هل سيفوز الحرس الثوري الإيراني بالانتخابات الرئاسية القادمة؟

لا تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية سوى أشهر، لكن التكهنات بالرئيس القادم والتحليلات السياسية وتناول اسماء مرشحين محتملين من هنا وهناك، تزداد سخونة وكأننا على بعد أسابيع قليلة من الانتخابات. هذا أمر طبيعي فالأوضاع الداخلية والخارجية في الجمهورية الإسلامية تشهدُ تغييرات ومعادلات سياسية جديدة.

تنتخب ايران رئيسا جديدًا بعد أشهر من الانتخابات الرئاسية الامريكية، وكما أن التنبؤ بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية كان صعبًا، لن يكون التنبؤ بالنسخة الإيرانية سهلًا، إلا أنه ومن خلال قراءة الحسابات السياسية داخل إيران، يمكن الوقوف على بعض الخطوط العريضة.

خطة المرشد

في الذكرى الحادية والأربعين للثورة الاسلامية في إيران، أعلن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، عن ملامح خطته الجديدة لإدارة البلاد تحت عنوان “المرحلة الثانية من الثورة” التي تتضمن تجديد الإدارة الإيرانية وتمكين الشباب “الثوري” من حكم البلاد. وظهرت الملامح الأولى لاستراتيجية خامنئي في الانتخابات البرلمانية الحادية عشرة وظهور المحافظين الجدد الذين قادهم رئيس البرلمان الحالي وأحد قادة الحرس الثوري سابقًا، محمد باقر قاليباف، ليحققوا نجاحًا عريضًا في صناديق الاقتراع.

أكد أية الله خامنئي، على ضرورة تنفيذ خطته خلال الأشهر القليلة الماضية أثناء إلقاءه كلمة وسط جموع من الطلاب، حين طلب منهم الاستعداد لتسلم الادارة، وإعداد جيل من القادة الشباب الثوريين لخلق موجة ثورية فتية جديدة. دائمًا ما تكون خطابات المرشد الاعلى، وإن كانت بشكل غير مباشر، تعليمات أو بمصابة الإعلان عن خططه لملامح السياسة الإيرانية، لذلك، اعتبر الموالون له والمسؤولون الايرانيون، أن هذه التصريحات ما هي إلا خارطة طريق لكل من يفكر فى الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2021. خاصة بعد أن أظهر خامنئي تصميما على تحقيق خطته الجديدة منذ عام 2019، بتحركاته لضخ الدماء الشابة الثورية في عروق النظام.

هل سيكون الرئيس القادم عسكريا؟

الحديث عن وجود رئيس عسكري لإيران ليس بالأمر الجديد، فبعد أن بزغ نجم اللواء قاسم سليماني في السنوات الاخيرة، تردد اسمه بشدة للوصول الى المنصب وطالبت العديد من الشخصيات الأصولية بترشحه للانتخابات الرئاسية، لكن الرجل الذي كان يتمتع بقدر هائل من السلطة والنفوذ كان يعتبر مكتب الرئيس ضيقًا للغاية. رفض سليماني الأمر بنفسه قبل اغتياله وأعلن عدم رغبته الدخول في الساحة السياسية مفضلًا أن يكون “جنديًا من جنود آية الله خامنئي”، حسب تعبيره.

بالتقاط صفة “ثوريًا” من أحاديث المرشد الأعلى في توصيفه للرئيس الإيراني المقبل، يجد الكثير من قادة الحرس الثوري الرغبة في الترشح لهذا المنصب، معتمدين على تاريخهم طوال سنوات الحرب مع العراق، وحماية الجمهورية منذ تأسيسها إلى الآن.

روج، الجنرال محسن رفيق دوست، أحد مؤسسي الحرس الثوري الإيراني وأول وزير له، لهذه الفكرة بشدة في الأسابيع الماضية، في أحد لقاءاته الصحفية قال “أن وصول رجل عسكري الى الرئاسة، سوف يُحسن من أوضاع الإيرانيين”، ويبدو ان رفيق دوست يميل أكثر إلى ترشيح حسين دهقان، القائد السابق للقوات الجوية التابعة للحرس الثوري الايراني، الذي يحمل سجلًا طويلًا في وزارة الدفاع بجانب منصبه الحالي كمستشار لآية الله علي خامنئي، وهو ما يجعله خيارًا جيدًا بالنسبة إلى رجال الصف الأول من قادة الحرس الثوري.

في الآونة الأخيرة، زاد حسيمن دهقان من تقربه مع رجال الدين المحافظين، وبدا حريصًا على حجز موقع في السياسة الإيرانية بتواجده في أغلب اللقاءات الصحفية والتلفزيونية. يمكن القول بأن فرص دهقان بالفوز بمنصب الرئيس تبدو مرتفعة، فالرجل شغل مناصب حكومية في إدارات كلٍ من خاتمي ومحمود أحمدي نجاد، ولديه شخصية قوية وعلاقة جيدة مع آية الله خامنئي، كما أنه على دراية بالأمور الإدارية. رغم ذلك، تنقصه الكاريزما الشعبية، فطوال خدمته للنظام لم يتواصل دهقان مع الناس بشكل مباشر، كما فعل آخرون من قادة الحرس الثوري، سيكون أمام دهقان طريق شاقة للحصول على ثقة الناس.

ويبرز في معسكر الحرس الثوري محسن رضائي، الباحث عن منصب الرئاسة منذ سنوات طويلة، استقال رضائي منذ نحو 22 عامًا من منصبه في الحرس الثوري لدخول المعترك السياسي، خاصة أنه كان مقربًا من الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني أحد رجال الثورة الاقوياء.

كل هذه الأمور لم تمكن رضائي من الوصول إلى المنصب، ترشح للانتخابات في 2005، 2009، و 2013، لكنه لم ينجح في المرات الثلاث. اليوم، يبدو رضائي عازمًا على الترشح ومن الممكن أن يكون المنافس العسكري القوي للجنرال حسين دهقان إن لم يجمع قادة الحرس الثوري على مرشح واحد للدفع به.

بجانب دهقان ورضائي، هناك الكثير من الأسماء العسكرية الراغبة بخوض الانتخابات الرئاسية، منهم علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني وأحد أهم قادة الحرس الثوري، لكن على مايبدو أن خامنئي يفضل وجوده فى منصبه الحالي. هناك أيضا، رحيم صفوي ورستم قاسمي، وهما من قادة الحرس الثوري، وقد اعلنا عن نيتهما الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2021.

فرصة الأصوليين الكبرى

يُمكن التنبؤ بأن الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون الفرصة الكبرى للمعسكر الأصولي في إيران. وعليه، نجد بشكل شبه يومي بروز أسماء مرشحين أصوليين، وعلى الرغم من التشرذم الذي حدث للأصوليين في الانتخابات البرلمانية فبراير الماضي إلا أنهم يسيطرون الآن على البرلمان، وبعد خيبة أمل الايرانيين بالتيار الإصلاحي وأخفاق الرئيس المعتدل حسن روحاني في الوفاء بوعوده، يبدو الطريق أمام التيار الأصولي سالكًا.

من أبرز الأسماء المرشحة، برويز فتاح، رئيس مؤسسة المستضعفين، خرج فتاح بتصريحات حادة مؤكدًا وجود فساد مؤسسي في الدولة ولم يستثني مؤسسته، ونالت تصريحاته عددًا من قادة الحرس الثوري، فتاح يبدو مقربًا من محمود أحمدي نجاد، الشاب الثوري الذي راهن عليه آية الله خامنئي سابقًا.

فتاح من قادة الحرس الثوري، ومن ضمن أهم أربع شخصيات يراهن عليها التيار الأصولي في الانتخابات الرئاسية القادمة، يمكننا اعتباره النجم الجديد للأصوليين الذي تتوافر فيه جميع الصفات التي يرحب بها الزعيم الأعلى؛ يؤمن بالمبادئ الثورية للجمهورية الإيرانية ويتبع آية الله خامنئي في كل شي.

هناك أيضًا سعيد جليلي، المرشح المفضل للتيار الأصولي وكبير المفاوضين النوويين في عهد أحمدي نجاد، سبق وأن ترشح للانتخابات الرئاسية وحصل على أربعة مليون صوت، لكنه بدا مؤخرا ناقدًا بارزًا لسياسات روحاني النووية بعد انهيار الاتفاق النووي، قربهُ من الدوائر الأصولية الهامة ومن دائرة آية الله خامنئي، يجعله مؤهلاً لخوض الانتخابات الرئاسية.

ومن المحافظين الجدد الشباب، هناك اسم استطاع أن يحجز لنفسه مركزًا في السياسة الداخلية في فترة قصيرة وهو مهرداد بذرباش، أصولي ثوري شاب يدعمه كبار النواب الأصوليون في البرلمان، فاز بمنصب رئيس ديوان الرقابة المالية في البرلمان على الرغم من اختلافاته مع قادة المعسكر الأصولي، إلا أنه يحظى بدعم قاليباف حامي المحافظين الجدد ويمكن اعتماده كمرشح محتمل.

لا عزاء للإصلاحيين

في خضم وفرة أسماء المرشحين العسكريين والأصوليين، لا يبدو الإصلاحيون موجودين على الساحة. في السنوات الأخيرة، تعرض المعسكر الإصلاحي إلى ضربات قاتلة واتهمه الإيرانيين وشباب الإصلاحيين بالتكاسل وخيانة ثقة الجماهير، اختار هذا المعسكر الصمت وهو ما أعلن عنه، محمد رضا عارف، الإصلاحي البارز ورئيس كتلة الأمل الإصلاحية في البرلمان السابق عندما واجه انتقادات حادة على مواقفهم غير الواضحة والتلكؤ في تحقيق مطالب الشعب، بقوله: “كانت استراتيجيتنا الصمت”.

على أي حال، تتردد بعض الأسماء المرشحة لخوض الانتخابات الرئاسية والتي من الممكن أن تحظى بدعم المعسكر الإصلاحي، على سبيل المثال، تزداد الشائعات بخصوص ترشح كبير الدبلوماسيين الإيرانيين، وزير الخارجية جواد ظريف، إلا أنه نفى في أكثر من موضع ترشحه، كما ترددت أنباء عن ترشح النائب الأول الحالي للرئيس حسن روحاني، اسحاق جهانجيري، وهو من أعمدة الحركة الإصلاحية في إيران إلا أنه لم يحقق الكثير من الانجازات في منصبه الحالي ويفتقر إلى الشعبية اللازمة.

منشورات أخرى للكاتب