الإتفاق النووي الجديد: مليارات أوروبا والعالم تبتسم للإيرانيين

رغم مطالب روسيا الأخيرة الحصول على ضمانات بأنها ستتمتع بتجارة كاملة وحرة مع إيران في حال إحياء الإتفاق النووي، تستمر الولايات المتحدة وإيران في إعلان مواقف تؤكد إمكانية التوصل إلى صفقة بشأن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الايراني لعام 2015). وقبل عودة المفاوضين إلى فيينا مرة أخرى، قالت الولايات المتحدة إن التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن إحياء الصفقة النووية ليس نهائياً أو وشيكاً، كما أعلنت استعدادها لجميع السيناريوهات.

على الجانب الآخر، تقول طهران أن صفقة إحياء الإتفاق النووي دخلت المرحلة الأخيرة. في 22 مارس/آذار،  قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في مكالمة هاتفية مع نظيره العراقي  “نحن قريبون من المرحلة النهائية للإتفاق في القضايا الرئيسية القليلة المتبقية، قدمنا مبادرات إلى الولايات المتحدة من خلال منسق الإتحاد الأوروبي، والأمر الآن متروك للجانب الأمريكي لإظهار حسن نيته”.

تريد الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الولايات المتحدة العودة للامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، وتصر طهران على ضرورة أن تقوم إدارة الرئيس جو بايدن برفع كامل للعقوبات المفروضة ضد الجمهورية الإسلامية حتى تتمكن من الاستفادة الاقتصادية الكاملة من مزايا خطة العمل الشاملة المشتركة التي نصت على تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران مقابل الحد من برنامجها النووي.

وبعد عقد من العقوبات الاقتصادية الصارمة على إيران وحرمانها من صادراتها النفطية التي تمثل الشريان الأساسي والرئيسي لاقتصاد البلاد، تنتظر طهران الحصول على المزايا الاقتصادية التي سيجلبها رفع أو تخفيف العقوبات. بالنسبة لإدارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، فإن الوصول إلى صفقة نووية جديدة يعني عودة الاستثمارات الاجنبية التي سوف تشارك بها الشركات الإيرانية المتعثرة بفعل العقوبات، كما ستحصل الحكومة على نمو سريع إلى حد ما للاقتصاد الإيراني. ففي عام 2016، وبعد دخول خطة العمل الشاملة المشتركة حيز التنفيذ، نما الاقتصاد الإيراني بنسبة 13 في المئة بعد تقلصه بنحو 1.4 في المائة فى عام 2015، وهو ما تحتاج إليه إدارة ابراهيم رئيسي بشدة هذه الايام.

عودة العائدات النفطية

حرمت سياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إيران بشكل شبه كامل من عائداتها النفطية، ما جعل القيادة الإيرانية تعيد التفكير في الاعتماد على النفط في التخطيط للموازنات العامة للحكومة، لكن ظلت إيران قادرة على تصدير ما يقرب من 1.2 مليون برميل يوميًا من النفط في عام 2021، بحسب البيانات المنشورة، وكانت الصين هي المشتري الرئيسي في تحدٍ للعقوبات الأمريكية.

يتوقع المسؤولون الإيرانيون  بعد الصفقة ارتفاع الصادرات النفطية لتصل إلى 2.5 مليون برميل يومياً، كما أن هذا التوقع والأمل زاد بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو، بالإضافة إلى تخوف الشركات الأوروبية من استيراد النفط الروسي خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية.

قبل الانسحاب الامريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي، كانت مصافي تكرير النفط في إسبانيا وفرنسا وتركيا تستورد النفط الإيراني، الآن يأمل القادة الإيرانيون والمشترون الكبار للنفط حول العالم عودة النفط الإيراني إلى الأسواق بشكل عاجل. تستطيع إيران في غضون شهور قليلة، زيادة إنتاجها النفطي بنحو نصف مليون إلى مليون برميل يوميًا، كما وتملك إيران نحو 100 مليون برميل من الخام والمكثفات في التخزين العائم والتى من الممكن أن تجد طريقها بسرعة إلى الأسواق، إذا تم إحياء الصفقة النووية. وهو ما يسهم في استقرار الأسعار في الأسواق النفطية ويوفر لإيران عائدات مالية مجزية ستلجأ لها في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والإنفاق على مشاريع البنية التحتية ودعم قطاعي التعليم والصحة.

الغاز الإيراني إلى أوروبا

يأمل المسؤولون الإيرانيون في أن يجدوا مكاناً مميزاً بين مصدري الغاز إلى أوروبا بعد العقوبات المفروضة على روسيا، تمتلك إيران واحدة من أكبر احتياطات الغاز في العالم، وكانت قد كافحت فى السابق من أجل تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، حاولت إيران الانضمام إلى المشروع الضخم المتمثل في خط أنابيب نابوكو لنقل الغاز الطبيعي من تركيا الى النمسا، لكن روسيا أوقفت طموحات إيران ورفضت انضمامها.

تحتاج أوروبا الغاز بشكل ملح ويسعى الأوربيون إلى خلق بدائل أخرى للحصول على الغاز، ولئن كانت إيران من الناحية الفنية، ليست جاهزة لنقل الغاز المسال إلى أوروبا، إلا أن عودة إيران إلى السوق الدولية ستعزز من الاستثمارات الأجنبية في البنية التحتية للطاقة، ما يُمكّن إيران في غضون سنوات قليلة من تصدير الغاز إلى أوروبا بكميات تجارية. وكانت طهران قد أجرت مؤخراً محادثات مع الحكومة القطرية لدراسة كيفية نقل الغاز الإيراني بمساعدة قطرية إلى أوروبا. يذكر أنه وفي العام الماضي، وقعت كل من طهران وبكين، اتفاقية استراتيجية تمتد إلى 25 عاماً، من أهم بنود الإتفاقية استثمار الصين في تطوير حقول النفط والغاز الإيرانية.

زيادة التجارة، استقرار العملة، وانخفاض التضخم

في الثلاث أشهر الأولى من عام 2016  ومع دخول الإتفاق النووي حيز التنفيذ، استطاعت إيران زيادة نشاطها التجاري بشكل لافت فتخطى حجم صادرات إيران نحو 54 في المائة. وعليه، من المتوقع بعد العودة للإتفاق ورفع العقوبات أن تعود الصادرات إلى الزيادة، هذا الأمر له أهمية كبيرة في استقرار العملة المحلية التي فقدت نحو 62 في المئة من قيمتها منذ انسحاب واشنطن من الإتفاق. يؤمن استقرار الريال الإيراني، انخفاض التضخم نتيجة لانخفاض أسعار السلع المستوردة التي ستصبح أقل تكلفة إذا استعاد الريال الإيراني  قيمته. هناك أيضا فائدة أخرى توفرها رفع العقوبات وهي امكانية وصول البنك المركزي الايراني إلى احتياطات النقد الأجنبي التي تقدر بنحو 120 مليار دولار، ما سيساعد التجار على تقليل التكلفة التي يتكبدونها لاستيراد المنتجات والسلع الغذائية واستعادة القدرة الشرائية للإيرانيين.

رفع الأجور واستقرار الحياة المعيشية

يضمن رفع أو تخفيف العقوبات عن الجمهورية الإسلامية عودة الشركات والبنوك الأوروبية إلى الأسواق الإيرانية، وهو ما يساعد في ضخ الأموال في القطاع الخاص الإيراني ورفع الأجور وتقليل نسب البطالة. تحتاج فوائد عودة الاستثمار الأجنبي إلى السوق الايراني إلى بعض الوقت لكنها، دون شك، ستؤثر بشكل تدريجي على استقرار الحياة المعيشية للإيرانيين وشركات القطاع الخاص أيضاً.

لا تهديدات بالمزيد من الحروب

إلى جانب الفوائد الاقتصادية التي تنتظرها إيران من عودة الإتفاق النووي الإيراني، يوفر الإتفاق ضمانات معتبرة في عدم انجرار البلاد إلى أي صراعات مسلحة مع الولايات المتحدة. منذ انسحاب ادارة الرئيس دونالد ترامب من الإتفاق النووي كانت وتيرة التصعيد بين واشنطن وطهران تزداد يومًا بعد يوم. العودة إلى الإتفاق تؤمن تحد من فرص نشوب أي صراع عسكري كارثي في المنطقة، لذلك فان نجاح محاولات إحياء الصفقة النووية ورفع العقوبات عن إيران يضمن استقرار المنطقة ونموها اقتصادياً.

اشكالية الحرس الثوري

تتمسك طهران بضرورة رفع الحرس الثوري من القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة التي كانت أدرجته إدارة الرئيس ترامب على قوائم الإرهاب عام 2019. إذا نجحت طهران في مساعيها، فإن الإتفاق يوفر للحرس الثوري عودة اقتصادية قوية تمكنهُ من استعادة مكانته المالية واستكمال مشاريعه الاقتصادية.

تمثل الفوائد الاقتصادية السريعة التي يحققها إحياء الإتفاق النووي حافزاً قوياً لإيران للامتثال بالتزاماتها النووية بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، كما أن تخفيف العقوبات سيمكنها من التطبيع الاقتصادي مع الدول الأوروبية والعالم وامكانية استكمال مشاريع وصفقات تجارية معطلة، في مقدمتها استثمارات النفط والغاز وشراء الطائرات المدنية لتحديث قطاع الطيران المدني المتهالك في إيران. بقى أن نشير إلى أن الإتفاق يمنح إدارة إبراهيم رئيسي والمعسكر الأصولي دفعة لاستكمال مشروعهم في السيطرة على كافة مراكز القوى في الدولة واستمرارهم في السلطة على حساب المعسكر الإصلاحي الذي يمر بواحدة من أصعب أيامه.

منشورات أخرى للكاتب