كيف ستؤثر تسريبات “معمر القذافي” على الأزمة الخليجية وتنظيم “الإخوان” في الكويت؟

منذ أسابيع، بدأ حساب المُعارض القطري خالد الهيل @khalidalhaill على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” في نشر مقاطع صوتية “سرية” استهدفت وزير الشؤون الخارجية لسلطنة عُمان يوسف بن علوي، تحولت المقاطع الصوتية لاحقًا إلى استهداف شخصيات كويتية وازنة، محسوبة على تيار الإخوان المسلمين، كانت قد التقت بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي قبل الإطاحة به. 

تضمنت التسجيلات ما يشي بوجود تآمر على السعودية، وهو ما يعزز وجهة النظر السعودية والإماراتية المُشككة في موقف سلطنة عمان من جهة والتي تعتبر تنظيم الإخوان المسلمين خطرًا حقيقيًا على استقرار دول الخليج من جهة أخرى. جهات عمانية وكويتية دافعت عن محتوى التسجيلات واعتبرت مواقف هذه الشخصيات “مُسايرة” للرئيس القذافي الذي كان حينها يخوض خلافًا سياسيًا حاميًا مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ما بين الأعوام 2003 و2009 تخللتهُ محاولة اغتيال ليبية فاشلة.

خلفية التسريبات

يأتي التصعيد الأخير، بعد تراجع فرصة الوصول لحل سياسي لتبريد الأزمة الخليجية الراهنة بعد إخفاق الوساطتين العمانية والكويتية المدعومتين من واشنطن. لا يبدو واضحًا السبب المباشر وراء بث التسجيلات التي تحصلت عليها جهة خليجية – يؤكد المستهدفون أنها الإمارات وهو ما ينفيه الهيل – عقب سقوط نظام الرئيس الليبي ومقتله في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011م. رغم ذلك، لا تبتعدُ هذه التسجيلات عن كونها فصلًا اعتياديًا من فصول الأزمة الخليجية واستمرارًا طبيعياً لها وليومياتها، الجديد في هذا التصعيد، هو أنه أشبه ما يكون بالمصيدة التي تحاول جر واستقطاب الوسيطين العماني والكويتي إلى داخل الأزمة والاشتباك فيها، كما أنها تمثل “اختبار جهد” دقيق لكل من الحكومة الكويتية من جهة، ولجماعة الإخوان المسلمين في الكويت، أفرادًا ومؤسسات، من جهة أخرى. 

على أي حال، ربما دفعت هذه المعطيات كل من سلطنة عُمان أو الكويت إلى التفاعل مع هذه التسريبات وهو ما لم يحدث حتى الآن، إذ غالبًا ما تنأى الجهات الرسمية في دول الخليج عن التفاعل المُعلن مع القضايا التي تخص أمن الدولة، لكن يبقى متوقعًا، بعد صدور بيان من الديوان الأميري الكويتي فند إدعاء النائب السابق – وأحد الذين شملتهم التسجيلات المسربة – مبارك الدويله بأنه نقل إلى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مجريات الحديث مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، يبقى متوقعًا أن تحقق النيابة العامة الكويتية حول هذا الإدعاء، وقد يشمل ذلك محتوى التسجيلات المُسربة.

من المستبعد أن لا يكون لهذه التسريبات تأثيرات سياسية أو تداعيات على العلاقات الثنائية بين دول الخليج بشكل مباشر أو غير مباشر. كذلك هو الحال بالنسبة لتموضع تنظيم الإخوان المسلمين داخل الخارطة السياسية في الكويت والذي قد يتعرض للإهتزاز. لكن من غير المتوقع أن تنزلق كل من السلطنة والكويت إلى أتون الأزمة الخليجية المُتصاعدة، وهو ما سيبقى رهينًا بالأيام المقبلة وما تحملهُ من مفاجآت.

محور الأزمة الخليجية

يعدّ خالد الهيل أحد أبرز المعارضين القطريين ويرتبط بعلاقات وازنة مع كل من الإمارات والسعودية ومصر. وبحسب ما يصرح به الهيل على حسابه في “تويتر” فإن المزيد من التسجيلات سيتم بثها خلال الأسابيع المقبلة. وبحسب الهيل أيضًا، لا تقتصر هذه التسريبات على أرشيف الرئيس الليبي السابق معمر القذافي بل تشمل أرشيف الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين أيضًا.

بطبيعة الحال، سيكون لتسريبات وأدلة جديدة حول تورط شخصيات كويتية أو خليجية تأثيرات بالغة على العلاقات الخليجية – الخليجية المتصدعة، والمرشحة للمزيد من التوتر. خصوصًا وأن الزاوية التي ترتكز عليها هذه التسريبات تحاول الربط بين جماعات الإخوان المسلمين في دول الخليج وتلقيها دعمًا مباشرًا من السلطات القطرية، وهو ما يهدف إلى التشويش على العلاقات القطرية الكويتية بشكل خاص.

قطر التي تعرضت لضغوط كبيرة من تحالف السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ منتصف عام 2007، نجحت في خلق توازن استراتيجي قبالة العواصم الخليجية المناوئة لها عبر تمتين علاقاتها مع واشنطن وعواصم أوروبية، كذلك مضيها في بناء تحالف عسكري وازن عبر منح تركيا قاعدة عسكرية بشكل عاجل وتفعيل اتفاقية دفاع مشترك، وهو ما ساعد القطريين على تجاوز مقاطعة اقتصادي (حصار اقتصادي كما يراه القطريون) وحظر جوي لطائراتها من التحليق على غالبية الأجواء الخليجية. وهو أيضًا – بحسب تعبير أمير الكويت – ما ساهم في تراجع أي خيار عسكري في الأزمة الخليجية. هذا المنجز القطري يبدو اليوم أمام اختبار دقيق في المحافظة على توازن علاقاتها مع الجارتين الخليجيتين عمان والكويت، وهو ما قد يضطرها في توقيت ما إلى إعادة النظر في استمرار صداقتها مع العديد من السياسيين ورجال الدين الكويتيين المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين.

محور الإخوان في الكويت

يعود نشاط جماعة الإخوان المسلمين – مؤسساتيًا – في الكويت إلى يونيو/ جزيران 1963 مع تأسيس “جمعية الإصلاح الاجتماعي” كوريث لـ “جمعية الإرشاد” التي تأسست في عام 1952. 

وتعتبر الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” الممثل السياسي للإخوان، ونظرًا لمنع الأحزاب السياسية تتمظهر الحركة على أرض الواقع ككتلة سياسية كويتية ظهرت في 1991م وكان لها تمثيل شبه دائم في انتخابات مجلس الأمة الكويتي، أما فيما يخص علاقات “جماعة الإخوان المسلمين” ومؤسسة الحكم في الكويت فقد مرت هذه العلاقة بفترات متقطعة من التحالف في الوقوف أمام جماعات اليسار والحركات القومية من جهة وانزياح ممثلي الجماعة السياسيين إلى خيار المعارضة. رغم ذلك، تتغلغل جماعة الإخوان داخل العديد من مؤسسات الدولة في الكويت وتتسم بقوة التنظيم مقارنة بجماعات الإسلام السياسي “السنية” الأخرى.

وبناءاً على طبيعة المحتوى ونمط التسويق الإعلامي، تحاول التسريبات – التدليل والتركيز على ما تحاول كل من أبوظبي والرياض تأكيده، وهو أن جماعة الإخوان المسلمين في الكويت وكل دول الخليج يمثلون خطرًا حقيقيًا على استقرار أنظمة الحكم. قبالة ذلك، لا يمكن الوقوف أو الإطمئنان إلى أن هذا هو الهدف “الحقيقي” و”الوحيد” من النشر، وذلك لأسباب عدة، ومنها: 

أولاً: إحجام كل من الرياض وأبوظبي عن إستهداف تيار الإخوان المسلمين في البحرين وهي البلد الحليف، خصوصاً وأن تيار الإخوان مُمثل مؤسساتيًا وبجمعية سياسية مرخصة وله حضور عميق داخل أجهزة الدولة. 

ثانياً: لماذا انتظرت الجهة المالكة للتسريبات كل هذا الوقت حتى تقرر نشرها؟ خصوصاً وأنها جهة خليجية وكان من اللازم عليها تسليم الكويت هذه التسريبات فور الوصول إليها. 

ثالثاً: ترتكز الحملة الإعلامية المرادفة للتسريبات على محاولة ربط هذه الشخصيات بالسلطات القطرية، وهو ما يشير إلى أن تعكير العلاقات القطرية الكويتية يمثل أولوية لدى جهة التسريب.

خاتمة

ليس في مقدور هذه التسريبات أن تحدث اختراقًا وازنًا بما يصل حد توريط كل من مسقط والكويت والدخول في الاشتباك الخليجي أو اصطفاف الحكومتين العمانية والكويتية إلى جانب المحور السعودي الإماراتي في الأزمة، لكنها في الوقت ذاته قد تتسبب في تثبيط عزيمة/ تراجع حماس الدولتين عن المضي في جهود الوساطة إذا ما أحستا أن هذه الوساطة قد تتسبب لها في أزمات داخلية متوالية. 

سوف تحاول الإمارات والسعودية ممارسة المزيد من الضغوط على كل من الكويت وعمان لتحييدهما في الأزمة، خصوصًا أن الرياض وأبوظبي تفسران موقف كل من مسقط والكويت بالموقف الأقرب إلى الدوحة منه للحياد. قبالة ذلك، سوف تضطر الدوحة إلى مراجعة أرشيفها وتنظيفه وسد المنافذ التي خلفتها حقبة ما قبل العام 2014 حين كانت الدوحة تسعى بكل قوتها ونفوذها في بناء إمبراطوريتها العظمى. لا ننسى أن نشير إلى أنه سيكون على جماعة الإخوان المسلمين في الكويت القبول بأنها لن تستطيع الخروج من الأزمة دون خسائر وأن رحيل بعض “وجوه” الصف الأول هو ما قد يُخفف من فداحة هذه الخسائر عليها.

منشورات أخرى للكاتب