كيف يمكن أن نفهم وثيقة التعاون طويل الأمد بين إيران والصين؟

أثار تسريب المسودة النهائية للاتفاقية الصينية الإيرانية التي تحمل عنوان “التعاون الإيراني الصيني الشامل لمدة 25 عامًا”، الكثير من الجدل وسط انقسام للآراء داخل إيران. بين من يرى الاتفاقية خطوة جيدة لخلق شراكات جديدة بعيدًا عن الغرب الذي لم يستطيع إنقاذ (الإتفاق النووي الإيراني) وبين من يرى أن بكين تريد استعمار إيران وإغراقها في الديون كما فعلت مع عدد من الدول الافريقية.

بنود الاتفاقية

كان الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، أول من أثار موضوع الاتفاقية بين إيران والصين بانتقاده لها وللسرية المُحاطة بها، توالت بعد ذلك الأخبار والتقارير التي تتناول بنود هذا التعاون الاستراتيجي الذي من المفترض أن يستمر لمدة 25 عامًا. تبع ذلك تسريب المسودة النهائية المكونة من 18 صفحة باللغة الفارسية إلى وسائل الإعلام المختلفة.

يتضح من قراءة سريعة لتلك المسودة – التي لم يتم التوقيع عليها إلى الآن – أن بكين تنوى الاستثمار في أغلب القطاعات الإيرانية مقابل الطاقة. على سبيل المثال، في قسم الأهداف الرئيسية لوثيقة التعاون بين ايران والصين، نجد الهدف الأول هو قيام إيران بإمداد الصين بالطاقة التي تحتاجها لمدة 25 عامًا بتسهيلات مريحة في الدفع، أسعار مخفضة، مقابل الاستثمارات الصينية المختلفة.

بإيجاز شديد، ستقوم بكين بتقديم استثمارات ضخمة لإيران في سوق تطوير حقول النفط، الموانئ، الطرق، السكك الحديدية، البنوك، الإتصالات، النقل، البنية التحتية، قطاع السياحة، بالإضافة إلى التعاون الاستخباراتي والعسكري الموسع.

الاتجاه شرقًا

في عام 2016، وبعد دخول الإتفاق النووي الإيراني أو ما يعرف رسميًا باسم (خطة العمل الشاملة المشتركة) حيز التنفيذ، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بالزعيم الأعلى الايراني آية الله علي خامنائي، لبحث سبل التعاون بين البلدين، أسفر هذا اللقاء، عن تعاون شامل بين البلدين يعتبر نواة الاتفاقية طويلة الأمد التي تم تناولها علانية في الأسابيع الماضية.

بعد الانسحاب أحادي الجانب من قبل ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب من الإتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات وفشل الغرب في إنقاذ الصفقة النووية وتأمين منافعها الاقتصادية لطهران، دعا آية الله علي خامنائي إلى العمل باستراتيجية “الاتجاه شرقًا” التي تحدث عنها أكثر من مرة في العديد من المناسبات.

بعد توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وبالتزامن مع تراجع الإقتصاد الإيراني بسبب السياسة الأمريكية المتمثلة في أقصى قدر من الضغط على طهران، أصبح الوقت مناسبًا لتعميق وتوسيع التعاون الاستراتيجي بين بكين وطهران، تنازلت الجمهورية الاسلامية في إيران عن موقفها الرافض لعقد شراكات طويلة الأمد مع أي قوى عظمى وقررت خوض التجربة مع الشريك الصيني لمواجهة الضغوط الأمريكية.

لسنوات عديدة، كان آية الله علي خامنائي يحاول التأكيد على ضرورة الاتجاه نحو الشرق لمواجهة الغرب والولايات المتحدة، فالرجل معجب بالنموذج الاقتصادي الناجح للصين ويطمح لتحقيقه داخل إيران، خاصة وأن كلا البلدين لا يضمنان الحريات السياسية ومن السهل إيجاد نقاط مشتركة للتفاهم بينهما. وعليه، لا يبدو مستغربًا أن بصف آية الله خامنائي التعاون طويل الأمد غير المسبوق بين الصين وإيران بأنه “صحيح وحكيم”.

استعمار جديد؟

تمتلك الصين علاقات تجارية واسعة مع بلدان الشرق الأوسط منذ زمن طويل، ومع انتهاء الحرب الباردة كان دافع بكين الرئيسي في هذه العلاقات هو استمرار الحصول على الطاقة.

أهم الانتقادات التي وجهت إلى الاتفاقية الصينية الإيرانية هو ما أثير عن تواجد عسكري صيني على الأراضى الإيرانية بحجة حماية الاستثمارات الصينية، وبغض النظر عن تصدير بعض الشخصيات لهذا الأمر مثل نجل شاه إيران السابق، فإن هذه النقطة غير موجودة في المسودة النهائية للاتفاقية والتي تضمنت جميع البنود التي سيتم التوقيع عليها في المستقبل القريب.

ومما يجعل تصديق هذا الأمر صعبًا، هو أن إستراتيجية الصين في العالم النامي تقوم على الهيمنة الاقتصادية دون الحاجة على تواجد عسكري أو تكاليف عسكرية، ومع ذلك فإن القسم العسكري من بنود الاتفاقية الصينية الإيرانية واسع النطاق، ويتضمن الصناعات العسكرية وصيانة وإنتاج الأسلحة، دون ذكر أي تواجد صيني عسكري.

من ضمن الانتقادات الموجهة للاتفاقية هو اتهامها بأنها تمهد لاستعمار جديد لإيران، من مظاهرها سيطرة بكين على عدد من الموانئ الإيرانية الهامة، وهو ما نفاه مسؤولون إيرانيون وعلى رأسهم وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، أكدوا، أن بكين ستعمل على تطوير الموانئ والجزر الإيرانية فقط، لكن في نفس الوقت، تناولت بعض التقارير الإعلامية داخل إيران توثيق  عمليات صيد قرب الجزر الإيرانية لصالح سفن صيد صينية، وهو ما أزعج الصيادين الإيرانيين.

طريق الحرير الجديد

تتناول الإتفاقية الايرانية الصينية العديد من الاستثمارات في النقل وخطوط السكك الحديدية، وهو ما يماثل أسلوب بكين في توجيه استثماراتها في العديد من البلدان. يعتقد كثيرون داخل إيران أن مشروع “الحرير الجديد” ليس سوى توسيع للنفوذ السياسي والإقتصادي والعسكري للصين في العالم وأن على طهران أن لا تكون جزءًا من هذا المشروع.

في السنوات الماضية، رفضت المؤسسة السياسية في إيران أن تكون البلاد جزءًا من هذا المشروع لكن إيران اليوم في وضع مختلف، لا يبدو من السهل على طهران أن تقاوم ضخ مئات المليارات للإستثمار في البنية التحتية المتداعية مع الوضع الاقتصادي الايراني المنهار، هذا عرض لا يمكن للقادة الإيرانيين رفضهُ بسهولة، خاصة وأن خطة طريق الحرير الجديد سوف تضع إيران في تقاطع الممرات التجارية الدولية، ما ييوفر العديد من المزايا الاقتصادية لطهران.

الاتفاقية الصينية الإيرانية ودول الخليج

يمكن فهم الاتفاقية الصينية الإيرانية بأنها تحدٍ واضح للولايات المتحدة ومحاولة للحد من النفوذ الأمريكي في المنطقة، لكن لا يجوز فهم التعاون الاستراتيجي بين إيران والصين على اساس أنه ضربة موجهة لدول الخليج. في العقدين الماضيين، عملت الصين على تعميق العلاقات مع كلا من إيران والمملكة العربية السعودية، تبدو بكين حريصة على التواجد في الخليج والحفاظ على علاقات جيدة مع كافة الأطراف الاقليمية.

يثير رفض مجلس الأمن الدولي طلب الولايات المتحدة تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران مخاوف أمنية لدول الخليج، من هذه المخاوف أن تصبح الصين مصدرًا مفتوحًا لتسليح إيران. وعلى أي حال، لا يبدو أن بكين ستخاطر بشركائها في الخليج بهذه السهولة وهو ما ستتفهمه طهران بالضرورة، إذ بالرغم من العلاقات الوثيقة بين طهران وبكين إلا أن الأخيرة لا تجاري طهران في طموحاتها الإقليمية.

لا يمكن الحكم على الاتفاقية مبكرًا، كما لا يمكن التكهن بجميع مزاياها وعيوبها في الوقت الحاضر خاصة وأن ما تم تسريبه هي مسودة (غير موقعة) وأن تفعيل الاتفاقية يحتاج إلى مناقشتها في المجالس التشريعية في البلدين وإقرارها.

ما هو واضح فعلًا، هو أن ثمة أسبابًا عديدة ومصالح مشتركة تحث على المضي في هذا التعاون بين إيران والصين، كما أن هناك منافع اقتصادية كبرى ستعود على طهران التي تعيش تحت ظل اقتصاد منهكٍ ومُحاصر. 

منشورات أخرى للكاتب