ما علاقة المديونية الخارجية بالعجز المالي في عُمان؟

تعاني عمان من عجز مالي مزمن ومفرط نجم عن عدة عوامل في مقدمتها ارتفاع الإنفاق العسكري وتراجع العوائد النفطية، ما أدى إلى التأثير سلبياً على الإحتياطي النقدي وإلى تفاقم المديونية العامة، خاصة الخارجية. ولمواجهة هذه الأزمة طبقت الدولة برنامجاً يتضمن عدة إجراءات ضعيفة الفاعلية.

تعتمد عمان على عوائد النفط والغاز الطبيعي التي تستحوذ على ثلثي الإيرادات العامة، وبالتالي ينعكس هبوطها على مالية الدولة الداخلية، أي الميزانية العامة، وعلى الخارجية، أي ميزان المدفوعات.
لكن مالية الدولة تتأثر كذلك بارتفاع النفقات العامة خاصة العسكرية التي تتسم بعدم الإنتاجية من الزاوية الاقتصادية. وأدى تفاعل انخفاض الإيرادات وارتفاع النفقات إلى عجز مالي هائل قٌدّر في العام الجاري بمبلغ 2240 مليون ريال (ما يعادل 5.8 مليار دولار).

تعرضت رؤية عمان 2040 إلى هذا العجز، فقضت بضرورة زيادة الإيرادات غير النفطية وتقليص النفقات العامة. وتستهدف الرؤية خفض هذا العجز من 11.7% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017 إلى اقل من 3% في عام 2030.
وعلى إثر تزايد تدهور الوضع المالي بسبب وباء كورونا تم إقرار “خطة التوازن المالي متوسطة المدى 2020-2024” التي ترمي إلى تخفيض العجز من 15.8% في عام 2020 إلى 1.7% في عام 2024، والتي أكدت على استهداف تحسين مساهمة الإيرادات غير النفطية.
وبسبب اعتماد مالية الدولة على العوائد النفطية ظهرت بوضوح علاقة وطيدة بين الميزانية العامة والميزان الجاري في جميع بلدان مجلس التعاون. لكن لهذه العلاقة خصوصية في عمان لأن العجز لا يقتصر على الميزانية العامة بل يشمل أيضاً الميزان الجاري. ويمكن تحليل هذه العلاقة على النحو التالي:
تقود زيادة الإنفاق العام إلى ارتفاع العجز المالي، وتقود أيضاً إلى تصاعد الطلب على السلع المستوردة فتزداد الواردات. خير مثال على ذلك هي مشتريات الأسلحة من الخارج لأنها تفضي إلى ارتفاع النفقات العامة والواردات في آن واحد، عندئذ يهبط فائض الميزان التجاري. ولمّا كان عجز حساب الخدمات وحساب الدخول (تحويلات العمال الأجانب) يفوق فائض الميزان التجاري، فإن الميزان الجاري (حاصل جمع الميزان التجاري وحساب الخدمات وحساب الدخول) يصبح في حالة عجز. في عام 2021 ، قُدّر هذا العجز بمبلغ 6.3 مليار دولار أي 8.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة وفق جميع المقاييس. ووفق توقعات صندوق النقد الدولي سيستمر هذا العجز في السنوات القادمة.
يفضي هذا الوضع إلى هبوط الإحتياطي النقدي، بالتالي لا تجد مسقط رادعًا من اللجوء إلى القروض الخارجية لتمويل عجز الميزان الجاري.
ومن جهة أخرى يؤدي هبوط الصادرات النفطية إلى التأثير على الميزان التجاري، وبالتالي على الميزان الجاري. ولما كانت ميزانية الدولة تعتمد على حصيلة هذه الصادرات، فأن هبوطها يقود بالضرورة إلى عجز الميزانية العامة. وبالنظر لضعف الإحتياطي النقدي، تقترض الدولة من الخارج لتمويل هذا العجز، فترتفع مديونيتها وتزداد من جديد نفقاتها.
وهكذا يسهم عجز الميزانية العامة في تدهور الميزان الجاري. بالمقابل يقود عجز الميزان الجاري إلى تدهور الميزانية العامة. ونستطيع القول أن عمان تعاني بشدة من هذه العلاقة بصورة تفوق بكثير معاناة دول الخليج الأخرى.

تمويل العجز
خلال العشر سنوات الأخيرة مرت تغطية العجز المالي بثلاث فترات مختلفة اختلافاً كبيراً من عدة جوانب.
الفترة الأولى تمتد لغاية عام 2011: كان حجم العجز ضئيلاً بفعل أهمية الإيرادات النفطية، فقد بلغ في نهاية الفترة حوالي 113 مليون ريال جرى تمويله بالدرجة الأولى عبر القروض المحلية البالغة 150 مليون ريال. أما القروض الخارجية فلم تتجاوز 8 ملايين ريال. ولم تجد الدولة حاجة للسحب من الاحتياطي النقدي. نلاحظ أن حجم التمويل أعلى من العجز الأمر الذي شجع على تقديم المساعدات الخارجية التي وصلت في تلك السنة إلى 55 مليون ريال.
الفترة الثانية من 2011 إلى 2016: بسبب هبوط العوائد النفطية بدأ العجز المالي بالإرتفاع حتى بلغ ذروته في عام 2016 فوصل إلى 5300 مليون ريال، أي 19% من الناتج المجلي الإجمالي.وبما أن القروض المحلية لم تعد كافية لتغطيته، تقرر اللجوء إلى القروض الخارجية بالمرتبة الأولى حيث بلغت 3963 مليون ريال، وإلى السحب بالمرتبة الثانية من الإحتياطي النقدي بمبلغ 1500 مليون ريال.
ومنذ نهاية هذه الفترة ولغاية الآن أصبح التمويل الخارجي المصدر الأساس لتغطية عجز الميزانية، كما لم تعد عمان من الدول المانحة للمساعدات الخارجية، بل أصبحت تستلم مساعدات مالية خارجية خاصة من السعودية وقطر، وازدادت الحاجة لها في الفترة الحالية بسبب وباء كورونا.
الفترة الثالثة من عام 2017 ولغاية الآن: إزدادت الأمور تعقيداً بارتفاع عجز الميزان الجاري حتى وصل إلى معدلات عالية قدرها 14.8% من الناتج المحلي الإجمالي. أدى هذا الوضع إلى هبوط سريع للإحتياطي النقدي فوصل حجمه إلى 6.2 مليار ريال، أي إنخفض خلال سنة واحدة فقط بنسبة 20.5%.
وكما هو معلوم يسبب استمرار هبوط الإحتياطي النقدي مشاكل اقتصادية خطيرة ترتبط بالقيمة التعادلية للريال مقابل الدولار، وبنظام الصرف الثابت المتبع في بلدان مجلس التعاون بما فيها عمان. لذلك إضطرت السلطات العامة منذ ذلك العام إلى تقليص الإعتماد على الإحتياطي النقدي.
وبالنظر لاستمرار إرتفاع عجز الميزانية وعدم كفاية المصادر غير النفطية بما فيها أرباح الصندوق السيادي بات من اللازم زيادة الإعتماد على القروض الخارجية. وهكذا باتت القروض الخارجية تحتل المرتبة الأولى في التمويل، تليها القروض المحلية ثم السحب من الإحتياطي النقدي.

تفاقم المديونية الخارجية
أدى اللجوء المتكرر للتمويل الخارجي وبمبالغ كبيرة إلى ثلاث نتائج:
النتيجة الأولى: إرتفاع حجم الديون الخارجية، فوفق المعلومات الواردة من صندوق النقد الدولي (بيانات مشاورات المادة الرابعة) وصل حجم الدين الخارجي إلى 29.4 مليار ريال في عام 2019 أي 100% من الناتج المحلي الإجمالي، ثم إلى 31.7 مليار ريال في عام 2020 أي 130% من الناتج المحلي الإجمالي، وإلى 33.0 مليار ريال في العام الجاري أي 117% من الناتج المحلي الإجمالي، وسيرتفع مجدداً في العام القادم.
النتيجة الثانية: تصاعد خدمة الديون الخارجية. وهو التأثير الحتمي لارتفاع حجم الدين، فقد ازدادت الفوائد والأقساط زيادة سريعة خلال فترة قصيرة من الزمن، إذ انتقلت من 87 مليون ريال في عام 2016 إلى 1782 مليون ريال في عام 2021.
بات من اللازم تخصيص نصف العوائد النفطية لخدمة الديون الخارجية السنوية. فكلما ارتفعت خدمة الديون تراجعت الأموال المخصصة للاستثمار، وضعفت قدرة القطاع الحكومي على التوظيف، الأمر الذي أسهم بفاعلية في استفحال البطالة. تسجل عمان معدلاً يفوق بكثير معدلات البطالة في جميع بلدان مجلس التعاون.
أصبحت مالية الدولة الحالية أمام الوضع التالي: قاد العجز المستمر والمرتفع إلى طلب المزيد من القروض الخارجية فارتفعت الديون. وهذا الارتفاع يعني زيادة الإنفاق العام، وأفضت هذه الزيادة إلى عجز جديد، واستوجب هذا العجز الجديد اللجوء مرة أخرى للقروض الخارجية. إن تكرار هذه العملية يؤدي أن تصبح مالية الدولة أمام حالة خطيرة للغاية وهي الإقتراض من أجل سداد الديون.
النتيجة الثالثة: الإقتراض لخدمة الديون. في عام 2019 بلغ حجم القروض الخارجية المستلمة 1808.3 مليون ريال، وتم سداد 127.3 مليون ريال. أي أن صافي القروض التي حصلت عليها الدولة في ذلك العام 1681.0 مليون ريال (حاصل طرح خدمة الديون من القروض المستلمة)، وهذا المبلغ الصافي يعادل إذاً 92.9% من القروض المستلمة.
وفي عام 2020 إرتفعت القروض المستلمة إلى 1970 مليون ريال، كما ازدادت خدمة الديون الخارجية إلى 470 مليون ريال، وهكذا أصبحت القروض الصافية 1500 مليون ريال أي 76.1% من القروض المستلمة.
ونلاحظ كذلك أن صافي القروض لعام 2020 أقل من صافي القروض لعام 2019. في حين أن حجم القروض المستلمة في عام 2020 أعلى من حجم القروض المستلمة في عام 2019.
أما في العام الجاري 2021، فقد بلغ الوضع درجة عالية من الخطورة، إذ ارتفعت القروض الخارجية المستلمة إلى 2730 مليون ريال، وسددت الدولة 1782 مليون ريال. بمعنى أنّ المبالغ الصافية لا تتجاوز 948 مليون ريال، وبذلك باتت المبالغ المستلمة تعادل 34.7% فقط من القروض الخارجية. هذا التطور يعني بأن الدولة تقترض لسداد ديونها القديمة، وقد يصل الأمر قريباً إلى عدم كفاية القروض الجديدة لتغطية الديون القديمة، وهذا أسوء حال تمر به البلدان المدينة.
ونلاحظ مثل هذا التطور في القروض الداخلية أيضاً خاصة في عام 2020.

نتيجة هذا التدهور قررت الوكالات الدولية المتخصصة (موديز وفيتش وستاندرد آند بورز) منح عمان درجة منخفضة مقارنة بدول الخليج الأخرى وذلك رغم تحسن أسعار النفط. وهذا يدل على خطورة الأزمة المالية وعلى ضعف النتائج المتحققة والمتوقعة من الإجراءات الإصلاحية.
يترتب على هذا الوضع عدة مشاكل في مقدمتها تراجع الإستثمارات الأجنبية وارتفاع تكلفة القروض الخارجية لا سيما أسعار الفائدة.

يمثل العجز المالي خطورة كبيرة على مالية واقتصاد البلد وعلى مستوى معيشة المواطنين. فهو يقود إلى تفاقم المديونية الخارجية، وفي الوقت نفسه العجز نتيجة حتمية ومنطقية لارتفاع هذه المديونية نظراً للفوائد السنوية التي يتعين دفعها والتي تشكل أحد أبرز أبواب الإنفاق العام العماني. لذلك يتعين بذل الجهود في سبيل تقليص النفقات وزيادة الإيرادات. وبالفعل إتخذت خطة التوازن المالي إجراءات بهذا الإتجاه، لكنها غير كافية. وانصبت على تقليص المصاريف الإستثمارية أي تأجيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي أصبحت المعالجة عاملاً من عوامل الأزمة المالية

منشورات أخرى للكاتب