رهان طهران على بايدن: الطريق ليست سالكة

تزداد الأقاويل مؤخرًا، داخل إيران، عن مفاوضات تتم خلف الكواليس بين الجمهورية الإيرانية الإسلامية والمرشح للانتخابات الرئاسية الامريكية جو بايدن. سواءًا أكانت هذه الشائعات صحيحة أو لا، فالأمر غير مستبعد، فعليًا، تبدو تصريحات بايدن عن خطته  للتعامل مع إيران مبشرة للإيرانيين ويمكن أن تكون بابًا للتفاوض.

الاتفاق النووي الإيراني، أو ما يعرف رسميا بـ (خطة العمل الشاملة المشتركة) التي انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبلاده منها عام 2018، ستكون أهم المعضلات الماثلة أمام بايدن في حال فوزه في الانتخابات، سيكون أمام الرئيس الكثير من العقبات لحل مشكلات عامين عصيبين، كانا نتاج السياسية الخارجية للرئيس دونالد ترامب تجاه إيران.

داخل المؤسسة السياسية الايرانية، يتسارع المسؤولون لإعلان رفض التفاوض مع ترامب إذا فاز بولاية ثانية، لكن على ما يبدو فإن طهران منفتحة للتواصل مع بايدن إذا تم انتخابه.

هؤلاء الذين يأملون في هزيمة ترامب وفوز منافسه وضعوا البيض كله في سلة واحدة، على أمل أن يكون بايدن هو باراك أوباما الثاني، لكن في الحقيقة، لا التوقيت ولا المتغيرات المستجدة تجعل العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران مثلما كانت أثناء التفاوض على الصفقة النووية.

ثنائية الضغط والصبر

قبل أن يدخل الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض عام 2017 كان لا يفوت فرصة ينتقد فيها الصفقة النووية التى أبرمتها إدارة سلفه باراك أوباما، وعلى الرغم من نصائح حلفاء الولايات المتحدة بعدم اتخاذ أي خطوة تصعيدية من شأنها تدمير الاتفاق النووي، انسحب ترامب من الصفقة مع سلسلة من الأحداث والإجراءات المتصاعدة بينه وبين طهران.

في البدء، التزمت إيران بما أسمته حينها بـ “الصبر الاستراتيجي” في محاولة منها لإقناع الأطراف الأوروبية الأخرى، الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة، بتحدي العقوبات الأمريكية أحادية الجانب والعمل على إنجاح الاتفاق النووي، لكن مع لجوء الإدارة الامريكية إلى سياسة الضغط الأقصى فقدت إيران صبرها، وبدأت في التخلص تدريجيًا من التزاماتها المتعلقة بالاتفاق النووي.

كانت نتيجة هذا الكم المتصاعد من العناد بين الطرفين، تصاعد التوترات وزيادة إمدادات إيران من اليورانيوم المخصب، وبينما كان الرئيس ترامب يرغب في إخضاع إيران للتفاوض على صفقة جديدة تشمل برنامجها الصاروخي وأنشطتها الاقليمية، تقترب طهران من صنع القنبلة الذرية بحسب ما يصرح المناؤون لها، وعليه، الأمور تزداد سوءًا.

في المحصلة، خسر الرئيس ترامب الرهان على اخضاع إيران، وخسرت طهران اقتصادها وأحد أهم قادتها العسكريين. اليوم، يؤكد الرئيس المحتمل جو بايدن أنه سيعود إلى الاتفاق النووي إذا تم انتخابه.

العودة مقابل العودة

في كل خطوة كانت تتخذها طهران لتقليص التزاماتها النووية (مجموعها خمس خطوات كانت الأخيرة في يناير الماضي بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة) كانت تؤكد على إمكانية التراجع في حالة عودة الرئيس ترامب إلى الصفقة النووية ورفع العقوبات. في حقيقة الأمر، لقد صمم الايرانيون خطوات تقليل الامتثال، بإمكانية التراجع عنها في أي وقت.

عندما أعلن المرشح جو بايدن في خطاباته أنه على استعداد للعودة إلى الاتفاق النووي، أعلنت طهران على لسان ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة عن شرطيها للعودة إلى الصفقة مرة أخرى، الأول: تعهد الولايات المتحدة بعدم خرق الاتفاق مرة ثانية، والثاني: تعويض إيران عن الخسائر المادية التي تسببت بها ادارة الرئيس ترامب بانسحابها من الصفقة. هذا بجانب رفع جميع العقوبات الاقتصادية.

تعلمت طهران الدرس جيدًا وأدركت أنه لا يوجد مجال للمزيد من التنازلات خاصة بعد حزمة العقوبات شديدة القسوة التي فرضتها واشنطن التي منعت الإيرانيين حتى من استيراد الأدوية والإمدادات الطبية اللازمة لمواجهة تفشي جائحة فيروس كوفيد 19.

لطالما حذر الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، من سهولة إعادة فرض العقوبات الامريكية ومن عدم تضمين الصفقة النووية أي بنود تحمي إيران من التقلبات الأمريكية، لذلك فضمان العودة الأمريكية للاتفاق النووي مع رفع العقوبات هو شرط لن تتخلى عنه المؤسسة السياسية الايرانية.

في المقابل، يبدو محيرًا تفسير تصريحات كبار مستشاري جو بايدن بخصوص إيران والعودة إلى الاتفاق النووي، فعلى سبيل المثال، يقول توني بلينكن المرشح المحتمل لمنصب مستشار الأمن القومي، إن الولايات المتحدة لن تعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إلا بعد الامتثال الايراني الكامل لبنود الصفقة، وخلال هذا الأمر، ستبقى جميع العقوبات الامريكية سارية المفعول.

سيكون الرئيس المحتمل بايدن أمام معضلة كبيرة؛ عودة واشنطن للاتفاق النووي ورفع العقوبات وهو ما تطلبه طهران، أو التفاوض على شروط عودة الطرفين معًا وهو مسار بطيء لن يحل الأمور سريعًا.

رئيس ايران الجديد

في حال تم انتخاب بايدن واختيار المسار البطيء والدخول في المزيد من التفاوضات ومناقشة شروط طهران، من المتوقع أن يستغرق ذلك وقتًا وستكون إيران على أعتاب اختيار رئيس جديد، ونظرًا للإتجاه المحافظ المتشدد الذي تسير فيه السياسية الداخلية الايرانية، فمن المتوقع أن تجلب الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2021، رئيسا متشددا، وقتئذ؛ ستختلف الأمور تمامًا.

الأصوليون في إيران لا يريدون التفاوض؛ سواءًا كان بايدن في البيت الأبيض أو الرئيس ترامب. إذا كانت المفاوضات النووية بين إيران وإدارة الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما قد نجحت رغم اعتراضات الأصوليين، فهذه المرة تبدو الأمور مختلفة، يشدد آية الله خامنئي، مرارًا وتكرارًا، على أن لا مفاوضات إيرانية مع الولايات المتحدة، خصوصًا بعد مقتل القائد العسكري قاسم سليماني.

البرنامج الصاروخي والنشاط الإقليمي

عقبة أخرى تجعل من المرشح جو بايدن ليس بالخيار الأمثل للإيرانيين بالضرورة وهي التفاوض على برنامج إيران الصاروخي وأنشطتها الاقليمية. كبار مستشاري بايدن يؤكدون أنه في حال قرر بايدن العودة إلى الاتفاق النووي، دون شروط ورفع العقوبات عن إيران، سيواجه الرئيس الجديد معارضة كبيرة من حلفائه العرب واسرائيل، الذين كانوا بالأساس أشد الناس انتقادا لـ (خطة العمل الشاملة المشتركة) التي رأوا أنها كانت بمثابة إعلان تخلٍ من باراك أوباما عن حلفاء واشنطن في المنطقة وتسليمه رقابهم إلى الإيرانيين.

في حال قرر بايدن تعليق عودته إلى الاتفاق النووي لحين التوصل إلى اتفاق معين بشأن البرنامج الصاروخي الإيراني ونشاطاتها في المنطقة بجانب ملف حقوق الإنسان (الديمقراطيون مهتمون بهذا الامر)، سيأتي الرد الإيراني على الفور بالرفض. لن تتفاوض طهران على صواريخها الباليستية مهما كلفها الأمر، خصوصًا وأنها تعتبرها قوة الردع الأساسية. في نفس الوقت، لن تتخلى طهران عن وكلائها وأنشطتهم في الشرق الأوسط، فمحور المقاومة كما تسميه طهران، هو من أهم خطوط الدفاع لديها.

إلى الآن، لم يفسر بايدن سياساته المستقبلية تجاه إيران بالكامل، لكن من خلال القراءات الأولية لتصريحات مستشاريه والأوضاع التى خلفتها سياسة الرئيس ترامب تجاه ايران، من الممكن التكهن بأن بايدن لن يكون العصا السحرية لحل جميع مشكلات إيران مع الولايات المتحدة.

يبدو جو بايدن أكثر وضوحًا قبالة سياسة ترامب الغامضة تجاه طهران، لم يعرف الإيرانيون السيناريوهات المقبلة مع بقاء الرئيس ترامب في منصبه، يطلب ترامب التفاوض ويفرض عليهم المزيد من العقوبات في الوقت ذاته، قبالة ذلك، تبدو سياسية بايدن واضحة للإيرانيين، رغم ذلك، يجب أن لا يضعوا كامل أملهم فيه.

منشورات أخرى للكاتب