اتفاق الإمارات وإسرائيل: المكاسب والخسارات

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخميس 13 أغسطس/ آب الجاري عن "اتفاق سلام" بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل يُمهد ويسمحُ للبلدين بتطبيع العلاقات والمضي في تبادل السفراء وتدشين الرحلات الجوية المباشرة والتعاون في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية. وفيما رحبت كل من البحرين وسلطنة عمان ومصر والسودان بالإتفاق نددت كل من تركيا وإيران وغالبية القوى الفلسطينية به.

لسنوات، نشأت علاقات سرّية بين إسرائيل وبعض دول الخليج. ولئن كان اتفاق السلام الإسرائيلي الإماراتي يمثل منعطفًا فارقًا ومحوريًا في العلاقات الخليجية الإسرائيلية نظرًا لما يتضمنه من توطيد كامل للعلاقات بين البلدين إلا أن كلًا من قطر وعمان (عملت في البلدين مكاتب تجارية إسرائيلية ما بين عام 1996 وعام 2000م) تمتلكان علاقات نافذة مع تل أبيب، كذلك تخطو البحرين في علاقات التطبيع مع اسرائيل بثبات فيما لا تزال السعودية متحفظة في الإعلان عن أي نوع من العلاقات رغم وجود بعض الإشارات على أن نشوء علاقات أو تفاهمات بين تل أبيب والرياض قد لا يكون بعيدًا.

خلفية الإتفاقية

تعدّ الإتفاقية الإماراتية الإسرائيلية نتيجة طبيعية ومتوقعة لسلسلة من الإشارات والمقدمات التي ساقتها أبوظبي للدلالة على رؤيتها وفهمها المغاير لما يجب أن تكون عليه العلاقات الخليجية والعربية مع إسرائيل. وشهدت السنوات الأخيرة حضورًا اسرائيليًا ملحوظًا في مختلف الفعاليات والمؤتمرات الإقتصادية والرياضية في الإمارات كما كانت الأخيرة رافعة وشريكًا رئيسيًا في مؤتمر صفقة القرن (خطة ترامب للسلام) الذي استضافة أعماله العاصمة البحرينية المنامة في يونيو/ حزيران 2019. يضاف لذلك التعاون الأمني والعسكري الواسع بين أبوظبي وتل أبيب، منها شراء الإمارات برمجيات تجسس إسرائيلية وتواجدهما في مناورات عسكرية مشتركة مع بلدان أخرى. نحاول في هذا التقرير الإجابة على سؤال يتعلق بالمكاسب والخسائر المتوقعة بالنسبة للطرف الخليجي من الإتفاق.

أبرز المكاسب الإماراتية

  1. سيكون للإمارات – ثالث دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل بعد مصر والإردن – أن تكون أكثر اشتباكًا وتأثيرًا، عربيًا ودوليًا، في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما سيعزز من نفوذ المحور (السعودي الإماراتي) الذي يضم كل من مصر والبحرين.

  2. من المؤكد أن تعزز الإتفاقية الإماراتية الإسرائيلية من قوة اللوبي السياسي وجماعات الضغط التابعة لأبوظبي في واشنطن خصوصًا وأن هذه الجماعات ستكون مدعومة من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن -أحد أقدم وأهم قوى الضغط والتأثير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة – في كثير من الملفات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الملف الإيراني حيث تتطابق وجهات النظر الإماراتية والإسرائيلية إلى حد بعيد.

  3. يؤمن الإتفاق للإمارات شراكة إستراتيجية ومتينة بين الإمارات والولايات المتحدة خصوصًا إذا استطاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الظفر بالإنتخابات الرئاسية المقبلة. تمثل الخطوة الإماراتية تجاه إسرائيل محاولة إنقاذ لصفقة القرن (خطة ترامب للسلام) المتعثرة، كما أنها ستساعد الأمريكيين على الدفع بصفقة القرن خطوة إلى الأمام في الدورة الرئاسية الثانية لترامب. رغم ذلك، لا يجب إغفال أن ثقل وطبيعة وتعقيد شبكة المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط لا تقل أهمية وتأثيرًا فضلًا عن صعوبة التكهن بنتائج الإنتخابات الأمريكية.

  4. يتيح التعاون الإماراتي الإسرائيلي في شقه الأمني للسلطات الإماراتية شراكة مهمة واستثنائية مع وكالة الإستخبارات الإسرائيلية (الموساد) الذي يتعبر واحدًا من أهم أجهزة الإستخبارات تطورًا في منطقة الشرق الأوسط. وهو ما سيعزز من مكاسب جهاز الأمن الوطني الإماراتي في العديد من القضايا، من أهمها، مواجهة إيران وتنظيم الإخوان المسلمين الذي تصنفه كل من تل أبيب وأبوظبي تنظيمًا إرهابيًا. تجدر الإشارة هنا إلى شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لرئيس جهاز الموساد يوسي كوهين على ما وصفه بـ "تطوير العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج على مدار السنين مما ساعد في نضوج اتفاقية السلام مع الإمارات".

  5. يتيح الإتفاق للإمارات – وهي لاعب رئيس في الأزمة الليبية – الدخول والإشتباك والقدرة على التأثير في أزمة (شرق البحر الأبيض المتوسط) عبر انضمامها لمحور (اليونان – قبرص – إسرائيل) في مواجهة تركيا. وهو ملف حساس بالنسبة لأنقرة التي ترتبط مع الغريم الخليجي للإماراتيين (قطر) بتحالف وثيق تعززه قاعدة عسكرية على الأراضي القطرية. سيكون في مقدور الإماراتيين إلهاء الغريم التركي في تعقيدات الموقف شرق المتوسط وبما يتصل والموقف الليبي الذي تحاول الإمارات تعزيز نفوذها التي تراجع مؤخرًا مع تدخل الأتراك العسكري لصالح حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج.

سلة الخسارات والتحديات

  1. يُكرس الإتفاق الصورة الذهنية السلبية لمحور (الإمارات – السعودية) في الشارع العربي، وهو المحور المتهم بالتنازل عن الثوابت العربية – وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي – والإنزياح عن قضاياه المركزية، وهو ما يبدو جليًا وظاهرًا من مجمل التغطيات الإخبارية والمواقف المجتمعية المنددة بالإتفاق من مختلف الدول العربية. ورغم الترسانة الإعلامية الوازنة التي يمتكلها الإماراتيون إلا أنها تبدو عاجزة وتتموضع في موقف الدفاع والتبرير لعقد الإتفاق.

  2. سيكون على الإمارات تحمل كلفة توتر جديد مع إيران التي اعتبرت الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي تهديدًا مباشرًا لها ولحدودها الممتدة على شاطئ الخليج، وفيما تعتقد طهران أن الإتفاق يحول الإمارات إلى قاعدة قد ينطلق منها الإسرائيليون للإضرار بمصالح إيران وأمنها الإستراتيجي، سيكون على الإماراتيين الحذر من نزاع اقليمي كبير تكون فيه الإمارات مسرحًا للأحداث وتصفية الحسابات.

  3. تبعًا للتنديد الإيراني والتركي بالإتفاقية ونظرًا لتعقيدات الموقف في الخليج، تبدو الإمارات مجبرة على الذهاب إلى زيادة إنفاقها العسكري وتأمين حدودها، وهو ما سيرهق مالية الدولة بالمزيد من الإنفاق العسكري المرتفع أساسًا (المركز 7 عالميًا ضمن قائمة أكثر الدول استيرادًا للأسلحة – التقرير السنوي لتجارة الأسلحة العالمية الصادر عن معهد سيبيري مارس/أذار 2019).

  4. ترتكز أبرز المكاسب الإقليمية للإمارات على نجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية المقبلة. وفي حال نجاح مرشح الحزب الديمقراطي جو بادين في الوصول إلى البيت الأبيض، فهو ما يعني إحداث تغييرات جذرية في ملف (علاقات واشنطن مع طهران) و(الأزمة الخليجية) وغيرها من الملفات الإقليمية، وقتئذ، سيكون الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي محدود المكاسب، إن لم يكن ضرره أكثر من نفعه.

  5. من شأن الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي أن يحمل الإماراتييين مسؤولية سياسية وأدبية تجاه أي تصرفات غير مسؤولة أو انتهاكات تقوم بها إسرائيل في إدارتها لأي ملف من الملفات الشائكة على حدودها، سواءًا في الداخل الفلسطيني، أو في لبنان وسوريا.

خاتمة

يمثل الإتفاق الإسرائيلي الإماراتي رهانًا جديدًا للإماراتيين في تقديم الإمارات العربية المتحدة باعتبارها قوة خليجية وإقليمية صاعدة ومؤثرة في منطقة الشرق الأوسط. وهو ذات الدور الذي قامت به دولة قطر إبتداءًا من العام 1996م قبل أن تنكفأ مع إنقلاب مصر يونيو/حزيران 2013م وتيقنها من خسارة الحرب السورية العام 2014م. يجب أن لا ننظر إلى هذا الإتفاق من زاوية تماسه أو اشتباكه مع (الصراع العربي الإسرائيلي) أو (القضية الفلسطينية) وحسب، فهو يمتد لتعقيدات الإقليم كله وصراع المحاور فيه. وبجانب المكاسب والحوافز التي ستظفر بها الإمارات في أكثر من سياق، سيكون عليها مواجهة تحديات جديدة وجدية يتجاوز خطرها ما يترشح من الرأي العام العربي من شيطنة لقيادتها السياسية أو اتهامات حادة بالتآمر على القضية الفلسطينية والعبث بها.

منشورات أخرى للكاتب