رفع حظر الأسلحة: فصل جديد في نزاع واشنطن وطهران
بعد 12 عامًا من المحادثات الشاقة بين إيران والغرب تم التوصل إلى الصفقة النووية فى عام 2015م. طوال عاميين ماضيين، تقف هذه الصفقة على حافة الهاوية، وربما كانت نهايتها في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إذا ما تمكنت إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران.
فى شهر مايو/آيار 2020، كشف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، عن خطة واشنطن الجديدة، التي تهدف إلى منع رفع حظر الأسلحة المفروض عن ايران، وبالرغم من انسحاب إدارة الرئيس ترامب من الصفقة النووية بأكملها فى مايو 2018، إلا أن الإدارة الامريكية تجادل بأنها مازالت تحتفظ بحقها القانوني في استخدام آلية الزناد أو ما يعرف بـ snapback، التي تتيح للولايات المتحدة والاطراف الاوروبية، رفع شكوى ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في حال انتهاكها لبنود الاتفاق النووي، وهو ما يعنى عودة كافة العقوبات الدولية تلقائيًا على طهران.
بعد مرور ستة أيام على إبرام الاتفاق النووي الإيراني، أصدر مجلس الأمن الدولي قرار رقم 2231، (محل النزاع الحالي)، والذى يلغي كافة القرارات السابقة، والتي أدت الى عقوبات دولية واسعة النطاق على إيران، في عهد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد.
تمكنت ايران من خلال صفقتها النووية مع الغرب، ولأول مرة فى تاريخ الامم المتحدة، من إلغاء العقوبات العسكرية، الاقتصادية، النفطية، والسلع ذات الإستخدام المزدوج التي فرضت عليها سابقا.
لكن مع رفع أغلب العقوبات عن طهران، قرر مجلس الأمن الدولي الإبقاء على بعض القيود الخاصة بشراء الاسلحة التقليدية وبيعها لمدة خمس سنوات من تاريخ التوقيع على الاتفاق النووي، والتي ستنتهى في شهر أكتوبر القادم، وحينها يحق لإيران شراء وبيع الأسلحة دون أى قيود.
الحظر جزء من استراتيجية الضغط
سحب الرئيس ترامب بلاده من الصفقة النووية منذ عامين وتقود ادارته حملة “أقصى ضغط” على طهران على أمل تعديل سلوكها فى المنطقة، واجبارها على المفاوضات لعقد صفقة جديدة بشروط أمريكية جديدة.
لكن، عندما وجدت المؤسسة السياسية الايرانية أنها لم تجنى ثمار الإتفاق النووي، وأن الدبلوماسية وصلت إلى طريق مسدود مع الرئيس ترامب، وردًا على استراتيجية الضغط الأقصى الامريكية، بدأت في تنفيذ استراتيجية “أقصى المقاومة”، والتى تشمل تقليل التزاماتها بالإتفاق النووي تدريجيًا، مؤكدة أنها في أى وقت تعود فيه واشنطن إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، ستعكس الأمر، وتلتزم بشكل كامل بخطة العمل الشاملة المشتركة.
حاولت الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي، إيجاد حل مناسب لكلا البلدين لحماية الاتفاق النووي من الإنهيار بالكامل، لكن الأمور لم تسير على مايرام.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة لم تعد “مشاركة” في الإتفاق النووي الآن هي تهدد باستخدام آلية الزناد لعودة العقوبات كاملة ضد طهران، وهو ما لا يجوز قانونيًا بحسب طهران، إذ تنص مسودة الصفقة النووية الايرانية على أن من يحق له استخدام تلك الألية يجب أن يكون طرفًا “مُشاركا”، وهذا ما تكرر أكثر من 20 مرة في المتن الأساسي للصفقة، إلا أن إدارة الرئيس ترامب تجادل بأنها مازالت قادرة على إثبات حقها فى وقف رفع حظر الاسلحة عن ايران.
الموقف الأوروبي:
ستكثف إدارة الرئيس ترامب في الأسابيع المقبلة نشاطها لإثبات أنها مازالت طرفًا مشاركًا في الإتفاق النووي، ويحق لها الاحتجاج على تقليص التزامات إيران النووية، باستدعاء آلية “snapback” التي تستعيد كافة العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق.
وتسعى واشنطن ضمن تلك الخطة، إلى الحصول على الدعم الأوروبي، خاصة بعد أن أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أول تقرير سلبي بخصوص برنامج إيران النووي، في الأشهر الماضية، بعد أن تم منع مفتشي الوكالة من زيارة بعض المنشأت النووية داخل إيران.
وبالرغم من أن حلفاء واشنطن الأوروبيين، والموقعين على الاتفاق النووي (ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة)، والاتحاد الأوروبي، اعترضوا على انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية إلا أنهم في نفس الوقت يشاركون واشنطن في بعض الاعتراضات على برنامج الصواريخ الباليستية لإيران، وهذا ما أدى إلى استدعاء الدول الاوروبية آلية فض المنازعات المنصوص عليها ضمن الاتفاق النووي للحد من إخلال إيران بالتزاماتها النووية.
فيما يخص الخطة الأمريكية بشأن تمديد حظر الاسلحة، تخشى الدول الأوروبية مساندة واشنطن في خطتها، فهي مازالت تحاول إنقاذ ما يمكن انقاذه من الإتفاق النووي، وتمكين إيران من الحصول على بعض الفوائد الاقتصادية لهذا الاتفاق، بالرغم من أن جميع تلك المحاولات لم تلبي احتياجات إيران الاقتصادية.
من المستبعد أن تجد الولايات المتحدة، دعمًا أوربيًا لتنفيذ خطتها الأخيرة خاصة مع وجود روسيا والصين، وهما طرفان في الصفقة النووية ومن أهم حلفاء إيران في الوقت الراهن.
ماذا سيحدث إذا نجحت الخطة الأمريكية؟
لا يمكن الجزم بنجاح أو فشل مساعي الإدارة الأمريكية في تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، لكن إذا افترضنا نجاحها فسيكون للأمر تداعيات على السياسية الخارجية والداخلية لطهران.
إقليميًا، ستزيد الفجوة بين واشنطن وطهران، وسيكون احتمال انسحاب إيران من معاهدة الحد من الإنتشار النووي كبيرة، فالبرلمان الحادي عشر والذي يسيطر عليه التيار الأصولي مستعد تمامًا للإنسحاب من تلك المعاهدة التى يرى أن الانضمام لها من البداية مثل تقييدًا لطموحات البرنامج النووي للبلاد.
بتمديد حظر الأسلحة على إيران، ستكون طهران قد فقدت جميع مزايا الصفقة النووية، وهي حاليًا، بخطتها تقليص التزاماتها النووية، قد طورت من قدراتها في تخصيب اليورانيوم، وهذا ما يضعنا أمام احتمالية تسريع خطواتها لصنع قنبلة ذرية، جراء تمديد حظر الأسلحة.
وبالنظر إلى تطورات المشهد السياسى داخل ايران، وسيطرة المعسكر الأصولي، وعودة النبرة العدائية تجاه كل من يريد التفاوض مع الغرب والولايات المتحدة، سيكون لنجاح الولايات المتحدة في تمديد حظر الأسلحة على إيران تأثير قوى فى الداخل، وسينتهي أي صوت اصلاحي أو معتدل يطالب بخروج إيران من عزلتها، وضرورة انفتاحها على المجتمع الدولي، وبالمناسبة تلك النتيجة فى تزايد منذ تبني إدارة ترامب لخطة الضغط الأقصى منذ عامين.
ماذا، إذا تم رفع حظر الأسلحة؟
تحاول إدارة الرئيس ترامب أن تصور للمجتمع الدولي والشركاء الأوربيين أن رفع حظر الأسلحة عن ايران يعني أن الأخيرة بشراء أحدث المعدات العسكرية والأسلحة الفتاكة. وهي وجهة نظر مبالغ فيها، إذ أن واردت طهران من الأسلحة ستكون مقتصرة على الصين وروسيا، إذ لا تزال عقوبات الإتحاد الاوروبي ضد إيران بخصوص شراء الاسلحة سارية حتى عام 2023.
بالنسبة لشراء الأسلحة من الصين وروسيا، تبدو إيران متضررة إلى حد كبير من العقوبات الاقتصادية الأمريكية، ويعاني اقتصادها من أزمات بالغة، خاصة مع تفشي فيروس كورونا والاحتجاجات الاجتماعية على سوء الأحوال المعيشية، من غير المتوقع أن تغامر طهران الآن بشراء الاسلحة، وحتى لو حدث هذا الأمر، فلن تتمكن طهران بين ليلة وضحاها من امتلاك ترسانة ضخمة من الأسلحة، يحتاج الأمر لسنوات طويلة وميزانية مالية وازنة.