمن، الكثير من اللقطات يظهر فيها المحتجون وهم يقاومون قوات الأمن، بل ذهبوا في بعض الأوقات، إلى الاعتداء على عناصر الأمن، وإحراق سيارات الشرطة. وهي بالمناسبة، نقطة تستخدمها الحكومة الإيرانية ضد المتظاهرين، عبر وصفهم بمثيري الشغب وأعمال البلطجة، كما كان عدد القتلى من صفوف قوات الأمن مرتفعًا مقارنة بأي احتجاجات سابقة.
غالباً ما تنهي موجات الاحتجاج في إيران في غضون أسبوع، كان آخرها احتجاجات نوفمبر 2019 بعد ارتفاع أسعار الوقود لثلاثة أضعاف، استطاعت الحكومة القضاء على المظاهرات في أقل من خمس أيام تقريبا، بالتأكيد نتج عن هذا القمع الشديد عشرات القتلى والآلاف من المعتقلين. في هذه الاحتجاجات المستمرة حتى الآن، نشهد سمة جديدة وهي الاستمرارية، ورغم كون التظاهرات صغيرة العدد ومتفرقة ولا يصاحبها اضطرابات عمالية، إلا أنها نجحت في الحفاظ على استمراريتها، وجزء من هذا النجاح يرجع أيضًا إلى تراجع الحكومة الإيرانية عن استخدام العنف المفرط ضد المحتجين، هناك عنف بالتأكيد من قبل قوات الأمن، لكن ليس بالحجم الذي صاحب الاحتجاجات السابقة.
وفي نفس الوقت، تستمر الاحتجاجات دون قيادة أيضًا، وهي سمة مشتركة في أغلب الاحتجاجات الإيرانية منذ التسعينات وحتى اليوم.
دروس الماضي
رغم استمرار الاحتجاجات في إيران واختلافها عن موجات الاحتجاج السابقة، ورغم أنها أكبر حركة احتجاجية عرفتها إيران منذ الثورة الإسلامية، إلا أنه ليس من المتوقع أن تتحول إلى ثورة جديدة تطيح بالنظام الإسلامي في البلاد، على الأقل في المستقبل القريب.
وبنظرة سريعة على التاريخ، نجد ان احتمالات سقوط النظام في إيران تبدو قليلة للغاية، حتى الآن لم يُظهر الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي أي استجابة للمتظاهرين، رغم دعوة بعض كبار المسؤولين الحكوميين إلى الحوار مع المتظاهرين. على الأغلب، يعتقد آية الله خامنئي وكبار القادة الايرانيين، أن الاستجابة لأي مطلب يطالب به المحتجون حتى ولو كان صغيرًا، هو ضعف وبداية لانهيار الحكومة الثورية في البلاد.
تعلّم القادة الثوريون في إيران دروس الماضي جيدًا، على الأغلب، هم يتذكرون أن رضوخ محمد رضا شاه بهلوي، في وقت من الأوقات للمتظاهرين قبل عام 1979، كان من أحد الأسباب الرئيسية لسقوطه. وقتئذ، ظهر الشاه على التلفزيون الحكومي مخاطبًا المتظاهرين في الشوارع قائلاً: “لقد سمعت صوتكم، لقد سمعت صوت ثورتكم”.