لماذا تستمر طهران في دعم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي؟

تولى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي منصبه في وقت عصيب، إذ لا تزال نار الاحتجاجات متجددة بالتوازي مع تفشي جائحة فيروس كورونا في بلد قطاعهُ الصحي في حالة يرثي لها، يضاف لذلك إنخفاض أسعار النفط حيث يعتمد العراق على واردات النفط بشكل رئيسي في ميزانيته.

ليست تلك التحديات الوحيدة التي على الكاظمي مواجهتها، هناك أيضًا صراع إيراني أمريكي يدور جزء من يومياته على الأراضي العراقية التي تمثل ساحة أساسية للاشتباك حيث تنهال صواريخ الجماعات المسلحة العراقية، ليلًا ونهارًا، على المنطقة الخضراء.

بدأ الكاظمي فترة ولايته الحرجة بمحاولة إخراج العراق من الصراع بين طهران وواشنطن وتقليص النفوذ الإيراني في العراق، دمج البلاد فى محيطه العربي وتحسين علاقاته الدولية.

حاول الكاظمي أن تكون أول زيارة خارجية له إلى المملكة العربية السعودية، خصم إيران الإقليمي، خطوة تعثرت بسبب مرض الملك سلمان فسافر إلى طهران ليبدأ من هناك فصلًا جديدًا في العلاقات الإيرانية العراقية.

أصدقاء؛ لا أتباع

حظت زيارة الكاظمي إلى طهران باهتمام وترحيب كبير من الإيرانيين، واختارت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ البداية دعم الكاظمي للوصول إلى رئاسة الوزراء في خطوة اعتبرها البعض تراجعًا للنفوذ الإيراني في العراق، لكن في حقيقة الأمر لا يدل دعم طهران للكاظمي على أي تراجع بل هي استراتيجية جديدة لإيران داخل العراق.

قد لا يبدو الكاظمي مرشحًا مثاليًا لإيران لكنها اعتبرته الرجل المناسب الذي يمكنه أن يتولى قيادة تلك الفترة الحرجة، خاصة بعد اغتيال قائدها العسكري قاسم سليماني الذي كان وحده من يستطيع التعامل مع الملف العراقي بما يستجيب لمصالح طهران.

بالعودة الى زيارة الكاظمي لطهران التي يمكن وصفها بأنها تأسيس لمرحلة جديدة في العلاقة بين البلدين، حاول الكاظمي تحديد ملامح الزيارة والهدف منها، ففي اجتماعه مع الرئيس حسن روحاني، أكد الكاظمي أن ما تتطلع له بغداد هي “علاقات وطيدة مع إيران، ولكن على أساس المساواة بين دولة ودولة”.

تتوافق رغبة الكاظمي مع الاستراتيجية الإيرانية الجديدة تجاه العراق، فقد أكد الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي في لقائه بالكاظمي، على أن بلاده لا تتدخل في الشأن الداخلي العراقي، هم فقط أصدقاء وجيران تربطهما الكثير من الروابط والعلاقات القوية، بحسب تعبيره.

وفيما حدد الكاظمي ملامح العلاقة بين العراق وإيران، قامت الأخيرة بوضع الشروط الأساسية لدعمها المشروط للكاظمي. لطهران أولويتان واختارت الكاظمي للقيام بها، إخراج القوات الأمريكية من العراق أولًا، واقناع واشنطن باستمرار العراق في استيراد الكهرباء من ايران ثانيًا.

طرد القوات الأمريكية من العراق

ترى إيران أن إخراج القوات الامريكية من العراق هو الانتقام الأمثل لاغتيال الولايات المتحدة لسليماني في يناير الفائت في غارة جوية ببغداد. ويعتقد الإيرانيون أن على العراق الصديق، الذي قدم سليماني له الكثير من المساعدات وكرس جهده لتخليصه من تنظيم الدولة الإسلامية، مساعدة طهران في الانتقام لمقتله.

الأمر مهم بالنسبة لطهران، وهو ما أكده آية الله علي خامنئي للكاظمي قائلا “أمريكا هي العدو، ويكفي أنها قتلت ضيفكم على أراضيكم”.

يمكننا أن نستنتج أن دعم طهران للكاظمي مشروط بمصير القوات الأمريكية فى العراق، بين البقاء أو الرحيل. لن تتهاون إيران في هذا الأمر حتى وإن كان صناع القرار في طهران يرون أن الكاظمي هو الرجل المناسب فى هذا التوقيت ومن الواجب دعمه. جدير بالذكر هنا التذكير بأنه وقبل زيارة الكاظمي إلى واشنطن بيوم واحد، زار قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الايراني، الجنرال اسماعيل قاآني، بشكل سريع ومفاجئ بغداد واجتمع بالكاظمي ليؤكد على طلب طهران برحيل القوات الأمريكية من العراق.

خيبة أمل

طلبت إيران والفصائل السياسية والمسلحة العراقية الموالية لطهران من الكاظمي مطلبين رئيسيين قبل زيارته الأخيرة إلى واشنطن، جدول زمني محدد لخروج القوات الأمريكية وتمديد الإعفاءات على استيراد الكهرباء من إيران، وهو ما لم يتحقق شيءٍ منه. على الرغم من نية الرئيس دونالد ترامب في سحب قوات بلاده من العراق إلا إنه لم يعطي موعدًا محددًا لذلك، الأكثر من ذلك، الكاظمي خرج بتصريح مفاده حاجة العراق إلى التواجد العسكري الأمريكي لمواجهة فلول تنظيم الدولة الإسلامية في أطراف البلاد.

أصيبت طهران والجماعات العراقية الموالية لها بخيبة أمل من زيارة الكاظمي لواشنطن، بدا الكاظمي الذي كانت تأمل إيران أن يضطلع بمهمة طرد الأمريكيين من العراق مستغلًا علاقاته الوثيقة مع الولايات المتحدة يبتعد، شيئًا فشيئًا عن إيران لصالح الولايات المتحدة والعالم العربي، خاصة بعد لقائه بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في العاصمة الأردنية عمان وتأكيده على حاجة العراق للتعاون مع جيرانه العرب لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.

وعلى الرغم من انسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من قاعدة التاجي العسكرية بالعراق، إلا أن صواريخ الفصائل المسلحة العراقية المقربة من إيران لم تتوقف في استهداف المنطقة الخضراء والسفارات الاجنبية لإحراج الكاظمي والولايات المتحدة التي كانت قد رهنت خروج قواتها العسكرية بضمان الكاظمي بحماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية في البلاد.

هل ستغير طهران استراتيجيتها الجديدة؟

لسنوات، تعامل الجنرال الإيراني قاسم سليماني مع العراق على أنه مصدر خطر دائم على بلاده، وعليه، تبنى خطة أمنية للتعامل مع بغداد ونجح في خلق شبكة من الموالين داخل جميع أجهزة الحكومة، والمؤسسات الأمنية العراقية. وبدلًا من خلق تحالف استراتيجي دائم ومستدام مع العراق، وايجاد مصالح مشتركة بين البلدين، أصبح التعامل يسير باتجاه أن تصبح الكلمة العليا في العراق في يد الإيرانيين.

جاءت الاحتجاجات الشعبية في العراق لتندد بالنفوذ الإيراني في البلاد، قام المتظاهرين بحرق القنصليات الإيرانية لتضع طهران أمام تحدٍ جديد، إما أن تستمر في سياسة “سليماني” أو أن تنصت لصوت الشارع والاحتجاجات محاولة تحقيق هدفها المتمثل في إخراج القوات الأمريكية من العراق من خلال خلق توازنات جديدة، تغيير الاستراتيجية وبناء شبكة مصالح واستثمارات يستفيد منها البلدين معًا.

حتى الآن، لم يحقق الكاظمي ما كانت طهران تأملهُ منه، والسؤال: هل ستستمر طهران فى دعم الكاظمي؟ الإجابة: نعم، تعلمت ايران من الاحتجاجات العراقية الدرس جيدًا، وهي تعلم أن الحل الأمثل الآن هو تقليص دورها فى الساحة السياسية الداخلية في العراق، تعلم أيضًا أن كلفة سحب الدعم من الكاظمي ستكون باهظة.

لكن هذا لا يعني أن طهران ستترك للكاظمي التحكم بالمشهد العراقي كاملًا، دلالة ذلك على الأقل، هجمات الصواريخ والمستمرة على العاصمة، عدم مدها يد العون لمساعدة الكاظمي في دمج قوات الحشد الشعبي داخل القوات المسلحة الرسمية للدولة العراقية. لا يبدو أن إيران ستقبل بمحاولات الكاظمي كبح جماح الفصائل المسلحة العراقية، الفصائل التي وصف آية الله علي خامنئي بأنها “نعمة للعراق يجب الحفاظ عليها”.

منشورات أخرى للكاتب