تحالف إيران وروسيا في اختبار الإتفاق النووي وحرب أوكرانيا: هل يصمد؟

في الساعات الأولى من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، ليطلعه على “العملية العسكرية الخاصة”، وفي هذه المكالمة أظهر الرئيس الإيراني الدعم الكامل لروسيا، مؤكداً أن الجمهورية الإسلامية تتفهم المخاوف الأمنية الروسية جراء أفعال حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المنطقة.
بدورها، أكدت الخارجية الايرانية على ضرورة التوصل إلى حلّ سلمي ودبلوماسي ووقف سريع لإطلاق النار، بالاضافة إلى تفهمها للمخاوف الأمنية الروسية، أما المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، فوصف ما يحدث في اوكرانيا بأنه “نتيجة للسياسات الأمريكية”.
تساند أغلب وسائل الإعلام الإيرانية، التحرك العسكري الروسي. وهذا الدعم لم يكن مستغربًا، خاصة وأن الغزو الروسي لأوكرانيا جاء في ذروة توسيع العلاقات بين طهران وموسكو في بعهد رئيسي الذي زار موسكو يناير الماضي في زيارة وصفها الإيرانيون بنقطة تحول تاريخية في تاريخ العلاقات بين البلدين.

الصورة ليست مثالية دائماً


أثناء حكم فتح علي شاه، دخلت روسيا في حروب مع سلالة ال قاجار وتم توجيه ضربة قاسية للبنية التقليدية للسلطة السياسية في إيران آنذاك. نتج عن ذلك معاهدتي جولستان عام 1813 وتركمانجاي عام 1828. جراء ذلك، فقدت إيران الكثير من أراضي بلاد فارس، بما في ذلك أذربيجان، أرمينيا، داغستان، وأجزاء من تركيا الحديثة وجورجيا.
وحين صعدت الأسرة البهلوية إلى الحكم في ايران، ظل الحذر بين البلدين سيد الموقف. بمرور الوقت، أصبح الشيوعيون في إيران تحت تأثير الدولة الشيوعية في الإتحاد السوفيتي، أهم وأبرز أعداء محمد رضا شاه، آخر ملوك إيران. وبانتصار الثورة الإيرانية عام 1979 ، ووصول رجال الدين إلى السلطة في الجمهورية الإسلامية الوليدة، وقبل سقوط الإتحاد السوفيتي، كان المسؤولون الإيرانيون مترددين في توسيع العلاقات مع روسيا الشيوعية، كما أن الإرث الروسي في بلادهم واتباع الجمهورية الإسلامية لسياسة خارجية مستقلة متمثلة في مبدأ “لا للشرق ولا للغرب” زاد من الفجوة بين موسكو وطهران.
كان من الطبيعي أن يقف الإتحاد السوفيتي بجانب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في غزوه لإيران، وهو ما ساهم انعدام ثقة الإيرانيين، قادة وشعباً، في الجارة الشمالية.

واشنطن “العقبة”


بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، بدأت علاقة طهران وموسكو تأخذ منعطفاً جديداً، لكن دائماً ما كانت الولايات المتحدة العقبة في تطور هذه العلاقات وتحسّنها، خاصة وأن موسكو اتخذت من الجمهورية الإسلامية وسيلة للتأثير على الملعب الجيوسياسي بدلاً من العلاقات الثنائية. في الوقت ذاته، كان هناك صراع داخلي في إيران، بين مؤيد ومعارض للانفتاح على الغرب.
ولا شك أن بعض مواقف روسيا زادت من تأزم الثقة بين طهران وموسكو عدة مرات، منها توقيع موسكو وواشنطن اتفاقية غور تشيرنوميردين (1995) التي بموجبها وافقت الحكومة الروسية على وقف تصدير الإمدادات العسكرية الروسية إلى إيران. كذلك وقف بيع أي أسلحة أو أنظمة دفاعية إلى إيران، مقابل الحصول على الدعم المالي والمساعدات الاقتصادية الأمريكية لروسيا.
في عام 2000، أفصحت الولايات المتحدة عن التفاصيل السرية لهذه الإتفاقية، ما أضر بشكل كبير بالعلاقة الآخذة في التطور بين ايران وروسيا، حينها أدرك الايرانيون أن موسكو لا يمكن الوثوق بها طالما هي تحاول تحسين علاقاتها بالولايات المتحدة وتعتبر ذلك الأولوية المطلقة لسياساتها الخارجية.
في عام 2006، حاولت كل من طهران وموسكو الشروع في خطوات جديدة لإعادة الثقة، وبدأ تعاون طفيف في مجال الطاقة. هذا التوقيت، كان مهمًا بالنسبة لموسكو التي كانت قلقة من النوايا الأمريكية في نشر أنظمة دفاع صاروخي جديدة في أوروبا الشرقية ومحاولات واشنطن إقناع جورجيا وأوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. رغم ذلك، وحين أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك اوباما، عن نيته تحسين العلاقات مع روسيا، ذهبت موسكو إلى الجانب الامريكي مجدداً وصوتت على قرار مجلس الأمن رقم 1929 لعام 2010، الذي كان البداية لفرض عقوبات اقتصادية ضد إيران. بالاضافة إلى رفض موسكو تسليم طهران أنظمة صواريخ S-300 التي طال انتظارها.

ربيع موسكو وطهران

بعد عام 2011 أعادت موسكو النظر في توازنات علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل. نتيجة لذلك، عملت موسكو على تحسين علاقاتها مع طهران والتنسيق معها في العديد من القضايا مثل الصراع في ناغورنو كاراباخ والعراق وأفغانستان.
وقتئذ؛ أصبحت سياسة روسيا تجاه الغرب متوافقة مع سياسات إيران المعادية للولايات المتحدة ودول الغرب، بدأت روسيا تنظر إلى طهران باعتبارها شريكاً استراتيجياَ هاماَ في المنطقة.
في عام 2013 ومع بدء المفاوضات الدولية مع إيران لإيجاد حل لبرنامجها النووي، انتظرت طهران من موسكو أن تكون حليفة جديرة بالثقة في المفاوضات، وهو ما حدث، خاصة وأن روسيا كانت مازالت تنظر إلى إيران النووية بعين متشككة، صحيح أن موسكو استخدمت بطاقة المفاوضات النووية وضغطت على وشنطن للحصول على بعض التنازلات والصمت تجاه العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا في عام 2014 وضم شبه جزيرة القرم، إلا أنها لعبت دورا فعالًا في إبرام الإتفاق النووي الإيراني الذي حد من البرنامج النووي لطهران مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.

انهيار الاتفاق النووي، وسياسية النظر الى الشرق

مع قرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، (2018) الانسحاب أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يعرف بالاتفاق النووي الايراني، انهارت ثقة الإيرانيين في واشنطن وحلفائها وبدأت في إتباع سياسة جديدة، كان المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، قد أشار إليها مراراً، عندما نصح إدارة الرئيس المعتدل السابق، حسن روحاني قائلاً “أنظر إلى الشرق”.
صحيح أن إدارة حسن روحاني، كانت تضع كامل آمالها على الإتفاق النووي والانفتاح على الغرب، لكن مع سياسة الضغط الأقصى التي اتبعتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وحجم العقوبات الهائلة التي فرضت على طهران، بدأت إدارة روحاني في الأشهر الأخيرة في توسيع علاقاتها مع روسيا والنظر إليها كشريك استراتيجي مهم.
وصول، إبراهيم رئيسي، رجل الدين المحافظ إلى السلطة (يونيو 2021) جاء في وقت كانت جميع مراكز القوة في الدولة الإيرانية في أيدي حلفائه الأصوليين. الأصوات المؤيدة لروسيا في إيران ركزت على أهمية تعميق العلاقات مع موسكو. كان تنفيذ استراتيجية “النظر إلى الشرق” مخالفة تمامًا لنظرية الاستقلال في السياسية الخارجية التي وضعها مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني، والمتمثلة في “لا للشرق ولا للغرب”، لكن الأمور تغيرت وأدرك حكام إيران من الأصوليين، أن روسيا بوتين غير روسيا القيصرية أو الشيوعية، وأن موسكو هي شريك لإيران في مناهضة الولايات المتحدة والغرب. يضاف لذلك مطامع طهران في التزود بالأسلحة الروسية لرفع كفاءتها التي أنهكتها العقوبات وحظر شراء الأسلحة. وعليه، يمكن القول أن العلاقات الروسية الايرانية في عهد الرئيس رئيسي، قد دخلت بالفعل مرحلة جديدة.

إيران الجديدة: تؤيد الغزو

لطالما كانت إيران تؤكد تبنيها سياسة عدم دعم أي هجوم عسكري لأي دولة ضد أي دولة أخرى، كما فعلت مع غزو العرق للكويت مطلع التسعينات من القرن الماضي، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا سوف يُساهم في زيادة توسيع العلاقات الروسية الإيرانية.
من ناحية، يوفر الغزو الروسي لأوكرانيا أرضاً خصبة للأصوليين والمتشددين في إيران للتأكيد على نظريتهم التي تدعو إلى عدم الثقة في الغرب، وأن أي دولة تقوم بطلب الحماية من الولايات المتحدة سيكون مصيرها في النهاية التخلي كمصير أوكرانيا. من ناحية أخرى، يزيد تحدي روسيا للغرب والعقوبات من فرص التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي بين موسكو وطهران، خاصة وأن الأخيرة خاضت تجربة العقوبات من قبل وتعلم كيفية التعامل والتأقلم مع اقتصاد مكبل بالعقوبات. الأكثر من ذلك، هو أن الولايات المتحدة ودول الغرب تبدو متلهفة لتدفق النفط الإيراني في الأسواق لتعويض النقص في الامدادات وارتفاع أسعار النفط.
فى الوقت ذاته، ترى موسكو في طهران شريكاً قوياً أكثر من أي وقت مضى، حتى وإن كانت هذه النظرة مشوبة بشيء من الاستغلال. على سبيل المثال، تُعتبر طهران بطاقة قوية لروسيا لاستخدامها ضد الغرب للحصول على بعض التنازلات، وهو ما حدث بالفعل فى المفاوضات النووية في فيينا، عندما طالب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في وقت مبكر من الشهر الجاري، الحصول على ضمان مكتوب من الولايات المتحدة بأن العقوبات المفروضة على موسكو جراء الغزو العسكري لأوكرانيا لن تؤثر على التعاون الكامل والحر في المجالات التجارية والاقتصادية والفنية مع إيران، في حال العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني.
لم توافق طهران على المطالب الروسية لكنها لم تعارضها أيضاً، لا تستطيع طهران التخلي عن موسكو في هذا الوقت الصعب حتى وإن كان المقابل رفع العقوبات الاميركية عنها. في الحقيقة، لا تثق إيران في أن الإدارة الأمريكية المقبلة سوف تلتزم بالإتفاق النووي. لذلك، لا تريد خسارة الحليف الروسي في رهان غير مضمون.

تخطط طهران لعلاقة استراتيجية مع موسكو. فالبلدان بصدد التحضير لوثيقة تعاون طويلة الأمد، وهي بمثابة خارطة طريق للعلاقات الاستراتيجية بينهما لمدة 20 عاماً.

من المنتظر أن تشمل الوثيقة التعاون في مجالات الطاقة والتسليح والتعاون الاقتصادي والنووي. وبعد التوتر بين روسيا ودول الغرب، من المرجح أن تزداد أوجه التعاون لتشمل مجالات أوسع. يبقى أن نشير إلى أن تغييراً دراماتيكياً في سياسيات الولايات المتحدة تجاه إيران قد يقلب هذه التوازنات والخيارات والأولويات كلها رأساً على عقب.

منشورات أخرى للكاتب