ارتفاع الإيرادات غير النفطية في عُمان: الصندوق السيادي
تهتم جميع الخطط الاقتصادية في بلدان مجلس التعاون الخليجي بتنمية الإيرادات غير النفطية. وهذا الاهتمام ليس جديدًا، بل يعود إلى عقود عدة. من الخطأ الإعتقاد بأن دول الخليج فشلت كلياً في تحقيق هذا الهدف رغم دور العوائد النفطية في تمويل القسم الأكبر من الإنفاق العام وفي تحريك مختلف الأنشطة الاقتصادية. استطاعت هذه البلدان على أقلّ تقدير توفير الأموال لإنشاء صناديق سيادية تحتلّ مراتب الصدارة على الصعيد العالمي. وأصبحت أصولها تفوق الناتج المحلي الإجمالي، وتدرّ أرباحاً طائلة من استثماراتها الخارجية في الأسهم والسندات والعقارات.
وبسبب استمرار العجز المالي وتراجع الإيرادات النفطية خاصة بعد وباء كورونا إزداد اهتمام بلدان الخليج بمصدر آخر للإيراد العام غير النفطي المتمثل في الضرائب. فطبقت الضريبة الإنتقائية والضريبة على القيمة المضافة. وظهر لدى البعض إتجاه جديد يرمي إلى إصلاح الجهاز الإداري وكذلك إلى تبني الضريبة على دخل الأفراد.
في عمان، لم تعد عوائد النفط والغاز كافية لتمويل الإنفاق العام. وبات من اللازم تنمية الإيرادات الأخرى المتمثلة بالدرجة الأولى في أرباح صندوق الإستثمار العماني وحصيلة الضرائب.
الفشل المالي لدول المجلس وخاصة عمان لا يتأتى من عدم اهتمامها بالإيرادات غير النفطية. بل من أمرين أساسيين: أولهما عدم استغلال الإيرادات العامة في التطوير التكنولوجي وتنمية الصناعة المحلية. وثانيهما استخدام واسع لهذه الإيرادات في استيراد الأسلحة وشراء الخدمات العسكرية.
انتقلت عوائد النفط والغاز الطبيعي العمانية من 7998 مليون ريال في عام 2019 إلى 5420 مليون ريال في عام 2021. وأسهم هذا الانخفاض في تزايد المديونية العامة خاصة الخارجية وما يترتب عليها من تداعيات سلبية وخطيرة.
لذلك أكدت رؤية عمان 2040، وخطة التوازن المالي متوسطة المدى 2020-2024، على ضرورة تقليص الإعتماد على تلك العوائد بزيادة مساهمة الإيرادات غير النفطية في تمويل الإنفاق العام. فأشارت الرؤية إلى العمل على زيادة الإيرادات غير النفطية من 9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 إلى 18% منه في عام 2040. ودعت الخطة إلى تنويع مصادر التمويل بطريقتين في آن واحد: الأولى عبرتعزيز عوائد الاستثمارات الحكومية المتمثلة بأرباح صندوق الاستثمار العماني، والثانية زيادة حصيلة الضرائب المباشرة وغير المباشرة. لكن بالطبع لابد من إصلاحات قانونية وإدارية لتنفيذ هذا التنويع.
في العام الجاري قدرت الإيرادات الكلّية للدولة بمبلغ 8640 مليون ريال. منها إيرادات غير نفطية قدرها 3220 مليون ريال، تأتي من مصدرين:
المصدر الأول: الإيرادات الجارية.
وهي 3000 مليون ريال، أي 37.2% من الإيرادات العامة و93.1% من الإيرادات غير النفطية. وتنقسم بدورها إلى قسمين: ضريبية وغير ضريبية.
المصدر الثاني: الإيرادات الرأسمالية.
وهي 220 مليون ريال، أي 2.5% من الإيرادات العامة و6.9% من الإيرادات غير النفطية.
تتأتى الإيرادات الجارية غير الضريبية من عدة مصادر أهمها إيرادات المطارات وخدمات الإتصالات وبيع المياه والغرامات وأرباح الاستثمارات الحكومية.
خلال الفترة بين 2011 و2020، شهدت هذه الإيرادات إستقرارًا في حجمها البالغ في نهاية الفترة 888 مليون ريال، أي ما يعادل 10.4% من الإيرادات الكلية و32.8% من الإيرادات غير النفطية. لكنّها سجلت إرتفاعاً كبيراً في العام الجاري حيث قدرت بمبلغ 1379 مليون ريال. وباتت تشكل إذاً 15.9% من الإيرادات الكلية و42.8% من الإيرادات غير النفطية. ويعود السبب الأساس في هذا الإرتفاع إلى تحسّن أرباح الإستثمارات الحكومية أي أرباح الصندوق السيادي.
تنظيم جهاز الإستثمار العماني
بموجب المرسوم السلطاني رقم 61/2020 الصادر في 4 يونيو 2020، تمّ دمج صندوق الإحتياطي العام مع صندوق عمان للإستثمار بمؤسسة واحدة أُطلق عليها إسم جهاز الإستثمار العماني. كما قرر المرسوم إلحاق الشركات الإستثمارية التابعة لوزارة المالية بهذا الجهاز باستثناء شركة تنمية نفط عمان.
يعتمد التنظيم الجديد على عمليات دمج الشركات. وخلال السنوات الماضية أُلحقت 79 شركة مملوكة للدولة بالصندوق السيادي وبشركات النفط والغاز. بمعنى أنّ الدولة تسعى إلى تخفيض المصاريف الإدارية، الأمر الذي يؤدي إلى تحسن الأرباح الصافية. ودعت رؤية عمان 2040 إلى ضرورة تقليص عدد الشركات الحكومية.
تبلغ أصول جهاز الإستثمار العماني 17 مليار دولار. وهو بذلك يحتل المرتبة الخليجية التاسعة. أما على الصعيد العالمي فيحتل المرتبة رقم 38. ويستثمر الجهاز أمواله في أسهم الشركات الأجنبية بالدرجة الأولى، تليها السندات العالمية والعقارات. وحسب الموقع الرسمي للجهاز يبلغ العائد السنوي 7% من الأصول.
كما ذكرنا، أدّت عمليات الدمج إلى تقليص المصاريف الإدارية، الأمر الذي يؤثّر بصورة إيجابية على النتائج الحسابية للشركات التابعة للجهاز، ولكن هذه العملية قادت إلى تراجع التوظيف، كما أن الكثير من الشركات المدمجة تقدم خدمات عامة للمواطنين، وبالتالي فهي لا تحقق ربحاً بل تسجّل خسارة.
من زاوية أخرى تعتمد مالية الدولة على جهاز الإستثمار العماني من بابين:
الباب الأول: الأرباح.
بلغت 800 مليون ريال في عام 2021. ويعادل هذا المبلغ 9.2% من الإيرادات العامة و24.8% من الإيرادات غير النفطية و58,1% من الإيرادات غير الضريبية.
الباب الثاني: تمويل العجز.
يحتل السحب من الإحتياطي العام المرتبة الثالثة في تمويل عجز الميزانية بعد القروض الخارجية والقروض المحلية. وفي عام 2021 بلغ هذا السحب 600 مليون ريال. ولمّا كان صندوق الإحتياطي العام مدمجاً في جهاز الإستثمار العماني، فأن السحب من الإحتياطي العام يعني السحب من الصندوق السيادي، الأمر الذي يؤثر سلبياً على قدرته المالية وبالتالي على حجم أرباحه.
تعاني عمان من تدني درجة التصنيف الإئتماني الممنوحة لها من قبل الوكالات الدولية المتخصصة. ما يؤثرسلبياً على قرارات المستثمرين الأجانب، ويقود كذلك إلى تصاعد كلفة الإقتراض الخارجي لا سيما أسعار الفائدة، لذلك تحاول الدولة العمل على تحسين هذه الدرجة بشتى الوسائل.
يرى البعض أن توحيد صندوق الإحتياطي العام وصندوق عمان للإستثمار، إضافة إلى دمج الشركات، وتقليص النفقات التشغيلية، تقود إلى ارتفاع أصول جهاز الإستثمار العماني، ثم إلى زيادة أرباحه، عندئذ تتحسن الإيرادات غير النفطية، وهكذا ووفق هذا الرأي ستعيد تلك الوكالات النظر في موقفها فتمنح عمان درجة أعلى.
في الواقع هذا الاستنتاج غير دقيق لثلاثة أسباب:
السبب الأول: لم ترتفع أصول الصندوق بالمعنى المتعارف عليه. فما جرى هو عملية دمج لمؤسسات حكومية. وبالتالي فأن أصول وأرباح المؤسسة الجديدة ليست سوى مجموع أصول وأرباح المؤسسات السابقة.
السبب الثاني: لا يتوقف الترتيب الإئتماني للوكالات الدولية على حجم الإستثمارفقط، بل يشمل أيضاً العجز المالي والإحتياطي النقدي والضرائب والنفقات العامة والإصلاحات الاقتصادية. وفي عمان النتائج سلبية بتطبيق هذه المؤشرات.
أما المؤشر الإيجابي فيعود إلى الإرتفاع الأخير لأسعار النفط الذي يقود إلى تصاعد الإيرادات العامة. ومن المعلوم أن هذا المؤشر لا علاقة له بالصندوق السيادي وبالسياسة الاقتصادية للبلاد بل يرتبط بعوامل تخصّ السوق العالمية.
السبب الثالث: يحتوي جهاز الاستثمار العماني على شركات تعاني من أزمة مالية. بعضها يسجل خسارة كما رأينا، وبعضها الآخر مدين. ووفق التقارير بلغت مديونية الشركات التابعة للجهاز تسعة مليارات ريال، أي اكثر من مجموع إيرادات الدولة النفطية وغير النفطية لعام 2021.
لاشك أن التنظيم الجديد لجهاز الإستثمار العماني يسهم في تحسين الأرباح الصافية وبالتالي في زيادة الإيرادات غير النفطية. بيد أنّ هذه الزيادة ليست بالقدر الذي يدعو الوكالات الدولية إلى مراجعة موقفها من الوضع المالي العماني. لم تتحسن الدرجة الممنوحة من قبل هذه الوكالات رغم مرور أكثر من سنة على ذلك المرسوم السلطاني. وبالتالي فأن أهمية الإيرادات غير النفطية ستتأتى بالدرجة الأولى من الضرائب والرسوم.
إضافة إلى ذلك لعمان إيرادات أخرى رأسمالية غير نفطية. تتأتى بالدرجة الأولى من الخصخصة.
الإيرادات الرأسمالية
هي بطبيعتها غير دورية وغير مستقرة. ترتفع وتنخفض حسب قيمة العمليات، وفي مقدمتها الخصخصة. في عام 2011 بلغت هذه الإيرادات 55 مليون ريال. ثم ارتفعت حتى وصلت إلى 619 ملون ريال في عام 2020، أي 7.2% من الإيرادات الكلية و22.8% من الإيرادات غير النفطية. ولكن هبط حجمها إلى 220 مليون ريال في العام الجاري فتراجعت مساهمتها في مالية الدولة.
نتيجة العجز المالي وارتفاع الديون العامة تعتمد عمان على الخصخصة للحصول على إيرادات إضافية. وأشارت رؤية عمان 2040 إلى ضرورة اللجوء إلى هذه العملية لتقليل الإعتماد على العوائد النفطية. فعلى سبيل المثال بيع في الآونة الأخيرة 49% من أسهم الشركة العمانية لنقل الكهرباء لشركة صينية. وتذكر التقارير أن ثمن البيع بلغ مليار دولار.
ويرى مسؤولون أن الخصخصة منهج لإدارة الشأن الاقتصادي ولا علاقة لها بأسعار وعوائد النفط.
في الواقع، تشير عمليات البيع إلى وجود علاقة وطيدة بين إيرادات النفط والعجز المالي من جهة وإيرادات الخصخصة من جهة أخرى. ففي عام 2011، بلغت العوائد النفطية والغازية 8970 مليون ريال، وكان العجز المالي ضئيلاً وقدره 114 مليون ريال. لذلك لم تكن حصيلة الخصخصة تتجاوز 31 مليون ريال. وفي عام 2020، انخفضت بشدة حصيلة الإيرادات العامة وتراجعت أرباح جهاز الاستثمار العماني وارتفع العجز المالي وتـفاقمت الديون الخارجية. ولمواجهة هذا الوضع المتردي اضطرت الدولة إلى بيع المؤسسات العامة فوصلت حصيلة الخصخصة إلى 483 مليون ريال. يتضح بأن الجزء غير الضريبي من الإيرادات غير النفطية المشار إليه آنفاً أصبح يحتل مكانة مرموقة بين الإيرادات الأخرى للدولة. فهو يتجاوز حالياً ربع الإيرادات النفطية والغازية، وسيرتفع في المستقبل القريب ليسهم بصورة أكبر في تمويل العجز المالي المزمن.