انتخابات “شورى” عُمان: توليفة ديمقراطية آن لها أن تنضج
يتوجّه العمانيون نهاية الشهر الجاري إلى صناديق الإقتراع لممارسة حقّهم في انتخاب أعضاء مجلس الشورى/البرلمان/ للمرة التّاسعة في تاريخ السلطنة للفترة 2019/2023م. يتنافس المرشّحون لهذه الإنتخابات في الحصول على مقعد من ضمن الـ86 مقعدا في مجلس الشورى العماني، ممثلين لـ61 ولاية.
وفي الواقع لا يبدو هذا الإستحقاق الإنتخابي شبيها بأي تجربة ديمقراطية أخرى. بل إنه ولفرادته يثير العديد من نقاط الإستفهام بل والإستغراب في أحيان كثيرة. فمن جهة هو”عرس انتخابي”، كما يذهب العمانيون إلى تسميته، ولكنه يجري في هدوء، دون حملات ولا قوائم إنتخابية ممثلة للأحزاب، إذا ما استثنينا الضجّة التي تثيرها بسمة مبارك الكيومي، المترشحة عن ولاية بوشر في هذه النسخة التاسعة من انتخابات مجلس الشورى العماني. ولعلّ أكثر ما يبعث الحيرة في هذا الاستحقاق الإنتخابي، هو هذا التداخل ما بين تسمية المجلس ووظيفته!
من المتعارف عليه أن مجلس النواب، مجلس منتخب ومجلس الشورى مجلس معيّن، لكن في التجربة العمانية يبدو الأمر مختلفا فمجلس الشورى مجلس منتخب، يمارس مهامه لفترة برلمانية تدوم أربع سنوات، ولكنه في الآن ذاته منتخب وفق توليفة عمانية صرفة لعلّ آخرها السماح بالتصويت الإلكتروني.
وللإشارة فمجلس الشورى العماني بدأ مهامه باعتباره مجلسًا استشاريًا منذ العام 1984م، وكان يضمّ ممثلين عن ولايات السلطنة يتم تعيينهم من قبل السلطان قابوس. وفي العام 2011م عرف المجلس نقلة نوعية استجابة لمطالب العمانيين مع موجة المطالبات الشعبية بالديمقراطية والحرية التي شهدها العالم العربي في ذلك العام. ومنح مجلس الشورى العماني وبموجب هذه المطالبات، جملة من الإمتيازات ارتقت به من مجرّد مجلس شورى إلى ما يشبه البرلمان ولكن بخصوصيات تعتبرها الجهات الرسمية العمانية نوعًا من الجمع بين مفهوم الأصالة العمانية في الحفاظ على الهوية الحضارية وبين مفهوم المعاصرة بما تحمله من انفتاح على تجارب الآخرين، واستيعاب مقومات الحضارة الحديثة والاستفادة من بناء الدولة الحديثة بماهي دولة مؤسسات وقانون.
الملفت في انتخابات الشورى/البرلمان العماني أنها تقوم على انتخاب الأفراد لا القائمات الحزبية، إذ لا توجد قائمات ممثلة للأحزاب وذلك على اعتبار حظر تكوين الأحزاب في السلطنة، وعليه، فإن المترشحين للإنتخابات هم أشخاص يمثلون مختلف ولايات السلطنة بما تحتويه من خصوصيات مجتمعية تقوم بالأساس على مفهوم القبيلة والعشيرة التي تتحكّم في مجمل العملية الإنتخابية داخل كل ولاية.
من المؤكّد أنه آن للتجربة الديمقراطية في عمان أن تنضج، خصوصًا وأن هذه الإنتخابات ستكون النسخة التاسعة منها، فالترويج لتجربة ديمقراطية فريدة من نوعها تجمع بين الخصوصية الثقافية والإنفتاح على العالم، لم يعد يؤتي أكله إذ يتأرجح المجلس ما بين الصيغة الإستشارية التي تحملها التسمية وما بين الصبغة البرلمانية التي يروّج لها العمانيون، خصوصا بعد ما منح له من صلاحيات تشريعية ورقابية في سنة 2011، صلاحيات لم يتبيّن العمانيون لها أية فاعلية في ظل هيمنة السلطة التنفيذية على إتخاذ القرار.
ويبرّر بعض المتخصصين في الشأن العماني هذا التداخل بين شكل المجلس المؤسسي ووظيفته خصوصا بعد اصلاحات سنة 2011، بأنه استجابة طبيعية للنظام الإجتماعي في سلطنة عمان الذي يقوم على النظام القبلي وهو نظام يرفض العمانيون التخلي عنه، الشيء الذي حدا بالسلطة الحاكمة إلى السير به جنبا إلى جنب مع نظام الدولة والمؤسّسات إلى درجة أن هذا النظام الأخير تمكّن من استيعاب البناء القبلي ولكن وفق توليفة عمانية خاصة لم تحمّل السلطنة عبئًا سياسيًا، ولعلّ انتخابات مجلس الشورى أبرز تجلّياتها.
لكن التحرّكات الشعبية التي عرفتها السلطنة في العام 2011 والتي طالبت بصلاحيات أوسع وأجدى لمجلس الشورى تدحض هذه المبررات، بل إنها تؤكّد وعي المجتمع العماني وحاجته إلى الإرتقاء بالتجربة البرلمانية إلى مرحلة النّضج وبالتالي تمكينه من صلاحيات تشريعية ورقابية كاملة أسوة بالتجارب البرلمانية العالمية.
وعلى ما يبدو أن العمانيين وحدهم، وهم الذين سرّعوا سياسة “التّدرج” التي تروّج لها السلطنة سنة 2011 وتمكّنوا حينها من تحقيق بعض المكاسب وإن كانت محدودة، ستكون لهم وحدهم الكلمة الفصل في الإرتقاء بالتجربة الديمقراطية في بلدهم وتحويل مجلس الشورى من مجرّد برلمان صوري بصلاحيات مبهمة إلى برلمان حقيقي بصلاحيات حقيقية.
الجدير بالذّكر أنه يوجد نوع من الحراك الإيجابي والوعي لدى شريحة هامة من الناخبين العمانيين، يبرز من خلال وسم “تكلم_لأراك” الذي يتداوله العمانيون على منصة التواصل الإجتماعي “تويتر” وهو ما يشي بأن العمانيين يعون دقّة المرحلة وأهمّية الإرتقاء بالتجربة الديمقراطية في السلطنة والبداية كما يرونها، تكون بتقييم أداء الأعضاء السابقين في المجلس ولئن كان ذلك في ظل الصلاحيات المحدودة الممنوحة لهم.