استفتاء قطر: بين سردية جديدة للشورى وإعادة هيكلة للأولويات
أجرت قطر بداية الأسبوع الماضي استفتاء شعبيًا هو الثاني في تاريخها، صوّت فيه القطريون على مجموعة من التعديلات الدستورية، وكان أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قد دعا للاستفتاء عليها إثر إقرارها بالإجماع من قبل مجلس الشورى. وتشير نتائج الاستفتاء إلى حصوله على موافقة شعبية بلغت 90.6 بالمائة من إجمالي الأصوات كما أن الاستفتاء لقي استجابة وتفاعلا كبيرين من جانب القطريين، وبلغت نسبة المشاركة 84% من مجموع من تتوفّر فيهم شروط التصويت.
ومن أبرز التعديلات التأكيد في المادة رقم 1 على أن النّظام في قطر “ديمقراطي يقوم على الشورى والعدل وسيادة القانون”، إضافة إلى المادة رقم 77 والتي تنصّ على أن مجلس الشورى وهو البرلمان يتألّف من 45 عضوا، ويصدر بتعيين الأعضاء قرار أميري” بعد أن كان الأمير يعيّن 15 عضوا بينما يتمّ انتخاب الـ30 الباقين.
المادة رقم 80 أيضا أدخلت عليها بعض التعديلات الجذرية، فبعد أن كان يشترط في عضو مجلس الشورى أن تكون “جنسيته قطرية أصلية” بمعنى أن أجداده توطنوا في البلاد من قبل سنة 1930، أصبح يشترط في عضو مجلس الشورى أن يكون قطريًا وحسب، وهو ما يفتح الباب لتعيين من حصلوا على الجنسية القطرية ليتبوأ هذا المنصب أو أي منصب وزاري بحسب المادة رقم 117.
تحيل مجمل التعديلات على مبدأ المساواة وتكرّس عقيدة تكافؤ الفرص بين مختلف أفراد الشعب القطري، خصوصًا وأن انتخابات مجلس الشورى الفائت التي أجريت في أكتوبر عام 2021، والتي كانت بالمناسبة أول انتخابات تشريعية من نوعها تشهدها البلاد، قد تخللها جدل واسع بسبب اقتصار الترشّح والتّصويت على القطريين الأصليين واعتبر بعض القطريين آنذاك القانون الانتخابي ظالمًا وإقصائيًا.
التعديلات والعدالة الاجتماعية
لدى إعلانه عن التعديلات الدستورية خلال افتتاح أعمال الدورة العادية لمجلس الشورى القطري الشهر الماضي، قال الشيخ تميم أن التعديلات الدستورية والتشريعية تنطلقان من غايتين هما” الحرص على وحدة الشعب من جهة والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات من ناحية أخرى”، وأكّد في الوقت ذاته على أهميّة الوحدة الوطنية واعتبرها مصدر القوّة في مواجهة التّحدّيات. وهو ما يعني أن الاستقرار والأمان الوطني يحظيان بالأولوية القصوى لدى حاكم البلاد، وهو المحدّد الأوّل والأساسي في استمرار النّسق التنموي التصاعدي في البلد. ولعلّ الاحتجاجات التي شهتها البلاد إثر الانتخابات التشريعية الوحيدة التي عرفتها البلاد قد كانت الدافع الرئيسي إلى إقرار هذه التعديلات، وبالخصوص منها التعديل على شرط الجنسية الأصلية.
في المقابل، لسائل أن يسأل: لماذا لم تحافظ قطر على نظام الاقتراع في تشكيل مجلس الشورى؟ ولماذا اختار الشيخ تميم العودة إلى نظام التعيين؟
إن الرجوع إلى نظام التعيين الكامل يقوّض ركنا أساسيًا من أركان الممارسة الديمقراطية وهو الانتخاب على الرّغم من أنّ الدولة استندت إلى آلية ديمقراطية أخرى في تقويض الآلية الأولى وهي الاستفتاء.
على ما يبدو، لم تكن التجربة الانتخابية اليتيمة مثمرة بل إنها دقّت جرس الإنذار بأنها قد تتسبّب في صراعات داخلية تبدو البلاد في غنى عنها. وكان أمير البلاد واضحًا في خطابه الذي أكّد فيه أنه توجد “تقديرات مختلفة بشأن تداعيات التنافس بين المرشحين لمجلس الشورى على الأعراف والتقاليد والمؤسسات الاجتماعية الأهلية وتماسكها”. وهو ما يعني أن نظام التعيين سيعود إلى أهل الحل والعقد وممثلي القبائل والعائلات وسيحرص على أن يكونوا ممثلين بنوّاب داخل المجلس. وهو فعليا النظام الذي كان معمولا به قبل انتخابات العام 2021، كما أنّه النظام الذي دأبت عليه أغلب بلدان الخليج، والذي تعتبره الأنسب لضمان استقرارها، وباستثناء الكويت والبحرين، ترى دول الخليج أن هذا النظام هو الأكثر انسجاما مع ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، باعتبار الخصوصية الثقافية والمجتمعية لهذه الدول.
وتترجم نسبة المشاركة المرتفعة للتصويت على هذه التعديلات 84% وتصويت 90.6 منهم بالموافقة، على موافقة أغلب المواطنين على السياسات التي يقرّها حاكم البلاد والقرارات التي يرتئيها في تسييره لشؤون الدولة.
الديمقراطية مقابل الرفاهية
سبق وأن دُعي القطريون إلى أوّل استفتاء في تاريخ البلاد عام 2003 لإقرار مشروع الدستور الدائم في البلاد. وكما الاستفتاء الثاني، شهد الاستفتاء الأوّل نسبة مشاركة عالية أيضا حيث بلغت نسبة الموافقة على الدستور آنذاك 96.6%، مما يؤكّد أن الشعب القطري يستجيب دائمًا إلى سياسات بيت الحكم، وهو ما وصفه الشيخ تميم بالعلاقة “الأهلية” التي تحكمها مجموعة من الأعراف والآليات المعروفة للتواصل بين الشعب والحكم. وعلى ما يبدو، فإن هذه العلاقة “الأهلية” لم يعكّر صفوها سوى الانتخابات النيابية الوحيدة التي عرفتها البلاد والتي تخللتها احتجاجات وصدور أحكام قضائية في حق بعض المحتجين.
لا يوجد في قطر قوانين تنظم أو تسمح بتشكيل تنظيمات سياسية، بل إنه لا يوجد أي شكل من أشكال العمل السياسي المنظّم، حتى أن من ترشّحوا لعضوية مجلس الشورى في انتخابات 2021 كانوا مستقلين، ومع ذلك، لم يسجّل منذ عقود أن حراكًا مجتمعيًا قد طالب بالحق في العمل السياسي، إذ أنه لم يكن هدفًا ولا مطمحًا للقطريين.
من جهة ثانية، وبالرجوع إلى خطط التنمية في دولة قطر والتي تتجسّد من خلال رؤية قطر الوطنية 2030، نلاحظ أنها ترتكز على أربعة نقاط أساسية، يغيب فيها الجانب السياسي.
حدّدت رؤية 2030 والتي تهدف إلى أن “تصبح قطر بحلول عام 2030، دولة متقدّمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وتأمين العيش الكريم لشعبها جيلا بعد جيل”، أربعة ركائز أساسية لتحقيق هذا الهدف وهي التنمية البشرية، التنمية الاجتماعية، التنمية الاقتصادية وأخيرا التنمية البيئية. وعليه، لا يبدو أنّ التنمية السياسية وتكريس الممارسات الديمقراطية تشكّلان هاجسا لدى الحاكم والمواطن على حدّ السواء.
تشير التقارير إلى أن متوسط الراتب الشهري للقطري يتجاوز الـ4 آلاف دولار أمريكي، وهو ما يجعله الاول عربيًا والسادس عالميًا، ويحظى القطريون بامتيازات عديدة وخدمات مجانية داخل الدولة، مما يغلق كل أبواب الامتعاض المحتملة.
وبالنظر إلى تجارب البلدان العربية، وخصوصا الخليجية منها، لابدّ أن نلاحظ أن البلدان التي تقدّم مستوى عال من الرفاهية لمواطنيها تنخفض فيها المطالبات السياسية والاجتماعية.
جدير بالذّكر أنّ حصاد تجربة الربيع العربي في الوطن أعاد طرح ثنائية التنمية في مقابل الديمقراطية، فالبلدان التي نادت بأهمية الديمقراطية فشلت في تحقيق نسب تنمية معتبرة أو توفير العيش الكريم لمواطنيها. في مواجهة ذلك، تقف ما يُتعارف على تسميتهم ببلدان الرفاه، وهي البلدان التي توجّه إليها انتقادات دوليّة حادّة حول غياب الممارسة الديمقراطية داخلها، لكنّها في المقابل، نجحت في توفير منسوب محترم من التنمية والرفاهية والعيش الكريم لمواطنيها.
وعلى ما يبدو، يفتح المشهد السياسي في قطر الباب أمام ترسيخ مفهوم جديد لثنائية التنمية والديمقراطية، يقوّض فيه المفهوم الكلاسيكي ليتمّ ترسيخ مفهوم جديد أو ربّما هي إعادة صياغة لأولويات المجتمعات، وفق رؤية خليجية تؤكّد أن التنمية والأمان أهمّ من الديمقراطية وأن نظام الشورى هو شكل المشاركة السياسية الشعبية الذي ترتضيه لمواطنيها.