ارتفاع الإيرادات غير النفطية في عُمان: الضرائب

تسعى رؤية عمان 2040 إلى زيادة الإعتماد على الإيرادات غير النفطية. هناك إشارات واضحة إلى إمكانية تحقيق هذا الهدف في المستقبل القريب خاصة في الميدان الضريبي، لكنّ خطة التوازن المالي إستهدفت معدلاً غير طموح لهذه الإيرادات غير النفطية.
تدعو خطة التوازن المالي التي تمثل الجانب الأهم في رؤية عمان إلى تنويع مصادر الإيراد العام بطريقتين أساسيتين: الطريقة الأولى تحسين عوائد الصندوق السيادي. والطريقة الثانية زيادة حصيلة الضرائب. فهي تهدف إلى رفع مساهمة الإيرادات غير النفطية من 28% من الإيرادات الكلية في عام 2020 إلى 34% منها في عام 2024.
وتدعو الخطة من جانب آخر، إلى ترشيد الإنفاق العام عن طريق إعادة النظر في الرواتب والتوظيف من ناحية، والدعم من ناحية أخرى.
لكنّ الجدول الذي وضعته الخطة يبيّن بوضوح سعي سياسة الدولة إلى زيادة الإيرادات العامة من 8600 مليون ريال في عام 2020 إلى 12095 مليون ريال في عام 2024، أي بنسبة 40.6% في حين تبلغ النفقات العامة 12660 مليون ريال في عام 2020 و12632 مليون ريال في عام 2024، أي أن النفقات تنخفض بنسبة ضئيلة لا تستحق الذكر.
وفق هذه المعطيات يهبط العجز المالي من 2196 مليون ريال إلى 537 مليون ريال، أي من 15.8% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.7% منه.
هنا لابد إذاً من طرح سؤالين: هل هناك فعلاً إمكانية لتحقيق هذا الهدف؟ وما هي تداعياته على البلد وعلى المواطنين؟
عند الرجوع إلى ميزانية العام الجاري نلاحظ أنها استطاعت تقليص العجز بصورة كبيرة حيث انتقل من 4196 مليون ريال في العام السابق إلى 2240 مليون ريال في العام الحالي. ولكن لا بد من الإشارة إلى ثلاث ملاحظات: الملاحظة الأولى أن هذه النتيجة الأولية على عكس منطلقات الخطة لم تتحقق بارتفاع الإيرادات بل بتقليص النفقات. والملاحظة الثانية أن حجم العجز للعام الجاري تقديري، ولابد من انتظار الحساب الختامي للتعرف على العجز الفعلي الذي غالباً ما يتجاوز العجز التقديري. والملاحظة الثالثة أن جهود الدولة في تقليص العجز لعام 2021 ليست بالقدر الكافي، فهو لا يختلف كثيراً عن حجم العجز في عام 2019.
أما تداعيات تخفيض العجز بالطريقة المتبعة في عمان فستكون سلبية.
لا شك أن النفقات العامة انخفضت بشكل كبير في عام 2021 مقارنة بعام 2019. وأن هذا الانخفاض شمل جميع الوزارات المدنية والعسكرية. لكنه شمل أيضاً وبصورة خاصة المصروفات الاستثمارية التي انتقلت من 2757 مليون ريال إلى 900 مليون ريال أي تراجعت بنسبة 67.3%، في حين لم تنخفض النفقات العسكرية إلا بنسبة 11.7%.
وبهذا الصدد، قدمت خطة التوازن المالي تبريراً غير مقنع إطلاقاً لهذا الإنخفاض الهائل في الإنفاق الإستثماري. فقد ذكرت بأنه ناجم عن اكتمال المشاريع ووصول البنية التحتية العمانية إلى “مستوى متميز من التكامل والشمولية”. في حين تتطلب السياسة المالية الرشيدة التوسع في المصروفات الإستثمارية حتى في حالة العجز المالي، لأن هذه المصروفات تسهم في التوازن الاقتصادي وهو الهدف الأسمى للأدوات المالية.
تعتمد هذه الخطة اعتماداً أساسياً على الضرائب في تمويل الإنفاق العام وتغطية عجز الميزانية، وستشهد حصيلتها ارتفاعاً كبيراً في السنوات القليلة القادمة.

زيادة الحصيلة الضريبية
يتكون النظام الضريبي العماني من خمس ضرائب رئيسة.
1- الضريبة على دخل الشركات.
تخضع الشركات لأسعار ضريبية تختلف حسب حجمها وأنشطتها. 15% هو السعر الذي يفرض على الشركات عادة، كما تخضع الشركات الصغيرة لسعر 3%. ويسري سعر 10% على أرباح الشركات المتأتية من الأسهم والفوائد، أما السعر الأعلى وقدره 55% فينحصر بالشركات النفطية.
تم توسيع وعاء هذه الضريبة وإلغاء الإعفاءات التي كانت مقررة بموجب المرسوم السلطاني رقم 9 الصادر في عام 2017، وقدرت حصيلتها بمبلغ 400 مليون ريال في عام 2021 أي 24.6% من الإيرادات الضريبية.
2- الرسوم الجمركية.
تفرض بسعر 5% على السلع المستوردة وذلك بموجب الاتفاقية الخليجية الموحدة. بلغت حصيلتها 265 مليون ريال في عام 2021 أي 16.3% من الإيرادات الضريبية.
3- الرسوم على العمال الأجانب.
وهي تفرض على استقدام العمال الأجانب وتجديد تراخيص عملهم. سجلت هذه الرسوم هبوطاً حاداً حيث انتقلت من 583 مليون ريال في عام 2019 إلى 230 مليون ريال في عام 2021. ويعود هذا الانخفاض إلى عاملين: العامل الأول إجراءات تخفيض العبء الضريبي بسبب وباء كورونا. والعامل الثاني عودة عدد من الأجانب إلى بلدانهم.
4- الضريبة الانتقائية.
فرضت بموجب إتفاقية خليجية موحّدة. وبدأ العمل بها اعتباراً من منتصف عام 2019. وهي تفرض على السلع الضارة بالصحة، فتسري بسعر 50% على المشروبات الغازية وبسعر 100% على السجائر ومشروبات الطاقة والمشروبات الكحولية.
5- الضريبة على القيمة المضافة.
وهي أحدث ضريبة في عمان. طبقت اعتباراً من أبريل 2021. سعرها نسبي وموحد قدره 5%. وهو السعر المنصوص عليه في الإتفاقية الخليجية الموحدة. وقدرت وزارة المالية حصيلتها للعام الجاري بمبلغ 300 مليون ريال أي 18.5% من الإيرادات الضريبية.

إضافة إلى هذه الضرائب الخمس تطبق عمان رسوماً أخرى كرسوم المعاملات العقارية والرسوم البلدية على الإيجارات ورسوم الفنادق.
في عام 2011 كانت حصيلة الضرائب والرسوم 729 مليون ريال أي 44.1% من الإيرادات غير النفطية، أي 6.8% من الإيرادات الكلية للدولة. وفي عام 2019 ارتفعت لتصل إلى 1442 مليون ريال أي 48.1% من الإيرادات غير النفطية و13.6% من الإيرادات الكلية.
خلال هذه الفترة تضاعفت حصيلة الضرائب من حيث حجمها ومن حيث علاقتها بالإيرادات العامة. جاء هذا الإرتفاع نتيجة تفاعل عاملين: أولهما هبوط الإيرادات النفطية. وثانيهما التعديلات التي أجريت على النظام الضريبي والتي أفضت إلى زيادة حصيلته.
من المعلوم أنّ خطة التوازن المالي أكدت على ضرورة الإعتماد على الإيرادات غير النفطية بطرق عديدة منها إصلاح الإدارة الضريبية وتحسين أنظمة الجباية وتطوير آليات التحصيل. ولكن على الصعيد العملي حدث تطور لا يتفق مع أهداف هذه الخطة. فقد انتقلت الإيرادات الضريبية من 1442 مليون ريال في عام 2019 إلى 1199 مليون ريال في عام 2020.
ترى لماذا هبطت الحصيلة؟
أثّر وباء كورونا سلبياً على جميع الأنشطة الاقتصادية. ولمّا كانت حصيلة الضرائب تعتمد اعتماداً أساسياً على هذه الأنشطة يصبح من البديهي أن تهبط هذه الحصيلة بهبوط الأنشطة.
أضف إلى هذه الملاحظة العامة الإجراءات المالية التي اتخذتها الدولة لمواجهة هذا الوباء. ففي 9 مارس 2021، تم إقرار “خطة التحفيز”، التي تتضمن خمسة محاور منها محور الضرائب والرسوم. وبموجبه تقرر إعفاء الشركات من الضريبة على الدخل للسنتين 2020 و2021. كما طبقت إجراءات ضريبية أخرى ترتبط بعدد سنوات ترحيل خسائر الشركات الناجمة عن الوباء. وكذلك تخفيض الرسوم المفروضة على الشركات فيما يخص العمالة الأجنبية.
وعلى عكس هذا الاتجاه سترتفع حصيلة الضرائب في العامين الجاري والقادم نتيجة تفاعل أربعة عوامل:
1- خطة التوازن المالي التي تسعى إلى تنويع مصادر الإيراد العام. ويجري التركيز على عوائد الاستثمارات الحكومية والضرائب.
2- معالجة وباء كورونا وما يترتب عليه من التوقف عن منح الإعفاءات الضريبية التي أقرت بموجب خطة التحفيز.
3- التطبيق الكامل للضريبة على القيمة المضافة. إذ لم تطبق هذه الضريبة في الربع الأول من العام الجاري.
4- تطبيق ضريبة الدخل. ستكون عمان أول دولة في مجلس التعاون تفرض ضريبة على دخل الأفراد.لكنها حالياً في مرحلة الدراسة.
في مرحلتها الأولى ستقتصر هذه الضريبة على أصحاب المداخيل المرتفعة وبأسعار منخفضة نسبيًا. لكنها ستتوسع لتشمل أصحاب الدخول المتوسطة وسترتفع أسعارها تدريجياً خاصة إذا انخفضت العوائد النفطية وازدادت النفقات العامة. عندئذ ستلعب هذه الضريبة دوراً بارزاً في مالية الدولة. وستكون التجربة العمانية في هذا المضمار حافزاً أمام الدول الخليجية الأخرى في تبني الضريبة على مداخيل الأفراد.
من المعلوم أن حصيلة الضرائب الأخرى تمول مصروفات الدولة دون تخصيص. وهذه القاعدة معروفة في العلوم المالية (قاعدة عدم التخصيص): إيرادات مصدر معين لا تمول مرفق معين بل جميع المرافق. لكنّ خطة التوازن المالي قررت غير ذلك فيما يخص حصيلة الضريبة على الدخل المرتفع. حيث نصت على تخصيص هذه الحصيلة لتمويل البرامج الاجتماعية. ويبدو أن هذا القرار يحاول امتصاص الاستياء الناجم عن تطبيق هذه الضريبة غير المعروفة في دول الخليج.
وبمقابل هذه العوامل هنالك عوامل أخرى مضادة تتجلى في “مبادرات الحماية الاجتماعية”. ومن بينها إعفاء بعض الفئات الاجتماعية من الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على الكهرباء والمياه والوقود، وإعفاء قائمة جديدة من السلع الغذائية من هذه الضريبة.
ولكن تأثير هذه المبادرات التي اتخذت في العام الجاري سوف تكون ضعيفة مقارنة بالعوامل الأربعة المذكورة آنفا، وبالتالي سترتفع حصيلة الضرائب اعتباراً من العام القادم.

الاستهداف السهل
رغم تلك العوامل الضريبية والتنظيم الجديد للصندوق السيادي لا تستهدف خطة التوازن المالي سوى زيادة ضئيلة نسبياً للإيرادات غير النفطية. ففي عام 2019، بلغت هذه الإيرادات 3000 مليون ريال، أي 28% من الإيرادات الكلية للدولة. وحسب الخطة سترتفع الإيرادات غير النفطية لتصل في عام 2022 إلى 3676 مليون ريال. أي بزيادة قدرها 22%، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بتلك الإجراءات.
لاشك أن الخطة ستحقق هدفها لسهولته، وهو ما يعني النجاح الذي يمكن توظيفه من الناحية السياسية.
في الواقع، ينبغي تحديد الهدف بصورة دقيقة تتناسب مع الإجراءات الحالية والمستقبلية واعتبارات الحاجة. كما يتعين أن تقود هذه الإجراءات والاعتبارات إلى إصلاحات ممكنة التطبيق والتي بدورها تؤدي إلى وضع مالي أفضل. النسبة المستهدفة التي تعادل الوضع المالي تقريبا لا معنى لها لأنها متحققة أساسا، والنسبة المستهدفة العالية جداً قياساً بتلك الإجراءات والحاجة لا جدوى منها لاستحالة تنفيذها. والحالة الأولى تنطبق على عمان.
ومن زاوية أخرى حددت خطة التوازن المالي النسبة المستهدفة لمجموع الإيرادات غير النفطية طيلة الفترة بين 2021 و2024 دون الإشارة إلى حصيلة الضرائب وأرباح الصندوق السيادي والإيرادات غير النفطية الأخرى. إذ اكتفت بذكر النسبة المستهدفة وقدرها 35% من الإيرادات العامة.
وهذه الملاحظة تنطبق أيضاً على رؤية عمان 2040 التي تستهدف مجموع الإيرادات غير النفطية وقدرها 15% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030 و18% منه في عام 2040، ولم تفرق إطلاقاً بين الإيرادات الضريبية وغير الضريبية.
نهاية، ستزداد الإيرادات غير النفطية نتيجة تقليص المصاريف التشغيلية للمؤسسات التابعة لصندوق الاستثمار العماني من جهة والإجراءات الضريبية التي تتناول الجانبين القانوني والإداري من جهة أخرى. لكنّ خطة التوازن المالي لا تستهدف سوى زيادة ضئيلة، بالتالي ستستمر الدولة في الإعتماد على العوائد النفطية. وعلى هذا الأساس فأن أي انخفاض في أسعار النفط سيقود بالضرورة إلى ارتفاع العجز المالي لأن مسقط لا ترغب في تقليص النفقات العامة خاصة العسكرية.

منشورات أخرى للكاتب