فيروس كورونا: الفرصة الضائعة بين واشنطن وطهران

بينما يحارب العالم أجمع عدواً مجهولاً لا يُرى بالعين المُجردة، تبدو المعركة بين واشنطن وطهران في خلفية هذا المشهد العالميمستمرةً وحيّة، صحيحٌ أن أمر هذه المعركة، في هذه الأيام، لا يبدو مهماً للكثيرين، خاصة وأن أغلب دول العالم نالت نصيبها من جائحة فيروس كورونا والانشغال بها، إلا أن احتمال الاستيقاظ على دوي هذه المعركة لا يزال قائمًا.

منذ الصيف الفائت وازدياد حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ينتظرُ الجميع في أي لحظة اندلاع شرارة الحرب، زاد ترقب الحرب بين البلدين بعد اغتيال واشنطن للجنرال قاسم سليماني، الجنرال الأهم في الجمهورية الإسلامية، لكن الأمور انتهت عند عدد من الهجمات الإيرانية على قواعد عراقية تستضيفُقواتٍ أمريكية.

عند هذه النقطة، يبدو أن الصراع قد تجمد قليلًا، حيث يُحافظ البلدان على خفض التصعيد على أمل دراسة الخطوات المقبلة. على حين غرة، حضور وباء كوفيد-19 أتى ليشعل الأمور مرة أخرىوليضع المنطقة أمام عدد من التطورات والسيناريوهات الجديدة.

الوقت الأمثل للعاصفة

يدرك المُراقبون -داخل وخارج إيران- وضع الاقتصاد الايراني الذي يقف على حافة الهاوية بسبب العقوبات الامريكية من جهة، وسوء الإدارة من جهة أخرى. مرت ايران بسلسلة من الأحداث الدرامية الكبيرة، ففي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 خرج الإيرانيون للاحتجاج ضد قرار الحكومة رفع أسعار الغاز، وهي الاحتجاجات التي انتهت بحملة دموية لم تشهدها الجمهورية الاسلامية منذ تأسيسها عام 1979. تبع ذلك اغتيال اللواء قاسم سليماني وانتهاءًا بإسقاط الحرس الثوري -عن طريق الخطأ- طائرة ركاب أوكرانية ما أدى إلى مقتل جميع ركابها وأغلبهم من الايرانيين، ليخرج الناس للشوارع مرة أخرى احتجاجًا على تستر الحكومة على حادثة الطائرة، قبل أن تعترف به لاحقًا.

وبجانب انخفاض أسعار النفط، أثار فيروس كورونا العواصف في إيران مجددًا، مبيعات النفط التي كان من المفترض أن تغطي ما يقارب نصف ميزانية الدولة لهذه السنة المالية أصابها الشلل. وعلى أي حال، الاقتصاد الايراني الذي تقلص بنسبة 22 في المئة منذ أن انسحبت ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015، يعاني المزيد من الضغوط في مواجهة فيروس كورونا الذي عصف بالبلاد.

لاءات واشنطن…

منذ أعلنت إيران رسميًا تفشي فيروس كورونا في البلاد، بدأت الحكومة في حملة موسعة لدعوة دول العالم للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات التي تعيق محاربة إيران للوباء، بحسب الرئيس الإيراني حسن روحاني. ساعدت كلٌ من الصين وروسيا وبريطانيا الإيرانيين في تلك الحملة، ودعت هذه الدول الرئيس دونالد ترامب لرفع العقوبات، لكن الادارة الامريكية ظلت تردد -مرارًا وتكرارًا- أن العقوبات لا تعيق التجارة الانسانية مع إيران. من الناحية النظرية، يبدو تأكيد واشنطن صحيح، لكن من الناحية العملية يمكننا اعتبار قوانين وزارة الخزانة الأمريكية وإدراج أغلب البنوك والشركات الإيرانية على قوائم الإرهاب الخاصة بالولايات المتحدة، تجعل أي شركة أوروبية تفكر كثيراً وتتردد أكثر قبل المغامرة في بدء المعاملات التجارية مع إيران، خوفًا من الوقوع تحت فك العقوبات الأمريكية والخروج من النظام المصرفي العالمي.

لجأت إيران إلى طلب قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليار دولار، وهو الأمر الذي لم تقدم عليه الحكومة الايرانية منذ عام 1962. واشنطن أعلنت بشكل غير مباشر، أنها غير موافقة على هذا الاقتراض خشية أن يقوم النظام الإيراني بدفع تلك الأموال لتمويل وكلائه في المنطقة بدلًا من مساعدة الشعب الايراني، بحسب ما قاله وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.

إذن: هل سيزيد فيروس كورونا من التوتر بين الولايات المتحدة وإيران؟

من معطيات الاأمور، نحن أمام احتمالين، إما تصعيد الصراع، أو الحفاظ على الوضع الراهن.

بالنسبة إلى الاحتمال الأول، هناك العديد من الدلائل لصالح تصعيد الصراع، فمنذ شهر مارس الماضي شهدنا عدداً من هجمات الفصائل المسلحة العراقية -الموالية لطهران- ضد القوات الأمريكية، ما أسفر عن مقتل جندي بريطاني وجنديين أمريكيين. وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى سحب بعضٍ من قواتها في العراقرغم من نفيها أن سبب الانسحاب هي الهجمات الأخيرة بل إعادة التمركز والانتشار.

الولايات المتحدة مؤخراً قامت بفرض المزيد من العقوبات على أفراد وشركات ذات صلة بصناعة البتروكيماويات التي تعد بمثابة المنفس الأخير للاقتصاد الإيراني، كما وشهدت مياه الخليجمناوشات مؤخراً بين الحرس الثوري الإيراني والأسطول الخامس التابع للبحرية الامريكية، حيث اتهم الأسطول الأمريكي زوارق الحرس الثوري بارتكاب سلوكيات خطيرة باعتراض طريق أسطولها في مياه الخليج، وهو ما ردت عليه طهران بأن السفن الحربية الأمريكية مارست أعمالاً استفزازية تُهدد أمن واستقرار المنطقة.

يحدث كل هذا بجانب استمرار إيران في تصعيدها النووي الذي بدأته العام الماضي عبر تخليها تدريجيًا عن بنود الصفقة النووية، ومواصلة إنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب في مواقع محظورة وفقًا لبنود الاتفاقية، وعدم السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة تلك المواقع كما هو منصوص عليه في الاتفاق النووي. وصل الأمر إلى تهديد قادة ايرانيين، بالأخص مدير الوكالة الذرية الايرانية، باحتمالية انسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، وعلى ما يبدو أن البرلمان الايراني المنتخب حديثًا عاقد العزم على اتخاذ تلك الخطوة بالفعل.

بالنسبة إلى الاحتمال الثاني، ومحافظة الطرفين معاً على تجميد الصراع لفترة، لايزال هذا الاحتمال أيضا قائمًا. حين نقارن رد الولايات المتحدة عندما قُتل متقاعد أمريكي جراء هجمات الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران عبر اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وبين ردها الأخير المتحفظ على مقتل الجنود الامريكيينفي هجمات معسكر التاجي، نجد أن الرئيس ترامب لا يريد الدخول في معركة أخرى خارج حدود بلاده. لدى الرئيس الأمريكيفي الداخل ما يكفيه؛ جائحة كورونا، الأزمة الاقتصادية المستفحلة ومعركته الانتخابية المقبلة.

ضمن دلائل احتمالية تجميد الصراع، هو عدم لجوء إيران لطلب رفع العقوبات مباشرة من الإدارة الأمريكية بل تفضيلها استخدام حملة دبلوماسية إعلامية لإحراج واشنطن ووضعها في موقف غير إنساني، باستمرارها في استهداف أرواح الايرانيين. وهو ما يمكن تفسيره، بأن المؤسسة السياسية الايرانية تريد تجنب تصعيد الصراع، وكسب المزيد من الوقت حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وانتظار أن يتحول فيروس كورونا لسبب قوي يقف أمام إعادة انتخاب الرئيس ترامب لمدة رئاسية ثانية، حينها من الممكن أن يصل إلى البيت الأبيض منيمكن لقادة إيران التفاوض معه.

ما يبدو واضحًا، هو أن طهران وواشنطن أضاعتا فرصة دبلوماسية سانحة -وقد لا تتكرر مرة أخرى- للخروج من هذا المأزق، كان من الممكن أن تقوم الولايات المتحدة بمسؤوليتها كقوة عظمى تقود العالم، وتعمل على تخفيف العقوبات عن إيران حفاظًا على أرواح الملايينمن الإيرانيين، مقابل أن تقدم طهران بعض التنازلات والمرونة،مثال ذلك التوقف عن تصعيدها النووي ووقف الهجمات ضد القوات الأمريكية في المنطقة، حتى يمر البلدين والعالم أجمع من هذا الكابوس.

منشورات أخرى للكاتب