واشنطن وطهران: اختبار الوقت القصير والثقة المفقودة

بعد اغتيال العالم النووي الإيراني البارز، محسن فخري زاده، وجهت إيران أصابع الإتهام إلى إسرائيل بمباركة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهو ما أدى إلى ارتباك إدارة الرئيس الايراني المعتدل، حسن روحاني، التي كانت تأمل في انفراجة قريبة مع تولي الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، منصبه في 20 يناير المقبل.

وزاد الجدل عقب عملية اغتيال فخري زاده، حول تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران وصعوبة الطريق للعودة إلى إحياء الإتفاق النووي الإيراني عام 2015، ما زاد من هذا الاستنتاج، الخطوة التي أقدم عليها البرلمان الإيراني بعد اغتيال زاده مباشرة عبر تشريع قانون من شأنه أن يقضي على ما تبقى من صفقة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.

الخطة الاستراتيجية لرفع العقوبات

بعد ثلاثة أيام من مقتل زاده قام المشرعون الايرانيون بتمرير قانون باسم “الخطة الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية حقوق الشعب الايراني”، التي تهدف ضمنيًا إلى إجبار واشنطن والدول الأوروبية الموقعة على الإتفاق النووي الى رفع العقوبات عن طهران.

ينص القانون الجديد، الذي حظي بموافقة مجلس صيانة الدستور ما يعني أنه بات جاهزًا للتنفيذ، إلى إجبار الحكومة الايرانية المؤيدة لإحياء الدبلوماسية مع واشنطن، على انتهاك أهم البنود في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، ومن ضمن بنود القانون، إلزام إدارة روحاني ومنظمة الطاقة الذرية الايرانية، على إنتاج 120 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، وهو ما يتجاوز الحد المنصوص عليه بموجب الإتفاق النووي بنسبة 3.67 في المائة.

كما ينص القانون، على توقف إيران على التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعدم السماح لمفتشي الوكالة بزيارة المنشآت النووية الإيرانية، بجانب أمور أخرى.

ورغم موافقة الجهات المعنية على القانون، الذي ينص أيضًا على معاقبة كل من يرفض تنفيذه بالسجن لمدة 15 عامًا، إلا أن حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف أعلنا بشكل قاطع عدم الموافقة على هذه الخطوة، ووصفاها بأنها غير مفيدة وغير ضرورية.

وفي حين أن دعوات المتشددين في إيران إلى الانتقام لمقتل فخري زاده عن طريق تخريب الاتفاق النووي، تلقى صدى بين المؤيدين، إلا إنه يبدو إن المؤسسة السياسية الإيرانية مازالت تلتزم ضبط النفس وفق ما تسميه دائمًا بـ “الصبر الاستراتيجي”.

عدم الوقوع فى الفخ

بعيدًا عن التصريحات النارية التي خرجت من المسؤولين الإيرانيين المتشددين في أعقاب مقتل زاده، نجد أن عددًا كبيرًا من القادة الإيرانيين يدركون أن اغتيال العالم النووي الشهير ما هو إلا فخ لاستفزاز إيران، نخو إحراق ما تبقى من الإتفاق النووي، خاصة بعد أن أعلن الرئيس المنتخب جو بايدن مرارًا وتكرارًا عن رغبته في عودة بلاده إلى الصفقة النووية مع إيران.

وبعيدًا عن تصريحات حسن روحاني الداعية إلى تهدئة الأمور، صرح عدد من المستشارين العسكريين داخل الحرس الثوري الإيراني، بأن رد إيران لابد أن يكون محسوبًا وفي الوقت والمكان المناسبين. يبدو هذا واضحًا في ردة الفعل الهادئة للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الذي طالب بملاحقة ومعاقبة المتورطين دون اللجوء الى نبرة انتقامية شديدة مثلما فعل بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني يناير الماضي.

هذه الأمور لا تعني أن العودة إلى الإتفاق النووي قد تكون سهلة، فهناك الكثير من العقبات والتحديات التي تواجه المؤيدين للدبلوماسية، سواءًا فى طهران أو واشنطن.

عامل الوقت

على الرغم من أن القانون الجديد الذي تم تمريره في البرلمان ينتهك أهم بنود الصفقة النووية، إلا أنه يعطي شهرًا كمهلة زمنية للحكومة الإيرانية لتنفيذه، بمعنى آخر، من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ بالتزامن مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض. بجانب هذا، سيترك روحاني الذي يسعى بشتى الطرق إلى تحقيق أي إنجاز ملموس تجاه الصفقة النووية منصبه في يونيو 2021، وبنسبة كبيرة سيجد فريق بايدن أنفسهم أمام رئيس جديد لإيران وعلى الأغلب هو من المتشددين، وعليه، سيكون هناكفريق مفاوض متشدد، وسيعود الوضع كما كان في عهد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد حين كان سعيد جليلي يشمل منصب كبير المفاوضين النوويين آنذاك.

لن يكون أمام بايدن الكثير من الوقت لاحياء الصفقة (إنكانت هذه هي نيته بالفعل) خصوصًا إذا اعتمد خيارالعودة المشروطة للإتفاق كما صرح مسبقًا بأن عودة واشنطن مرهونة بالامتثال الكامل من جانب إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة، ومن المحتمل أن يُساعد ذلك المتشددين الإيرانيين في الوصول إلى منصب الرئاسة، بعد أن تمكنوا من السيطرة على السلطة التشريعية والقضائية.

لقد أرسل المتشددون في إيران رسالة واضحة إلى إدارة بايدن المستقبلية، مفادها، أن التفاوض بشأن الاتفاق النووي سيكون معهم وبشكل مباشر، فلا حاجة للمحاولة مع إدارة روحاني التي ستغادر قريبًا، بل يجب أن يكون بايدن قد أدرك هذا الأمر، وأنه يحاول تفاديه.

تخفيف العقوبات

وسط مساعي المتشددين في طهران لتخريب الصفقة النووية وعامل الوقت الذي لا يبدو أنه في صالح بايدن وروحاني، يبدو أن العودة النظيفة أو غير المشروطة من كلا الطرفين إلى الإتفاق النووي أمرًا صعبًا في الوقت الحالي، أمام بايدن الكثير من القضايا المحلية التي يجب العمل عليها، في مقدمتها أزمة فيروس كورونا، التيتعصف بالولايات المتحدة.

في غضون ذلك، أعطى آية الله علي خامنئي بصيصًا من الأمل لتخفيف وطأة هذا الوضع المحاد، في تصريح له منذ أيام، أعلن خامنئي أنه على طهران انتهاز أي فرصة لتخفيف العقوبات وعدم التردد في السعي إليها حتى ولو ليوم واحد. تصريحات خامنئي، بجانب أنها تعطي الضوء الاخضر لإدارة روحاني للسعي إلى تخفيف العقوبات والتفاوض، فإنها تشير أيضًا إلى تدخله فى كبح جماح المتشددين ووقوفه في طريق تخريبهم للإتفاق النووي، على الأقل فى الوقت الراهن.

تخفيف العقوبات الذي تحدث عنه خامنئي هو طوق النجاة لإحياء الاتفاق النووي مرة أخرى، والجدير بإدارة الرئيس بايدن العمل على هذا الأمر بشكل سريع لاستعادة ثقة طهران، ومساعدة المعتدلين الإيرانيين في الانتخابات الرئاسية القادمة منتصف العام المقبل.

يمكن لإدارة بايدن التعامل مع حلفاء الولايات المتحدة، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا نحو إيجاد حل سريع لتخفيف العقوبات على طهران، في العام الماضي، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد اقترح خطة من شأنها الحفاظ على الصفقة النووية وهي عبارة عن خط ائتمان بقيمة 10 مليار دولار من الممكن أن يصدر بايدن إعفاء للدول الاوروبية للسماح لها بشراء النفط الإيراني، وتشغيل هذه الخطة، ما يساعد في رفع الضغط الاقتصادي على طهران.

ختاما، يمكن القول أن حل أزمة الإتفاق النووي تكمن فيتخفيف العقوبات بشكل سريع لاستعادة الثقة بين واشنطن وطهران، ونحو تمهيد الطريق لمتابعة المفاوضات، مع الأخذ في الاعتبار أهمية عامل الوقت، والخلافات الداخلية الإيرانية حول العودة إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن، الشريك الذي لا يثقون به، ولا يثق بهم.

منشورات أخرى للكاتب