النّساء في إيران: قصة نضال أمام دولة ذكورية ومعاندة

بالرغم من سيطرة الرّجال الكاملة على صنع السّياسات الدّاخلية والخارجيّة لإيران، إلا أنّ النّساء لم يتوقّفن يوما عن المطالبة بحقوقهنّ الإجتماعية والسّياسية، للمرأة الإيرانيّة في الحركات المدنيّة تاريخ طويل يعود الى عصر الإمبراطوريّة الأخمينيّة، حيث كانت النّساء وخاصّة والدة الملك وزوجته يستخدمن نفوذهنّ من أجل تقوية سلطة الملك، واستمرّ هذا الدّور الى ما بعد الاسلام، وفترة الثّورة الدّستوريّة والسّنوات التّي سبقت الثّورة الإسلاميّة.

زينب باشا وثورة التّبغ

عملت النّساء الإيرانيّات لسنوات طويلة من أجل التّغيير والمشاركة فى الحياة السّياسيّة رغم العديد من العقبات التي وقفت في طريقهنّ. وكانت زينب باشا واحدة من الأمثلة القويّة على النّضال الطّويل والمستمرّ للمرأة في إيران.

بالرّغم من شحّ المعلومات المتوفّرة عن حياة زينب باشا، إلا أن ارتباط إسمها بثورة التّبغ، يضعها ضمن أبرز المناضلات النّسائيات فى ايران حيث لعبت دورًا مهمّا فى قيادة الإحتجاجات في مدينة تبريز بعد قرار ناصر الدين شاه منح إمتيازات لشركة بريطانيّة لاحتكار قطاع التّبغ في إيران، وإجبار التّجار على إعادة فتح متاجرهم بالتّرهيب بعد أن أغلقوها احتجاجا على هذا القرار.

تقول الكاتبة والنّاشطة النّسوية نوشين أحمدي خراساني فى مقال لها: “بعد إجبار التّجار عن إعادة فتح متاجرهم، نزلت زينب شاه مع عدد من النّساء إلى الأسواق ممسكات بالعصيّ والهروات وأجبرن التّجار على إعادة إغلاق متاجرهم مرّة أخرى، ثم وقفت وسط جموع الرّجال، تخطب فيهم بحماسة، إذا كنت تخشى قطع أيدي اللّصوص الذّين يسرقون ممتلكاتك ووطنك، فاجلس فى المنزل، ونحن سنحاربهم”.

الثّورة الدّستوريّة وبزوغ الحركة النّسائيّة

لم يتوقف نضال النّساء في إيران عند هذه المحطّة، فتصاعدت الحركات النّسائية في أوائل عام 1905، وانضمّت النّساء الى الرّجال فى المطالبة بفرض الرّقابة على السّلطة المطلقة للملكية قاجار. حين قاد السّيد محمد الطّباطبائي النّضال ضد  مظفر الدين شاه، للإحتجاج على الاستبداد واحتكار السّلطة، كانت النّساء في الصّفوف الاماميّة لهذه المظاهرات.

وبالرّغم من بعض المحاولات التي كانت تهدف إلى التّقليل من أهميّة دور النّساء الإيرانيّات في الثّورة الدّستورية، يقول أحمد كسروي تبريزي في كتابه “التاريخ الدستوري لإيران”، أنّ إمرأة تدعى زن حيدر خان تبريزي قادت مجموعة من النّساء كانت مهمّتها حماية المتظاهرين بالعصيّ المخبأة تحت ملابسهنّ وسط المظاهرات.

ومن أجل فهم أفضل للوجود الإجتماعي والسًياسي للمرأة في العصر الدّستوري، يجب الإعتراف بأن الثّورة الدّستوريّة تم التّعبئة والحشد لها من قبل رجال الدّين الشّيعة، لذلك كانت النّساء فى هذا الوقت على يقين بأن المرحلة الدستورية هي في الأساس برنامج إصلاح ضمن التّقاليد الايرانية الاسلاميّة الشّيعية فى المقام الاول.

لكن الدّافع وراء مشاركتهنّ فى التعبئة للثورة الدّستورية كان إنهاء الإستبداد وخلق نظام دستوري من الممكن أن يحقّق جزء من مطالب النّساء الإجتماعيّة والسّياسيّة، فواصلن الإحتجاج بجانب الرّجال وكانت النّساء ضمن المعتصمين في ساحة السّفارة البريطانيّة في طهران.

نجحت الثّورة الدّستوريّة فى انتزاع تأسيس مجلس الأمة أو البرلمان الايراني، وعلى الفور في عام 1906، سارعت النّساء المشاركات فى الثّورة الدّستورية الى تشكيل الجمعيّات، منها على سبيل المثال جمعيّة “آزادی زنان” أو تحرير المرأة، التّي كانت مهتمّة ببحث مشاكل النّساء في إيران وايجاد الحلول لها.

وباعتبار أنّ الثّورة الدّستوريّة كانت بداية الصّحوة في ايران، بطبيعة الحال تأثّرت النّساء اللّواتي شاركن بها، ممّا زاد وعي النّساء على حريّتهن، فبدأت الإنتفاضة النّسائيّة بإنشاء مدارس للبنات وتأسّست أوّل مدرسة للفتيات بإدارة السّيدة “بي بي خانم”، وبين عامي 1910 و 1911 صدرت الصّحف والمجلّات النّسائيّة التّي كانت تهتم برفع الوعي النّسائي والتّعريف بحقوق المرأة في المجتمع، إلا أن كل هذه التّطورات قوبلت برد فعل عنيف من قبل رجال الدّين والتّيار المتشدّد، لكن هذا لا يمنع حقيقة أنّ النّساء استفدن من تلك الفترة بشكل كبير، بالرّغم من الإنتقادات.

النّساء وحقّ التّصويت

في أعقاب الثّورة الدستورية، وكتابة الدّستور الإيراني، وتشكيل مجلس الأمة، بدأ الحديث عن حقّ النّساء في التّصويت يظهر بين أوساط الحركة النّسائيّة، لكن الأمر كان يعتبر ضمن الخطوط الحمراء فى ذلك الوقت، ففي البرلمان الأول، ومع إقرار قانون الانتخاب،  كانت النّساء الفئة الأولى التّي منعت من التّصويت، وقدّم نواب البرلمان فى ذلك الوقت الكثير من الحجج لمنع المرأة من حقّ التّصويت.

ظلّ حلم الحقّ فى التّصويت متواجدا بقوة بين الحركات النّسائيّة حتى بعد سقوط الأسرة القاجاريّة وصعود الأسرة البهلويّة إلى الحكم، ورغم انشغال الحركات النّسائيّة فى ذلك الوقت بالمطالبة بحصولهن على التّعليم الجامعي، وتعديل قوانين الأحوال الشّخصيّة، ومنع تعدّد الزّوجات، استمرّت النقاشات حول حقّ المرأة فى التّصويت في عهد محمد مصدق، إلّا أنه لم يتم النظر الى هذا الامر بأهميّة من قبل السّياسيين الرّجال.

ثم جاءت الثّورة البيضاء التي أعلنها محمد رضا شاه  في عام 1963 والتّي تم تلخيصها فى ست مبادئ، من بينها تعديل قانون الانتخابات ومنح المرأة حقّ التّصويت. قوبل الأمر بمعارضة من رجال الدّين الشيعة ومن ضمنهم آية الله الخميني بذريعة شعورهم بأن الثّورة البيضاء تهدّد الدّين الإسلامي، وأنها مقدّمة لإزالة المواد المتعلّقة بالدّين فى الدّستور الإيراني. لكن رضا شاه، أصرّ على الأمر، وأصدر مرسوما فى مارس 1963، يعترف بحق المرأة فى التّصويت وإلغاء بعض المواد فى قانون الانتخابات التى تمنع المرأة من التّصويت. 

الثورة الاسلامية: أربعة عقود من نضال الحركة النّسائيّة

بدأ الحراك النّسائي بعد أسابيع قليلة من انتصار الثّورة الإسلاميّة فى إيران، ففي مارس 1979، تظاهرت النّساء في قاعة أحد المحاكم بطهران اعتراضًا على الحجاب الإجباري وقوبلت هذه الإحتجاجات بالقمع، بعد خطاب المرشد الأعلى الايراني آنذاك، آية الله الخميني في يوم المرأة العالمي في 8 مارس 1979، والذى قال فيه “لا ينبغ للوزارة الإسلامية أن تخطئ، لا مانع لدينا من عمل النّساء، ولكن بالحجاب”. 

في اليوم التّالي من خطاب آية الله الخميني، لم يسمح للموظّفات اللّواتي لا يرتدين الحجاب من دخول أماكن عملهنّ. ثم بدأت الجمهوريّة الإسلاميّة الوليدة بإلغاء معظم القوانين التي وضعت قبل الثّورة واستبدالها بقوانين جديدة تتماشى مع الرّوح الإسلامية، على سبيل المثال: تخفيض الحد الأدنى لزواج الفتيات من 18 الى 9 سنوات، وخفض فدية المرأة إلى النّصف مقارنة بالرجل، واعتبار الطّلاق سلطة حصريّة للرّجل.

في السّنوات الأولى بعد الثّورة الاسلاميّة، كرّست النّساء جهودهنّ لإلغاء أو تعديل بعض هذه القوانين التّمييزيّة ضدّ النّساء، وبالفعل حقّقن بعض الإنتصارات الصّغيرة، مثل رفع الحد الأدنى لزواج الفتيات الى سن 13 عاما وحصول المرأة على حقّ حضانة أطفالها حتى سن عامين للذّكور، وسبعة للفتيات.

رئاسة خاتمي: صعود الحركات النسائيّة

في السّنوات التّي تلت الثّورة الاسلاميّة مباشرة، لا يمكننا وصف إنجازات الحركات النّسائيّة في المجال الإجتماعي والسّياسي بالكبيرة، خاصة وأن البلاد كانت تمر بمرحلة حرب تركت آثارها المدمّرة على البلاد بشكل كامل وليس فقط على وضع المرأة.

لكن مع وصول محمد خاتمي الإصلاحي إلى رئاسة إيران عام 1997، توفّرت المساحة الكبيرة لأنشطة الحركات النّسائيّة، وتمكّنت النّساء من لعب أدوار مهمّة ورئيسة في زيادة الوعي النّسوي، وكان من المتوقّع أن يكون خاتمي أوّل من يعيّن إمرأة فى منصب وزاري خاصّة بعد حديثه فى حملاته الإنتخابيّة عن أهمّية تعزيز دور المرأة سياسيّا وإجتماعيّا، لكنه لم يرد المخاطرة باتّخاذ هذه الخطوة.

إلا أنه فتح المجال لنمو الانشطة النّسائيّة في المجالين الإجتماعي والسّياسي، ومنح رئاسة واحدة من أهمّ المنظّمات الحكوميّة لمعصومة ابتكار، فكانت نائبا لخاتمي ورئيسة منظّمة البيئة.

الحركة الخضراء وهبوط الحركات النسائية

بعد النّشاط الذي مرّت به الحركات النّسائيّة فى عهد خاتمي، تعرضت للهبوط مرّة أخرى بتولي الرّئيس محمود أحمدي نجاد منصب الرّئيس، وعلى الرّغم من كونه أول رئيس يقوم بتقديم إمرأة لتولي وزارة بموافقة البرلمان عليها، إلّا أنّ التّواجد السّياسي والإجتماعي للنّساء فى عهده يمكن وصفه بالسيء، فبعد القليل من الحرّيات الإجتماعية والثّقافية التى تمتّعت بها النّساء فى عهد خاتمي، عادت المواجهات مع النّاشطات والنّساء فى الشّوارع بسبب قيام الحكومة بحملات للتّصدي للحجاب السّيئ بين النّساء.

في عام 2009، جاءت الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية لتعطي بصيصًا من الأمل للحركات النّسائية في الصّعود مرّة أخرى، مستغلّة حالة الزّخم السّياسي والحراك الشّعبي، وعلى الرّغم من أن الحركات النّسائيّة ظلت تابعة للحراك السّياسي في إحداث الحركة الخضراء، الّا أن الأمل كان لا يزال موجودًا.

في أعقاب ذلك، نالت الحركات النسائية نصيبها من الإعتقالات واسعة النطاق، وتبدّد هذا الأمل فى لحظة، مع اعتقال الكثير من النّاشطات.

تمثيل برلماني ضعيف، ومحاولات لتغيير الوجه الذكوري للبرلمان

بعد أن حصلت النّساء الإيرانيات على حقّ التصويت، أصبح لديهنّ حقّ التّرشح للبرلمان أيضا بعد الثّورة الإسلامية . لكن هل استفادت النّساء من التّمثيل البرلماني؟

في الدّورات الثّلاث الأولى لمجلس الشّورى الإسلامي”البرلمان”، حصلت أربعة نساء فقط على مقاعد فى البرلمان. أمّا في الدّورة الرّابعة زاد عدد النّواب النّساء الى 9، وضم البرلمان الخامس عددا أكبر منهنّ بمجموع 14 عضوة، فيما ضمّ البرلمان السّادس والسّابع 13 نائب، والتّاسع 9 فقط، وفي البرلمان العاشر الذي تمّ انتخابه في عام 2016، كان هناك 17 نائب من النّساء.

في الدورة العاشرة للبرلمان الإيراني، حاولت النّساء الإيرانيّات العمل على زيادة نصيبهنّ من مقاعد البرلمان من خلال إطلاق حملة باسم “تغيير الوجه الذّكوري للبرلمان”، وكان الهدف من الحملة زيادة نسبة النّساء فى البرلمان الى 30 %. لكنّ التمثيل النسائي فى البرلمان لم يحقّق هدفه، ولم تستطع النّساء تمرير القوانين المتعلّقة بالمرأة وسط معارضة كبيرة من برلمان يهيمن عليه الرّجال. فعلى سبيل المثال، إستغرق مشروع قانون العنف ضد المرأة سبع سنوات ليتمّ تمريره والموافقة عليه من قبل المشرّعين ومجلس صيانة الدّستور لكن بعد تعديل الكثير من بنوده، فقد تمّ تقليص مواد مشروع القانون من 92 مادّة الى 52 مادّة فقط.

حتى الآن، لم تنجح النّساء فى الحصول على تمثيل برلماني قويّ، ولا في انتزاع تخصيص كوتا لهنّ تتجاوز ال10%، وحتى تتمكن النّساء من تغيير القوانين التّمييزيّة ضدّهن، لابد من تواجد سياسي قويّ سواء فى البرلمان او المناصب السّياسيّة الهامّة، وهذا لم يحدث الى الآن.

حلم الرئاسة

في الأونة الأخيرة صرّح المتحدّث بإسم مجلس صيانة الدّستور، عباس كدخدائي، أنه لا توجد عوائق أمام المرأة للتّرشح في الإنتخابات الرّئاسيّة، وهو ما يعيدنا إلى حلم الرّئاسة الذي تناضل من أجله النّساء في إيران ويذكّرنا بنضال السّيدة أعظم طالقاني لتغيير المادة 115 من الدّستور الايراني.

تنص المادة 115 على أنّ الرّئيس الإيراني يجب أن يكون “رجلا سياسيا”. خلال الأربعين عامًا الماضية دار جدل كبير حول كلمة “رجل” المستعارة من اللّغة العربيّة إذا ما كانت تعني الرّجال فقط أو تشمل جميع الأشخاص دون تمييز بين الجنسين. وكانت السّيدة أعظم طالقاني، ابنه رجل الدين محمود طالقاني أحد أهم رجالات الثّورة الايرانية، قد كرّست حياتها لتعديل هذه المادّة، وحاولت التّرشح للانتخابات الرّئاسيّة أكثر من مرّة، وفى كل مرّة كان يتمّ رفض ترشّحها.

لا يمكن التّفاؤل بتصريحات السّيد كدخدائي، فقد سبق وصرّح بها فى عام 2009، ولم يحدث شيء، لكن مازال حلم الرئاسة والنضال من أجل تعديل المادة 155 متواجدًا داخل أوساط الحركات النّسائية.

في النّهاية، إذا حاولنا الإجابة على سؤال “هل حققت الحركات النّسائيّة في إيران أهدافها؟”، يمكن تلخيص الإجابة في أنّ أهمّ إنجاز حققته النّساء الإيرانيّات، هو مواصلة النّضال إلى الآن وخلق جيل جديد من النّساء اللّواتي يحاولن التّغيير والمطالبة بحقوقهنّ بأيّ طريقة؛ وتحت أيّ ظرف.

منشورات أخرى للكاتب