القمة الخليجية: بين المصالحة “الهشة” وعقدة “أبوظبي-الدوحة”
تستضيف مدينة العلا السعودية في الخامس من يناير 2021 اجتماعًا لقادة دول الخليج في القمة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. وفيما أوكلت الرياض للأمين العام لمجلس التعاون، نايف الحجرف، مسؤولية تسليم الدعوات للقادة الخليجيين، يحّلُ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ضيفًا على القمة.
من المتوقع أن تشهد القمة إعلان مصالحة بين أطراف الأزمة الخليجية التي اندلعت منتصف عام 2017. يأتي ذلك بعد تعزيز إدارة الرئيس دونالد ترامب لجهود الوساطة الكويتية التي أعلنت، في 4 ديسمبر الجاري على لسان وزير خارجيتها، الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، أن مباحثات التوصل إلى اتفاق نهائي للمصالحة الخليجية قد أثمرت أخيرًا.
المصالحة المترددة
لا تُقدم التصريحات الرسمية للمسؤولين من مختلف العواصم الخليجية أي توضيح حول شروط هذه المصالحة، كما لا يُعرف حتى الآن ماهية التنازلات التي من المنتظر أن تقدمها العواصم المشتبكة. وهو ما يحيل إلى التشكيك في سقف المخرجات المُنتظرة، وربما الميلُ إلى اعتبار أن ما قد يحدث لن يزيد عن كونه فضًا للاشتباك، وتخفيفًا لمظاهر وتداعيات الأزمة، أكثر من كونه مصالحة حقيقية يمكن البناء عليها لترميم البيت الخليجي المنهار أو إعادة الثقة المفقودة بين مختلف الأطراف.
وبالنظر إلى المستجدات الدولية، وفي مقدمتها عودة الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض في واشنطن، قد تذهبُ السعودية إلى أن المصالحة مع قطر سترفع عن كاهلها ثقلًا وازنًا وأنها ستؤمن للرياض تموضعًا أكثر فاعليًة في بقية الملفات والصراعات الإقليمية التي تخوضها. وبالنسبة للقطريين، تستجيبُ هذه المصالحة في صيغتها الراهنة لما كانت الدوحة تتطلع إليه؛ علاقاتٌ أفضل مع السعودية وأقلُ حدةً وعداءً مع كل من الإمارات والبحرين ومصر. رغم ذلك، لا يبدو أن هذه المصالحة تؤمن لأي عاصمة خليجية، دون استثناء الرياض والدوحة، ما تحتاجهُ من ضماناتٍ لتتيقن وتطمئن من أن الأزمة السياسية قد انتهت فعلًا.
وعلى مدى سنوات ثلاث، راكمت الأزمة الخليجية ونمط الإدارة “المنفلت” للاشتباكين السياسي والإعلامي ليومياتها، عوامل ساعدت بقوة على تعميق هذه الأزمة وتعقيدها. وإذ لا يظهر، حتى الآن، أي تغيير ملحوظ في المواقف أو أي محاولات إعادة التموضع لدى أي من العواصم المتصارعة، تؤكد هذه المعطيات أن ما تم التوصل إليه لا يزيد عن تفاهمات قد تتداعى في حال تعرضت لأي اختبار حقيقي. شهدت السنوات الماضية صراعًا مفتوحًا بين العواصم الخليجية شمل التشكيك بشرعية الأسر الحاكمة والتحريض على الانقلاب عليها، كما وبث الإعلام الخليجي محتوىً تجاوز السقوف الممكنة والمتوقعة، وهو ما لا يمكن تجاوزه بمصالحة عابرة لا تضع أسسًا صلبًة للبناء عليها.
قطر والإمارات: الثنائي الصعب
رافقت إشارات القرب من الوصول للمصالحة الخليجية المرتقبة بعض المنغصات التي اُعتبرت بوادر خلافات، أو تباعدًا في وجهات النظر، داخل المحور السعودي الإماراتي. وشهدت الأيام الماضية تصعيدًا بحرينيًا قطريًا على خلفية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، كما كان لافتًا نشر الصحف البحرينية تقارير ومحتوىً ناقدًا للتوجه السعودي ومسار المصالحة مع قطر. من جهة أخرى، استمرت خلال الأيام القليلة الماضية الملاسنات الكلامية والنشر عدائي الطابع بين المنصات الإعلامية التابعة لكل من أبوظبي والدوحة.
من المُنتظر أن تكشفَ قراراتُ القمة وما بعدها، خصوصًا المتعلقةُ بالدوحة وأبوظبي، مضافًا لها التمثيل الإماراتي الذي من المفترض أن يمثله نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وبحضور ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ما إذا كانت الإمارات طرفًا فاعلًا في هذه المصالحة أو خارجها. ولئن كانت الإمارات لا تستطيعُ كبح جماح السعودية عن الذهاب لخيار المُصالحة مع قطر إلا أن استبعاد أبوظبي عن أي تفاهم أو تهميشها لن يمنع استمرار خلافاتها الحادة مع الدوحة، وهو ما قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر في أي لحظة. غنيٌ عن البيان أن الإمارات تلعبُ دورًا قياديًا بارزًا وأساسيًا في محورها الإقليمي الذي تترأسهُ السعودية، ولا يمكن اغفال أو تخطي هذا الدور ونفوذ أبوظبي المُتصاعد في مختلف الملفات الإقليمية.
إن إنجاز مصالحة بين الثنائي الصعب (الإمارات وقطر) هو التحدي الأكثر صعوبًة وجديًة في الأزمة الخليجية الراهنة، ولا يترشح حتى الآن ما يشيرُ إلى أن أيًا من الدولتين ترغبان في ذلك. ولئن كانت للمصالحة بين الرياض والدوحة مفاعيلها الإيجابية على تبريد الأزمة بين أبوظبي والدوحة إلا أنها لن تكون كافية. تعتقد أبوظبي أن الدوحة لعبت دورًا تخريبيًا ودعمت جماعات الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين) على أراضيها بهدف التخريب والتحريض، فيما ترى الدوحة أن أبوظبي هي المسؤول الأول عن الأزمة الخليجية وحصارها كما أنها الطرف الذي شرع وبدأ سياسة التعرض لبيت الحكم في قطر، خصوصًا الإساءات البالغة لرموز الأسرة الحاكمة في قطر.
صراعات المحاور مستمرة
ولئن كانت هذه الأزمة تدور بين عواصم خليجية بشكل مباشر إلا أن تداعياتها ومفاعيلها ممتدة إقليميًا. تُشكل كل من قطر وتركيا تحالفًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا في مواجهة المحور (السعودي الإماراتي) الذي تشتبك معه في أكثر من ملف، وبما يصل حد المواجهة المسلحة كما هو الحال في ليبيا حيث يدعم محور (تركيا قطر) حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، فيما يقف محور (السعودية الإمارات) خلف قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.
وفيما توجه الرياض وأبوظبي انتقادات حادة للدوحة على خلفية وجود قاعدة عسكرية تركية على أراضيها، لا يبدو أن الدوحة ستعمد إلى تقليص هذا الوجود العسكري أو التراجع عن تحالفها الوثيق مع أنقرة الذي تعتبرهُ قطر ضمانة ضد أي تهديد عسكري محتمل. كذلك هو الحال فيما يتعلق ونفوذ التحالف القطري التركي في كل من ليبيا وتونس ودول أخرى. قبالة ذلك، قد تستفيد السعودية من وساطة قطرية لدى أنقرة لتبريد الأزمة السياسية بين الرياض وأنقرة، بما يشمل طي صفحة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
يُستبعد أن تؤدي أي مصالحة خليجية في القمة المقبلة إلى خلق تفاهمات سياسية جديدة على مستوى الصراعات الإقليمية بين هذين المحورين. الأمر الذي لا يتعارض وحقيقة أن المنطقة ستشهد تباطؤًا سياسيًا وتراجعًا في حدة الملفات المشتعلة مع تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مقاليد السلطة في واشنطن.
وسواءًا أكانت المصالحة الخليجية المرتقبة نتيجة لضغط أمريكي لحشد دول الخليج في مواجهة إيران، أو غير ذلك، إلا أنها لن تكون قادرة على تغيير موازين القوى في المنطقة أو ترميم العلاقات بين المحاور المتصارعة، وهو ما يحيل إلى أن المصالحة ستكون هدنة وفرصًة جيدة لاختبار النوايا ومدى قابلية مختلف الأطراف للدخول في تسويات كبرى، لم يحن وقتها بعد.