دوامة العجز المالي في عُمان: ستة براميل من كل عشرة تُذهب إلى القطاع العسكري

تتأتى خطورة العجز المالي في عمان من خصوصياته. فهو مرتفع حسب المقاييس العالمية المعروفة. ولا ينجم عن الإنفاق الاستثماري بل عن المصروفات الجارية، خاصة العسكرية. يضاف إلى ذلك، تزامن العجز مع تدهور حالة الميزان الجاري وما يترتب على ذلك من تفاقم المديونية الخارجية. ناهيك عن ارتفاع العجز الفعلي مقارنة بالعجز التقديري.

لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة اتخذت السلطات العامة عدة إجراءات لكنها غير كافية كما هو حال الخصخصة وأدت إلى تدهور مستوى معيشة المواطنين نتيجة تزايد العب الضريبي.

العجز الفعلي

توضع ميزانية الدولة لفترة لاحقة من الزمن وبالتالي فهي تتضمن أرقاماً تقديرية للإيرادات والنفقات. أما الأرقام الفعلية فتدرج بعد انقضاء هذه الفترة في الحساب الختامي للميزانية. الفرق بين المبالغ التقديرية والمبالغ الفعلية يوضح مدى دقة الميزانية.

في دول مجلس التعاون الخليجي يصعب تقدير الإيرادات العامة لارتباطها بالعوائد النفطية أي بمصدر يعتمد على عوامل ليست فقط داخلية بل كذلك خارجية. كما يصعب تخمين النفقات العامة لارتباطها بعوامل ليست فقط اقتصادية بل كذلك سياسية.

في عمان تتبين بوضوح هذه الصعوبات ولكن باتجاه واحد وهو ارتفاع العجز الفعلي مقارنة بالعجز التقديري. أي الحصول على إيرادات فعلية تقل عن الإيرادات التقديرية من جهة وإنفاق أموال تفوق الأموال المقدرة من جهة أخرى.

في عام 2017 قدرت الإيرادات بمبلغ 8700 مليون ريال في حين حصلت الدولة على إيرادات فعلية قدرها 8514 مليون ريال. وكانت النفقات المعتمدة في الميزانية 11700 مليون ريال في حين أنفقت الدولة فعلياً 12273 مليون ريال. وهكذا بلغ العجز التقديري 3000 مليون ريال في حين وصل العجز الفعلي إلى 3759 مليون ريال.

وعلى هذا الأساس ينتقل العجز التقديري من 10.7% من الناتج المحلي الإجمالي إلى عجز فعلي بنسبة 13.4%. يترتب على ذلك عدة نتائج ترتبط بالتمويل. فقد كان من المتوقع أن يسهم التمويل الخارجي بمبلغ 2100 مليون ريال. لكنه ارتفع من الناحية الفعلية إلى 4093 مليون ريال. وهذا التوصيف ينطبق أيضاً على ميزانية 2016 وحسابها الختامي.

الخصخصة

تستوجب الخطة الخمسية المطبقة حالياً توسيع مشاركة القطاع الخاص في جميع الأنشطة الاقتصادية وإحالة خدمات حكومية عديدة إلى هذا القطاع. وبالتالي تعد الخصخصة أداة للنهوض بالقطاع الخاص والتنمية الاقتصادية.

والواقع ظهرت هذه العملية بشكل بارز في دول مجلس التعاون بما فيها عمان على اثر تزايد العجز المالي. إنها إذن وسيلة لتخفيف العبء على ميزانية الدولة بالتنازل بصورة كلية أو جزئية عن المؤسسات العامة التجارية. كما أفضت التجارب إلى نتائج سلبية تخص مستوى معيشة المواطنين. إذ غالباً ما تقود إلى هبوط التشغيل وارتفاع الأسعار في آن واحد. بالنتيجة النهائية تدر هذه العملية أموالاً للحكومة وتؤثر سلبياً على المواطنين.

الدعم

في عام 2017 حصلت ميزانية الدولة على 130 مليون ريال جراء التنازل عن بعض الشركات العامة للقطاع الخاص. وبالتالي ينبغي عدم المبالغة في الدور المالي للخصخصة. فهذه الحصيلة لا تمول سوى 33.4% من العجز المالي الفعلي. علماً بأنها تمثل لحد الآن أعلى المبالغ. ففي عام 2016 لم تتجاوز حصيلة الخصخصة على عشرين مليون ريال أي 0.6% فقط من العجز التقديري. وعلى هذا الأساس لا تلعب هذه العملية دوراً فاعلاً في تنويع مصادر الإيراد العام الذي يعد من ابرز أهداف الخطة الخمسية والميزانية الحالية.

جرت العادة على اعتبار الدعم الحكومي لأسعار السلع والخدمات من العوامل الرئيسة للعجز المالي في دول مجلس التعاون بما فيها عمان.

مما لاشك فيه يلعب الإنفاق من اجل هذا الدعم دوراً في تفاقم العجز المالي. ولكن لا يجوز تضخيم هذا الدور. في عمان بلغت القيمة الفعلية لهذا الدعم 502 مليون ريال في عام 2017. ولا يشكل هذا المبلغ سوى 4.1% من النفقات العامة. في حين تمثل النفقات العسكرية 28.5% من الإنفاق العام. من هذه الزاوية تصبح توصيات صندوق النقد الدولي ضعيفة الجدوى لأنها تؤكد بإلحاح على تقليص الدعم وزيادة الضرائب وتهمل كلياً النفقات العسكرية. البيان رقم 18/280 الصادر عنه في 11 يوليه 2018 والمتعلق بمشاورات المادة الرابعة مع عمان يصب في هذا الاتجاه.

الانفاق العسكري

يقتصر القطاع العسكري على الاستهلاك لعدم وجود صناعات محلية للأسلحة. وبالتالي لا يخلق فرص عمل للمواطنين ولا يسهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية خاصة النمو. لذلك تضطر الدولة إلى استيراد مختلف المعدات العسكرية. وهكذا ترتفع النفقات العامة الجارية وكذلك فاتورة الاستيراد. الأمر الذي يقود إلى تزايد عجز الميزانية العامة والميزان الجاري. وتتبين خطورة النفقات العسكرية من خلال العلاقات التالية:
علاقة الإنفاق العسكري بالناتج المحلي الإجمالي. تنفق عمان 3.8 مليار ريال في السنة للدفاع والأمن. أي ما يعادل 12.7 من الناتج المحلي الإجمالي. في حين لا يتعدى المعدل العالمي 2.2%. تعادل النفقات العمانية إذن اكثر من خمسة أضعاف المعدل العالمي.

وبذلك يمكن تصنيف عمان ضمن الدول الأكثر إنفاقاً من الناحية العسكرية على الصعيدين العربي والعالمي. وعمان من هذه الزاوية تفوق العراق والسعودية. ويلاحظ أن الإحصاءات الأخيرة للبنك العالمي تصنف عمان من حيث هذه العلاقة في المرتبة العالمية الأولى.

علاقة الإنفاق العسكري بالمصروفات العامة. تمثل النفقات العسكرية العمانية 28.5% من النفقات العامة الكلية. وهذه أيضاً نسبة عالية في المقاييس العالمية. الإنفاق العسكري العماني يعادل المصروفات الاستثمارية لجميع الوزارات بما فيها مصروفات إنتاج النفط والغاز الطبيعي. ويعادل هذا الإنفاق ضعف مصروفات وزارتي الصحة والتعليم.
علاقة الإنفاق العسكري بالعوائد النفطية. عند مراجعة التقرير السنوي الأخير للبنك المركزي العماني نستنتج ما يلي:

في عام 2013 كانت نفقات الدفاع والأمن تستحوذ على 43.1% من الإيرادات النفطية الصافية. وفي عام 2018 أصبحت تعادل 59.3% من هذه الإيرادات. أي أن حصيلة ستة براميل من مجموع عشرة تمول القطاع العسكري. وتجدر الإشارة إلى أن العوائد النفطية لعام 2016 لم تكن كافية لتغطية النفقات العسكرية. يترتب على هذا الوضع تزايد اللجوء إلى التمويل الخارجي فترتفع الديون العامة.

الديون الخارجية

ارتفعت نتيجة تفاعل عاملين: العجز المالي وعجز الميزان الجاري.
في عام 2014 اقترضت عمان من الخارج مبلغاً قدره 60 مليون ريال فقط. في حين كان مبلغ العجز 1064 مليون ريال. أما في عام 2017 فقد ارتفع حجم الاقتراض الخارجي ليصل إلى 4093 مليون ريال. في حين كان مبلغ العجز المالي 3759 مليون ريال. وتكررت نفس الحالة في عام 2018 حيث بلغ الاقتراض الخارجي 2941 مليون ريال مقابل عجز مالي قدره 2650 مليون ريال. باتت الدولة مضطرة لمواجهة العجز ليس فقط في الميزانية العامة بل كذلك في الميزان الجاري.

لغاية عام 2015 ورغم العجز المالي المزمن كان الميزان الجاري في حالة فائض. الأمر الذي أدى إلى زيادة الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي. وبالتالي كان العجز المالي يمول من قبل هذا الاحتياطي. بيد أن عجز الميزان الجاري قاد إلى تناقص الاحتياطي النقدي من جهة وإلى الاعتماد المتزايد على القروض الخارجية من جهة أخرى فارتفعت الديون العامة خلال فترة قصيرة.

بموجب تقرير البنك المركزي العماني انتقل حجم الديون من 1.5 مليار ريال في عام 2014 إلى 11.1 مليار ريال في عام 2017. أي من 5% إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي. ووفق بعض التقديرات (وكالة موديز للتصنيف الائتماني مثلاً) أصبحت هذه النسبة 60% في عام 2019 أي حوالي 17 مليار ريال.
يترتب على هذا التطور تصاعد فوائد الديون التي انتقلت من 141 مليون ريال في عام 2014 إلى 478 مليون ريال في عام 2017 ثم إلى 618 مليون ريال في عام 2018. دخلت الميزانية العامة في حلقة مفرغة: يفضي العجز المالي إلى اللجوء المتزايد للقروض الخارجية التي تنقلب إلى نفقة عندما يحين موعد سدادها فيرتفع من جديد عجز الميزانية. ويزداد مرة أخرى اللجوء إلى القروض الخارجية وهكذا. في هذا الإطار كلما زادت خدمة الديون هبطت النفقات المخصصة للتوظيف والدعم والاستثمار. وكلما زادت خدمة الديون ارتفعت الضرائب. وبالتالي تسهم الديون مساهمة فاعلة في تدهور مستوى معيشة المواطنين.

تجري الاستعدادات لتطبيق الضريبة على القيمة المضافة. لكن تزايد الإيراد العام لا يفضي بالضرورة إلى تقليص العجز المالي. لذلك لابد من الضغط على الإنفاق العام غير المنتج خاصة المصروفات العسكرية التي تمتص القسط الأكبر من العوائد النفطية.

منشورات أخرى للكاتب